ما لا يقوله لنا الإعلام عن الشرق الأوسط

فلسطينية ترفع العلم الوطني أمام مجموعة من جنود الاحتلال - (أرشيفية)
فلسطينية ترفع العلم الوطني أمام مجموعة من جنود الاحتلال - (أرشيفية)

روبرت فيسك – (الإندبندنت) 13/7/2014

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ذات مرة، كنا معتادين على الاحتفاظ بالكثير من القصاصات، برزم من قصاصات الصحف حول أي شيء كنا بصدد الكتابة عنه: إسرائيل، لبنان، إيران وغزة. ومن حين لآخر، كنا نذهب حتى إلى قراءة الكتب. ربما اختفى ذلك بسبب الإنترنت، لكنه يبدو في معظم تقاريرنا الصحفية وكأن التاريخ قد بدأ أمس، أو في الأسبوع الماضي فقط.اضافة اعلان
حسب تعريفات المغرمين بالأبهة، يُدعى ذلك "فقدان الذاكرة المؤسسية". ويبدو أننا نحن الصحفيين نعاني منه أكثر من المعظم. لكن قراءنا لا يفعلون، كما أعتقد. وإذن، إلى أين نذهب؟
"تجاهلت إسرائيل الدعوات الدولية المتصاعدة لوقف إطلاق النار، وقالت إنها لن توقف عدوانها الذي يصيب غزة بالشلل حتى يتم تحقيق "السلام والهدوء" في البلدات الإسرائيلية الجنوبية الواقعة في مرمى نيران الصواريخ الفلسطينية... وقد التقى مندوبو الوفود العربية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، وحثوا أعضاءه على تبني مشروع قرار يدعو إلى الإنهاء الفوري للهجمات الإسرائيلية، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار". هذه الفقرة مجتزأة من تقرير لـ"برس أسوسييشن".
الآن، إليكم مقالة افتتاحية نشرت في صحيفة "ناشيونال غارديان بوست" اليمينية: "إن لدينا قدرا كبيرا من التعاطف مع الناس العاديين في غزة. ولا شك أن الهجمات التي شنتها إسرائيل هذا الأسبوع على البنية التحتية للإرهاب في داخل المنطقة الصغيرة المكتظة بالسكان كانت قاسية جداً عليهم... حيث تستخدمهم حماس والناشطون كدروع بشرية. ولكن، دعونا نتذكر: إن كل ما هو مطلوب على الدوام لوقف هذه الهجمات هو أن يوقف الفلسطينيون عنفهم ضد الإسرائيليين".
إليكم ما نشرته صحيفة "الغارديان" أيضاً: "يوم أمس، وفي الوقت الذي كان فيه ثلاثة من أولاده يتمددون قتلى على أرضية المستشفى، كان السموني نفسه يرقد في سرير في الطابق الأعلى في مستشفى الشفاء، يتلقى العلاج من الجروح التي أصيب بها في ساقية وكتفه، ويحاول تهدئة ابنه محمد –خمس سنوات- الذي كان يعاني من كسر في الذراع.. وقال السموني: ‘إنها مذبحة. نحن نريد فقط أن نعيش بسلام’".
ومن أجل تأكيد سلامة الحكم أيضاً، إليكم ما أوردته وكالة رويترز: "وسعت إسرائيل أمس أكثر هجماتها الجوية شراسة في عقود على قطاع غزة الذي تحكمه حماس، وهي تستعد للقيام بهجوم بري محتمل، بعد القصف المستمر منذ ثلاثة أيام، والذي أدى إلى مقتل 300 فلسطيني... كما هاجمت الطائرات (الإسرائيلية) أيضاً منازل اثنين من كبار قادة الجناح العسكري لحركة حماس. ولم يكن الرجلان في منزليهما، لكن العديد من أفراد عائلتيهما كانوا من بين القتلى السبعة الذين أوقعهم القصف".
وأخيرا، وليس آخراً، إليكم ما كتبه روبرت فولفورد في صحيفة "ذا كانيديان بوست" الكندية: "لقد برهنت إسرائيل أنها أكثر الدول ضبطاً للنفس في التاريخ. لقد سطرت سجلاً في ضبط النفس لكل الأزمان".
الآن بطبيعة الحال، تجدون شيئا قرأتموه أعلاه مألوفاً تماماً. فمنذ الأسبوع الماضي، ما تزال إسرائيل تقصف غزة من أجل منع صواريخ حماس من ضرب إسرائيل. ويعاني الفلسطينيون من ذلك القصف بشكل غير متناسب، والأمر كله خطأ حماس. ولكن، إليكم المشكلة الحقيقية في كل هذا.
كان تقرير "برس أسوسييشن" المقتبس أعلاه قد نشر يوم 6 كانون الثاني (يناير) 2009 -قبل خمس سنوات ونصف السنة من الآن! ونشرت افتتاحية "الغارديان بوست" يوم 2 كانون الثاني (يناير) من العام نفسه. ونشر تقرير "الغارديان" يوم 6 كانون الثاني (يناير) 2009، وتقرير "رويترز" يوم 30 كانون الأول (ديسمبر) من العام السابق -2008. ونشر هراء فولفورد في الصحيفة الكندية يوم 5 كانون الثاني (يناير) 2009.
