قصص الأطفال الكلاسيكية تربط معاني السعادة بيد فتى الأحلام فقط

الكثير من القصص الكلاسيكية كرست نظرة أن فتى الأحلام هو المخلص الوحيد للفتاة من كل ظلم وهو مفتاح السعادة - (أرشيفية)
الكثير من القصص الكلاسيكية كرست نظرة أن فتى الأحلام هو المخلص الوحيد للفتاة من كل ظلم وهو مفتاح السعادة - (أرشيفية)

مجد جابر

عمان -  تفاجأت الثلاثينية مريم علي من الأفكار التي شاركتها بها ابنتها البالغة من العمر سبع سنوات، في وقت كانت تتحدث معها عن مخططاتها للمستقبل وعن المهنة التي تنوي أن تتخذها لها، وبأنها لا بد أن تجد وتثابر حتى تصل لما تريده.
الا أن رد ابنتها عليها جعلها تسكت للحظات ولا تعرف ما ترد عليها عندما أخبرتها أنها ليست بحاجة لكل هذا التعب، وأنها عندما تجد فتى أحلامها مثل “سندريلا والأميرة النائمة”، سيحقق لها كل ما تريده بدون الحاجة إلى كل هذا العناء والتعب.
استغربت مريم كثيراً من أفكار ابنتها وردها عليها، ولم تكن تعتقد أن هذا النوع من القصص الكلاسيكية سيكرس لديها هذه النظرة إلى هذا الحد، وهو الأمر الذي جعلها تحاول التخفيف كثيراً من مشاهدة ابنتها لهذه القصص وتحاول أن تعلم ابنتها بشكل مستمر أن الفتاة لا بد أن تعتمد على نفسها وتحقق ما تريده بدون أن تنتظر شخصا ليحقق لها كل ذلك.
ابنة مريم ليست وحدها التي تأثرت بهذه القصص الكلاسيكية وسيطرت على تفكيرها معتقدة أن قدوم فارس الأحلام هو الخلاص والمحقق لكل أحلامها، فهند أحمد هي الأخرى تفاجأت هي وزوجها بابنتها البالغة من العمر 6 سنوات عندما ارتدت فستان والدتها وحذاءها ذا الكعب العالي، وجلست إلى جانبهما، ولدى سؤالها عن سبب جلوسها بهذه الطريقة، أخبرتهما بأنها تنتظر فارس الأحلام الذي سيأتي على فرس أبيض، ويأخذها معه إلى قصر كبير وفيه حمامات سباحة كثيرة وكل شيء جميل كما حدث مع “سنووايت”.
نظرات الاستغراب اعتلت وجهي الأب والأم اللذين لم يتوقعا أن يخرج هذا الكلام من ابنتهما وأن يصل تفكيرها إلى هذه المرحلة، ما جعل الأب يجلس مع ابنته ويخبرها بأن هذه كلها قصص خيالية، وليست من ديننا وعاداتنا ولا أساس لها من الصحة، وأنها بحاجة لأن تعتمد على نفسها وأن هناك أمورا أهم بكثير يجب أن تشغل بالها، وتبين هند أنه بعد ذلك أخبرها زوجها بضرورة تجنيب ابنته مشاهدة مثل هذه القصص واستبدالها بشيء مفيد أكثر يؤثر فيها.
ولعل الكثير من القصص الكلاسيكية الخيالية القديمة مثل “سندريلا، الجميلة والوحش، الأميرة النائمة”، وغيرها العديد من القصص كرست نظرة أن فتى الأحلام هو المخلص الوحيد للفتاة من كل ظلم وهو مفتاح السعادة لحياة ممتعة.
وهو ما شاهدناه وتجسد في قصص عدة مثل “سندريلا” عندما عوملت معاملة قاسية من زوجة الأب وبعدها جاء الأمير وتزوجها وخلصها من الظلم وعاشت أميرة بقية حياتها، الأمر ذاته تكرر مع القصة الكرتونية “سنووايت”، التي سممت من قبل الساحرة بالتفاحة وكادت أن تموت، إلا أن الأمير جاء على فرسه وطبع قبلة على جبينها، جعلها تنجو من الموت وتعيش حياة سعيدة معه.
خبيرة ومستشارة الطفولة المبكرة وعلم الوالدين، هالة حماد، تقول “إن هذه القصص هي وجبة يومية للأطفال تثبت هذه القيم عند الطفل، وقصة الفتاة المسكينة التي يأتي رجل ليخلصها مما هي فيه، من القصص الموجودة، إلا أنها قصص غربية يجب أن تعرض إلى جانب قصصنا المتنوعة، ولا يتم الاعتماد عليها وحدها فهي تدمر مستقبل الأطفال”.
كذلك يجب أن يعرف الأطفال، وفق حماد، أن الرجال الآن ليس ذاتهم الفرسان الذين كانوا موجودين بالقصص، مبينةً أنها قصصا بروسومات وإخراج مبهر تجعل الطفل يتعمق بها ويحفظها عن ظهر قلب.
وتشير إلى أنه لا بد أن تعرض هذه القصص على الأطفال ويوضع لها نهايات عدة تجعلهم يختارون من بينها وتعليمهم على التفكير الإبداعي، لافتة الى أنه يمكن أن تقدم بطرق مختلفة ومتعددة، لأننا الآن دخلنا في أنماط تفكيرية متنوعة ومختلفة عن سياق هذه القصص وبات للمرأة الآن الدور الأبرز والأهم في هذه الحياة.
