رواية "إله الأشياء الصغيرة"


صدرت رواية "إله الأشياء الصغيرة" العام 1996 للمؤلفة الهندية سوزانا ارونداتي روي، وحصلت على جائزة البوكر العام 1997، وما تزال تقرأ وتستعاد على نحو مؤثر في رؤيتنا للواقع المحيط بنا، ففي رصدها الذكي والصادق للواقع والذكريات والتحولات، تساعدنا روي على نقد الأحداث الكثيرة في حياتنا والتي تعكس الشعور الغامض غير الواعي بالمخاوف العميقة والمتصلة بمصيرنا ووجودنا ومعنى هذا الوجود. لم تعد الرواية تقرأ كقصة عائلة مسيحية سريانية في كيرالا في الهند، لكنها التحولات العميقة التي تعصف بحياتنا ووجودنا وتحولنا/ تعيدنا إلى ذرات من الغبار التائهة تسبح في الكون كما كانت قبل مئات آلاف/ ملايين السنين، نتساءل في الخوف والظلام: من نحن؟اضافة اعلان
في مرحلة الاحتلال البريطاني للهند وصعود الحضارة الغربية بقيادة الإنجليز، وجد السريان الهنود تميزهم في اللغة الإنجليزية وفي التعليم، لكن وكما حدث في جميع العالم عصفت الصناعة ثم الحوسبة والعولمة بكل ما لدينا، وتحول تشاكو؛ الشاب المتعلم في أكسفورد إلى متسول في كندا يسأل العابرين أن يمنحوه "سيجار" وتحول مصنع المخللات والمربيات إلى مكان مهجور، والصبية آمو شقيقة تشاكو من الجيل الثالث التي أحبت هندوسيا وأنجبت منه توأمين ابنا وبنتا؛ إستا وراحيل تركته لأنه مدمن كحولي، وعادت إلى بيت العائلة في كيرالا لتعشق فيلوثا شابا شيوعيا مثقفا ومبدعا من "المنبوذين"، وكانت تلك كارثة حلت بالعائلة، ومات فيلوثا تحت التعذيب في مركز الشرطة بتهمة اغتصاب آمو، ولم يغير من إفادة الشرطة شيئا أن آمو قالت إنها تحبه وكانا يقيمان علاقة برضاهما، وتنتقل آمو لتعمل في فندق ثم تموت مبكرا بمرض السرطان، وبعد سنوات طوال من الغياب عندما يعود إستا وراحيل إلى امينيم مكان إقامة العائلة منذ مئات السنين، يجدان المكان مهجورا موحشا.. مقر الحزب الشيوعي حوله الرفيق بيلاي إلى مطبعة، صار بيلاي عجوزا وأخبر راحيل أن ابنه لينين يعمل مترجما في سفارة هولندا! غير اسمه إلى ليفين! لكن سيارة "البلايموت" التي اشتراها جدّهما ما تزال باقية مركونة وشاهدة على عصر انتهى، ..كانت عائلة محبة للإنجليز في اللغة وأسلوب الحياة، وكانوا في ذلك يتجهون في الاتجاه الخاطئ، أو أنهم وقعوا في شرك خارج تاريخهم الخاص، وكانوا غير قادرين على استعادة خطاهم لأن آثارها قد مسحت! "لا ننتمي إلى مكان، أحلامنا تعرضت للتلاعب، نبحر بدون رسو في بحار متلاطمة، لا يسمح لنا بالاتجاه إلى شاطئ، أشجاننا ليست حزينة بما يكفي، وأفراحنا ليست سعيدة بما يكفي، أحلامنا ليست كبيرة بما يكفي، حياتنا ليست مهمة بما يكفي".
كانت عودة الجيل الرابع (استا وراحيل) إلى امينيم حالة يمكن وصفها بالقول البورجوازية المسيحية تدمر ذاتها، على نحو ما تربط روي هذه العودة بأغنية كانت في التلفزيون لحظة وصولها إلى البيت، يقدمها مغنّ متحول عند محطة المترو، غنى من صميم قلبه، كأنه يصدق كلمات الأغنية!
ماتت آمو وحيدة في غرفة قذرة في نزل، كانت قد ذهبت لإجراء مقابلة عمل كسكرتيرة لأحدهم، بعدما أوقف الفندق عملها كموظفة استقبال، كانت في الواحدة والثلاثين، ليست سنا متقدمة، ليست صغيرة، بل سن ممكنة للحياة، سن ممكنة للموت.
تلك الليلة جلست آمو في السرير الغريب في الغرفة الغريبة في الفندق الغريب في المدينة الغريبة، لم تتعرف على أي شيء حولها، وجدها عامل النظافة في الصباح، وأطفأ المروحة، ..رفضت الكنيسة أن تدفنها، حملها تشاكو في شاحنة مستأجرة إلى المحرقة الكهربائية، كانت المحرقة متعبة مهجورة إلا من المتسولين والذين يموتون وحدهم، ..قعقع باب الفرن وهو ينغلق. لم يكن هناك دموع، ذهبت مسؤولة المحرقة لتشرب فنجان شاي، وكان على تشاكو وراحيل أن ينتظرا عشرين دقيقة لاستلام الإيصال وبقايا آمو المحترقة، رمادها، جريش عظامها، أسنانها، ابتسامتها، كلها محشورة في وعاء فخاري صغير.