لحظات حرجة الأولوية فيها للعقل والمسؤولية

نعيش لحظة بالغة الدقة والحرج ربما لم تشهدها الدولة منذ قيامها. الأولوية اليوم التي تسقط أمامها كل الاعتبارات والكلام الفائض العبثي ودسائس بعض السياسيين وانتهازيي الفرص هي الخروج من الموجة الثانية للوباء التي تضرب البلاد بشكل مخيف جعلنا نحتل موقعا متقدما في الإصابات والوفيات حسب مؤشرات منظمة الصحة العالمية.اضافة اعلان
لا يحتاج النهار لدليل حتى يقتنع من قرّر أن يركب رأسه ويغامر بحياته وحياة الآخرين بمن فيهم الأقرب له. الوفيات في تزايد مستمر والإصابات تتجاوز أو تقترب من تسعة آلاف إصابة يومياً وعدد الإصابات النشطة يتجاوز ثمانين ألف إصابة تراهن الدولة على التزامهم بالحجر المنزلي وهي مهمة تحتاج معجزة بل وتحتاج جيشا من الموظفين لمتابعتهم.
القدرة الاستيعابية للمستشفيات بشقيها العام والخاص تقترب من مؤشرات خطيرة قد تفشل جهازنا الصحي وقد يضطر الكادر الطبي – لا قدر الله- إلى اللجوء لخيارات صعبة في التعامل مع كل حالة كما حصل في بدايات الموجة الأولى في دول كبرى تملك أضعاف ما نملك من إمكانيات وقدرات.
في مثل هذه الظروف تُكتشف معادن الشعوب التي تؤمن بأن التضحية من أجل سلامة البلاد هي أرقي وأرفع مراتب الشرف والمروءة؛ وشعبنا حي وقادر وغيور وقد خبر في الملمات القاسيات عبر تاريخ دولتنا وأثبت أنه بحجم التحدي. والرهان كبير اليوم على أقصى درجات الالتزام بالوقاية والتباعد وعدم كسر الحظر لأن ذلك أسهل وأسرع وصفة للانتحار.
نتفهم أن الناس في ضيق وأن القلق والخوف وحالة الاضطراب تضرب مفاصل حياتنا ولكن لنتذكر بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم مَن يواجه الوباء والأهم أننا بالضرورة مضطرون أن نتعلم من التجارب الإيجابية التي بدأت تظهر في دول أوغل فيها الوباء ولكنها اختارت اللجوء لقرارات إغلاق قاسية تفهمتها الشعوب وتوسعت في حملات إعطاء اللقاح وهي اليوم تضرب مواعيد للعودة للحياة الطبيعية او شبه الطبيعية في الصيف المقبل.
ونحن نستمع للأصوات التي ترتفع منددة بالحظر الليلي بعد الساعة السابعة مساء وإغلاق يوم الجمعة نُصاب بالحيرة ونتساءل: هل يتابع هؤلاء حجم الكارثة التي نعيشها؟ علماً أن الإجراءات الحكومية في الذهاب للحظر الشامل مترددة وهي كما يرى كثيرون أقل القليل حيث يتوجب عليها أن تختار إجراءات قادرة على إحداث فرق يؤدي لكسر المنحنى الوبائي وهو ما لا نلمسه، ويبدو أننا مضطرون إذا ما بقيت الأمور هكذا لمواجهة حقيقة قاسية لا نتمنى حدوثها.
كنا نسجل في معرض نقد الأداء الحكومي البطء في رفع كفاءة الجهاز الطبي ولكنها نجحت في وقت قياسي بإنجاز خمسة مستشفيات ميدانية بالإضافة لرفع كفاءة القائمة أصلاً بالإضافة لدور الخدمات الطبية الملكية والقطاع الخاص، وفي مجال المطاعيم يتوقع أن يتم وحتى نهاية اليوم الخميس أن تكون وزارة الصحة قد دعت ما يقارب المائة ألف مواطن للحصول على اللقاح. وهذا يستدعي الإقرار بأننا أمام إنجاز دون أن ننكر خطورة التقصير الكارثي في حادثة مستشفى السلط.
عبور الازمة يحتاج الالتزام أولاً واخيراً ومن الجميع، وعلى الحكومة ألا تختار منطق المجاملة وألا تقع تحت أي اعتبارات لا تكون سلامة المواطنين هي المبتدأ والخبر فيها حتى لا نندم جميعاً. ولعل من الواجب التذكير أن من يختار هذه اللحظات الحرجة بالغة الخطورة للتوظيف والاستثمار والحسابات التي تصغر مهما علت أمام حياة الناس ومستقبل البلاد إنما يذهب للخيارات التي لا تمثل السواد الأعظم من الأردنيين.