دعونا لا نخسرهم

عندما يحصل طالب على علامة 100 %، وتسعة آخرون على 99.9 % فبالتأكيد أننا نقف أمام حالات غير اعتيادية، وعقول بشرية يجب الاستثمار فيها، وأن لا تُترك وحيدةً، بل ينبغي التخطيط لها لكي نؤسس من خلالها لنهضة علمية حقيقية، تكون هذه العقول أساسها.اضافة اعلان
هؤلاء الطلبة المتميزون يجب أن تتولاهم الدولة بالرعاية من اليوم، وأن تخطط لهم دراساتهم، وأن لا تدعهم يلقون بأنفسهم إلى جامعات لدراسة تخصصات تدفعهم بعد التخرج ليكونوا ضمن صفوف العاطلين عن العمل، أو أرقاما عادية في كشوفات نقابة الأطباء، أو المهندسين، وأطباء الأسنان، والصيدلة، وغيرها.
آلاف الأطباء يجوبون مستشفيات المملكة، ومثلهم مهندسون، كما تمتلئ الجامعات الأردنية بأعداد كبيرة من طلبة هذه الكليات، لذلك فدراستهم لمثل هذه التخصصات مضيعة للجهد والوقت، وقتل للإبداع الذي من الممكن جدا الاستفادة منه في حقول أخرى تواكب التطور العالمي، وتعود بالفائدة على الدولة.
على مدار السنوات الطويلة التي مضت خسرنا مئات من العقول الأردنية الشابة، التي ما أن أنهت متطلبات الثانوية العامة بتفوق حتى حملت حقائبها وتوجهت إلى المطار بحثا عن دراسة خارج المملكة، في جامعات ترى أنها أكثر قدرة على استثمارها، وآملا بوظيفة آمنة ومستقرة بعد التخرج. من حق هؤلاء الطلبة أن يخططوا لحياتهم بهذا الشكل، فهم يدركون جيدا أن سوق العمل في الأردن في أضعف حالاته، وإن نجحوا في الحصول على فرصة فالمردود المالي لن يسد الرمق، إضافة إلى ضيق أفق الإبداع وسوداوية الطريق أمامهم.
الدول التي يلجأ إليها الطلبة للدراسة في جامعاتها، تدرك أهمية هؤلاء لذا تجهد في محاولات تقديم مغريات كثيرة ومتعددة لهم، لإبقائهم فيها بدلا من العودة إلى الأردن، فهم بالنسبة لها كنوز لا تعوض ولا تقدر بثمن.
المطلوب من الدولة بجميع مؤسساتها أن تحيط هؤلاء الطلبة بسياج من ذهب، ومن هم على شاكلتهم من المتفوقين والمتميزين علميا، والاستثمار بعقولهم النادرة، وتوجيهها نحو دراسات هي عنوان مستقبل الدول، وتأهيلهم ليكونوا قادة في أماكنهم، والسخاء في الإنفاق عليهم، إضافة إلى توفير حياة راغدة لهم، وتفريغهم فقط للدراسة والبحث العلمي، وتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا نواة علماء الغد.
يجب أن لا ندعهم ينهلون العلم من أكاديميين قال عنهم وزير التعليم العالي الدكتور وليد المعاني إنهم لا يستحقون دخول بوابات الجامعات، كما يجب أن لا نسمح لهم بالدراسة من خلال كتب ومناهج وبرامج قديمة تعتمد التلقين بدلا من التحليل والاستنباط والفهم، ولا تتضمن رؤية واضحة لماهية العالم اليوم ومستقبلا. يجب أن نرى فيهم كينونة الوطن الذي نخطط له أن يكون.
هؤلاء الطلبة كالأطفال من السهل جدا قيادتهم وتوجيههم وتأهيلهم، واستخراج كل ما يملكون من طاقة وابتكار، فهم أرض خصبة مؤهلة، والدولة قادرة إذا ما أرادت على زراعة بذور في جوفها لجني ثمار لا يمكن وصف أهميتها وضرورتها.
يجب أن نحافظ على عقول أبنائنا قبل أن تسرقها إغراءات العالم الخارجي، كما سُرق من قبل أردنيون يجوبون الدنيا الآن تميزا وإبداعا.
نحن أمام فرصة عظيمة، في أن نبدأ بالاستثمار بنخبة من الطلبة الذين ينهون الثانوية العامة سنويا، وسوف نرى بعد سنوات قليلة بأننا أحدثنا ثورة علمية حقيقية، وأننا أسّسنا لدراسات حديثة هي محور العلم في العالم اليوم.