لكن الغريب، مع ذلك، هو أنه لا يوجد الآن مَن يذكرنا بأن المذبحة الدائرة اليوم هي إعادة فاحشة -من الجانبين- لما كان قد حدث من قبل، بل وقبل ذلك في حقيقة الأمر. وقد سجل المؤرخ الإسرائيلي اليساري إيلان بابيه كيف أفادت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بيتسليم) يوم 28 كانون الأول (ديسمبر) 2006، بأن 660 فلسطينياً قتلوا في تلك السنة وحدها، معظمهم في غزة، بمن فيهم 141 طفلاً؛ وأن القوات الإسرائيلية قتلت منذ العام 2000 نحو 4.000 فلسطيني وجرحت أكثر من 20.000 منهم. لكنه نادراً ما تمت الإشارة إلى كل ذلك في تقرير واحد يتحدث عن المذبحة الأخيرة المتمثلة في حرب غزة.
لماذا؟ لماذا نسمح لأنفسنا نحن القراء -ناهيك عن الصحفيين- بالمشاركة في من يمكن أن أصفه فقط بأنه مسح للذاكرة الجمعية؟ لأننا كسولون؟ لأننا لا نهتم؟ أم لأننا نخشى أن تفسيرات سفك الدم المتكرر ودائم العودة في إسرائيل ستقود القراء إلى البحث عن الأسباب الأعمق، وأن "أصدقاء" إسرائيل في الخارج ربما يتهموننا نحن الصحفيين المساكين الذين لا نؤذي أحداً باقتراح أن إسرائيل -ناهيك عن حماس الفاسدة- منخرطة في قدر أكبر بكثير من انعدام الشفقة، في حرب أكثر شراً وفحشاً بما لا يقاس مما تقترحه تقاريرنا المكتوبة حسب أسلوب الوكالات رقيق الحاشية؟
ليس هناك شيء جديد حول مسح الذاكرة. وإليكم على سبيل المثال هذا التحذير من الحرب الأهلية اللبنانية، والذي كان قد نشر في صحيفة "الإندبندنت" لا أقل: "بالنسبة للبنان، هذه أوقات متوترة... بما أن الطائفة العلوية التي تسيطر على السلطة السياسية في سورية هي شيعية في نهاية المطاف، وبما أن غالبية السوريين من السنة، فإنه ليس من الصعب فهم أكثر الكوابيس قتامة، والتي تصيب الناس في هذه المنطقة. وإذا قدر للصراع الأهلي في العراق بأن ينتقل غرباً، فإنه يمكن أن يفضي إلى كشف خطوط الصدع الدينية من بغداد إلى لبنان... وسوف يحمل مستقبلاً مريعاً لكامل العالم العربي". للأسف، كان روبرت فيسك قد كتب هذا، ونشر يوم 7 تموز (يوليو) 2006 -قبل ثماني سنوات بالضبط تقريباً- على صفحة 29 من الصحيفة.
ولكن، ولكي أختم فقط، إليكم تقرير لوكالة "رويترز" من مدينة الموصل، والذي سيبدو مألوفاً جداً للقراء في هذه الأسابيع القليلة الأخيرة: "قام المتمردون بإشعال النار في مراكز الشرطة، ونهبوا الأسلحة وجابوا بصلافة شوارع الموصل فيما بدت ثالث أكبر المدن العراقية خارج نطاق السيطرة..." لكن ثمة مشكلة صغيرة، بطبيعة الحال. كان هذا التقرير لوكالة "رويترز" قد نشر في العام 2004 -قبل 10 سنوات من الآن! وفي تلك المناسبة، كان الجيش الأميركي، وليس الجيش العراقي، هو الذي تترتب عليه استعادة مدينة الموصل من الثوار (للمرة الثانية، بالمناسبة).
أخشى أن الأمر كله يتعلق بالسياق، بهذا المسح للذاكرة. إنه يتعلق بالطريقة التي تريدنا الجيوش والحكومات أن نصدق بها -أو ننسى بها- ما يقومون به، إنه أمر يتعلق بالتغطية اللاتاريخية، وهو يتعلق –ودعوني أقتبس هنا من الصحفية الإسرائيلية الرائعة أميرة حاس- بـ"مراقبة مراكز القوى".
السؤال الذي يجب علينا أن نطرحه الآن -وهو سؤال يظل يطرحه القراء ومشاهدو القنوات التلفزيونية- هو: ألم نكن في كل هذا من قبل؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلاً، لماذا هذه الإعادة للعرض نفسه مرة تلو الأخرى؟

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Why doesn't the media ever mention the lack of progress in the Middle East?

[email protected]

alaeddin1963@