العام الجديد أسوأ

أيام ونودع عاما مثقلا بالويلات والمآسي، شهدت فيه منطقتنا العربية فظاعات لا تعد ولا تحصى. والعام الجديد لاينبئ إلا بالمزيد منها. يقول الصحفي الألماني يورغن تودنهوفر الذي قضى عدة أيام في معاقل "داعش" في العراق وسورية، إن القادم أسوأ، وإن التنظيم يستعد مع بداية العام الجديد لشن أكبر عملية إبادة دينية ربما شهدها التاريخ. في حديث متلفز مع يورغن، يقول أحد مقاتلي "داعش" ما ملخصه أننا سنقتل الشيعة في كل مكان، حتى لو بلغ العدد 150 مليون شخص.اضافة اعلان
في العراق تحبو جهود مواجهة المتطرفين على ركبتيها؛ النتائج متواضعة في الميدان، رغم ماسجل من تقدم على أكثر من جبهة. العملية العسكرية ماتزال بحاجة لغطاء سياسي يحقق لها الدعم الشعبي المفقود في أوساط العراقيين. ثمة حديث عن هجوم كبير في الربيع المقبل على معقل داعش في الموصل، لكن مايخشى المراقبون أن يأتي الموعد فيما "داعش" قد أحكمت سيطرتها على مناطق واسعة في غرب ووسط العراق.
الوضع أسوأ بكثير في سورية؛ ما من أفق سياسي للحرب الدائرة هناك، او على الأصح الحروب المشتعلة في أوصال سورية. من يقاتل من؟ لاتكاد تعرف. الثابت الوحيد هو أن "داعش" تحكم سيطرتها على مناطق واسعة، وتحرز تقدما على مختلف الجبهات.
وعلى الجبهتين السورية والعراقية، بدأ مقاتلو الدولة بشن هجمات على المناطق المحاذية لحدودنا، في اختبار للقوة، يمهد لما هو أكبر. تنظيم الدولة يسيطر على منافذ حدودية عديدة لسورية، ويضع نصب عينيه في العام المقبل، حدود البلدين مع الأردن.
إذا ما استمر الحال على ماهو عليه، فإن "داعش" ستكون على حدودنا خلال أشهر.
ليبيا تمضي على طريق سورية، واليمن تترنح في صراع داخلي لابوادر لتجاوزه. مصر ستواجه سنة صعبة يتقرر بعدها أي مسار ستسلك، وغزة تترقب عدوانا همجيا جديدا.
تونس اجتازت امتحانات صعبة، لكن الأعداء يتربصون لها في الداخل والخارج.
ما من بصيص أمل في العام الجديد. هذه ليست مجرد انطباعات متشائمة، إنما معطيات على الأرض لا تترك مجالا لرؤية ضوء في نهاية النفق.
العام الجديد سيشهد فظاعات اكبر؛ في العراق وسورية وليبيا واليمن، وربما تنضم دول جديدة للقائمة.
إننا نعيش اللحظة التاريخية التي تفتقد فيها القوى الإقليمية والدولية القدرة على ضبط الصراعات أو تسويتها، تاركة المجال أمام الفاعلين المحليين ليديروا الصراع كما يحلو لهم. والأسوأ في هذه اللحظة أن القوى الدولية التي عهد إليها لنحو قرن من الزمان هندسة العالم، وإدارة أزمته، تدخل في صراع مع بعضها، يشل قدرتها على التعامل مع صراعات إقليمية في العالم.
في بداية عام2014 كان العالم يأمل برؤية نهاية للأزمة في سورية، وحل للصراع العربي الإسرائيلي. لكن حصل العكس؛ انهارت فرص السلام في الشرق الأوسط، وتبددت الجهود الدبلوماسية في سورية، وانفجرت أزمة عميقة في العراق.
وهانحن نهم بدخول عام جديد على وقع القصف الجوي، والمجازر المروعة، والحروب الأهلية. لاصوت للدبلوماسية والسياسة.
السياسيون والمفكرون ورجال العلم انتقلوا إلى الصفوف الخلفية. تتصدر المشهد اليوم الجيوش، والإرهابيون، والدعاة، وأصحاب الفتاوى بقطع الرؤوس. لامكان للشعوب، بل للطوائف؛ أكثريات وأقليات.