لذلك لا بد أن تقدم هذه القصص، بحسب حماد، بطرق مختلفة أو نختار لهم القصص بطرق مختلفة وقصص متنوعة تعلم الأطفال استخدام عقلهم والتخطيط لمستقبلهم بأنفسهم، وإدخال بعض العلم والسلوكيات عليها.
وتضيف أنه يفضل عمل توازن مقابل كل قصة من هذا النوع بقصص أخرى مختلفة تعلمهم شيئا، لافتةً الى أننا الآن في زمن اقتصادي، لا يمكن فيه لأي فرد أن يعمل أي شيء وحده، ولا بد أن يتشارك الطرفان وليس كما تبين هذه القصص الخيالية.
وتؤكد في الوقت ذاته ضرورة أن تأخذ هذه القصص بسياقها ونطاقها أو تؤخر لمرحلة عمرية أكبر لدى الأطفال.
في حين ترى القاصة فلورا مجدلاوي أنه ما تزال “سندريلا”، وغيرها من الحكايات الشعبية الخيالية مثار اهتمام الكثير من الدراسات والأبحاث في عالم أدب الأطفال المعاصر اليوم.
وهنا لا يجب أن يغيب عن بالنا، كما تقول، أن “سندريلا” بتيماتها الرئيسة المعروفة التي وصلت إلينا، دوّنها “شارلز بيرو” في نهايات القرن السابع عشر، وازدياد رقعة عدم تقبلها اليوم هو انعكاس للتغيرات الكبيرة في عالمنا اجتماعيا وثقافيا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
وترى أن هذه الحكايات طبعت ونشرت في معظم اللغات، وقرأها الأولاد والبنات في شتّى بقاع الأرض، وشاهدها كثيرون كفيلم سينمائي، وهي بلا شك ترسخ لدى الولد صورة المنقذ والمخلّص، بينما سترى البنت نفسها ضحية تحتاج لمن ينقذها ويحميها، وهنا تكمن الإشكالية الكبرى.
وما يزال النقاش، من وجهة نظر مجدلاوي، دائرا حول الصور المشوهة والآراء المسبقة المغلوطة التي تزرعها هذه الحكايات في أذهان القرّاء، ليس فقط عن الفتاة وإنما أيضا عن الرجل.
وتضيف أن الأب غائب لا دور له في حماية طفلته من جهة، وهناك فتى الأحلام المخلّص الذي بمقدوره أن يحل كل المشاكل من جهة أخرى. أما هي فمستسلمة للحظ، هاربة من واقع إلى آخر لا تعرف عن هذا المخلّص سوى أنه أمير وسيم.
وهناك من ينادي بالتوقف عن تداول هذه الحكايات، في رأي مجدلاوي، ويذهب إلى المطالبة بحظرها، بينما هناك من ما يزال يبرر الحاجة إليها.
ويرى الفريق الأول، كما تقول، أن الطريقة التي يتم فيها تمثيل الجنسين في أدب الأطفال تؤثر في موقف القارئ وسلوكه، وقد تؤدي إلى قبوله لرؤية العالم كما قرأه.
أما أصحاب الرأي الآخر، فيرون أن في قراءة هذه الحكايات، تحفيزا للخيال ودافعا لتحقيق الأحلام، وأنها قد تقدم مادة ترفيهية فيها ترويح للنفس وتنفيس عمّا يكدرها.
ومن ناحية أخرى، تبين مجدلاوي أن هناك قصصا معاصرة برزت في النصف الثاني من القرن الماضي عمدت بشكل مفتعل إلى عكس هذه الصور النمطية تماما، فأعطت الرجل دورا سلبيا مستسلما ينتظر أن تنقذه المرأة البطلة.
واللافت هنا، كما تقول مجدلاوي، أن “سندريلا” عاشت أكثر من ثلاثمائة عام ولم يغربلها الزمن، وما تزال حاضرة حتى الآن، وما يزال يُعاد إنتاجها بنسخات معدّلة نصا وزمانا ومكانا.
وتردف “نرى اليوم في نسخة ديزني الأخيرة من فيلم “سندريلا”، والذي أُطلق هذا العام، تحوّلا كبيرا في السرد ومحاولة جديّة للتحرر من هذا التنميط الجندري، فأُعيدت الكتابة لتنتهي أيضا بالزواج، إلا أن سندريلا هي وحدها من وضعت حدا لتعسف زوجة الأب، وعلّمت الأمير دروسا مهمة ملهمة في الحياة ساعدته على تجاوز مشاكله”.
وما نحتاجه في أدب الأطفال، في رأي مجدلاوي، هو أن يُكتب بصدق ويعكس صورا حقيقية بعيدة عن أي افتعال أو تنميط مشوه لأي كان، والرسالة التي يجب ترسيخها على الدوام هي احترام الإنسانية، وتعزيز تكامل دوري الرجل في بناء المجتمع الإنساني، هو سند لها، وهي سند له.
في حين تذهب الاستشارية النفسية والأسرية والمختصة في علم النمو خولة السعايدة، الى أن الخيال المستخدم فيه ايجابية من حيث أنه ينمي الخيال والقدرات عند الأطفال، وله سلبية من حيث أنه من الممكن أن يجعل الطفل يغرق في هذا الخيال وينسى الواقع.
وتشير إلى أن الخطورة الكبرى في كرتون الأطفال ليست قضية الذكر والأنثى بقدر ما هي قضية القيم والمبادئ المتضمنة، وهي غالباً لا تعكس مجتمعنا وثقافتنا وديننا.

اضافة اعلان

[email protected]