هل يكون الاتفاق السعودي الإيراني بوابة انفراج في العلاقات الإقليمية؟

زايد الدخيل اعتبر مراقبون أن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ تم البناء عليه وتعزيزه من خلال الالتزام بالمبادئ المتفق عليها، مشيرين إلى أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى انفراج في العلاقات وبناء نظام اقليمي مستقر بمساعدة القوى الدولية ذات المصالح في الشرق الأوسط. وقالوا في حديثهم لـ”الغد” إن اتفاق السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية، في صفقة توسطت فيها الصين، يطلق العديد من الرسائل، مفادها أن الصين بات لها دور في قضايا كانت بعيدة للغاية عن مجال نفوذها، فضلا عن صدمة كبيرة للاصطفاف الجيوسياسي للشرق الأوسط. وصدر الجمعة الماضية بيان ثلاثي مشترك عن كل من السعودية وإيران والصين، تضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتأكيد على حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي. واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاردنية الدكتور محمد مصالحة، هذا الاتفاق “تقدما كبيرا في تركيبة العلاقة الدولية”، مبينا أنه “يعد أحد المؤشرات التي يمكن أن تنهي الصراع الروسي الأوكراني، وتشكل نظاما دوليا جديدا متعدد الأقطاب، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وأضاف مصالحة: “والتغير الكبير يتمثل بأن الصين تدخل كوسيط في صراع السعودية وإيران الذي مضت عليه فترة طويلة، في الوقت الذي كانت تعتبر فيه المنطقة برمتها عبارة عن ساحة خلفية في السياسة الغربية بشكل خاص”. وتابع: “والحقيقة أنه حتى دول المنطقة لا تريد أن تبقى علاقتها حكرا على الولايات المتحدة، حتى إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والكتلة الغربية كانت تقوم على مبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز، أي إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، وهذا ما تريده دول الخليج وبلاد الشام”. وأضاف: “دول المنطقة تريد أن يكون على رأس القمة الدولية النظام الدولي أكثر من قطب حتى يكون هناك نوع من المعادلات التوازنية في كيفية النظر إلى الصراعات والتعامل مع النزاعات، وكيف يطبق النظام الدولي؟”. وأكد مصالحة، أنه “عندما لا يكون هناك سوى قطب واحد، كما الحال الآن مع الولايات المتحدة مثلا، تظهر ازدواجية المعايير، ما يعني أنه حينما يطرح أي موضوع فلسطيني، مثلا، في الأمم المتحدة، ويتضمن عدالة في بعض الجوانب التي تطرح، تستخدم واشنطن حق الفيتو، إذ لم يستخدم حق الفيتو في تاريخ مجلس الأمن بالقدر الذي استخدمته الولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية وحماية إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وهذا نموذج لخطورة القطبية الواحدة في العالم”. وقال: “لهذا، تبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي غير سعيدين بالوساطة الصينية أو دخول الصين كلاعب في منطقة الشرق الأوسط، بل يريدان محاربة حضورها أفريقيا وأوروبا، وإفشال ما يسمى (خطة طريق الحرير) التي تحاول الصين ان تفتح فيها خطا بحريا، وآخر بريا يخترق آسيا الوسطى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا”. واضاف: “هذه المؤشرات تثير غيظ الولايات المتحدة، فتسعى لإفشال هذه الخطط، كما أفشلت طريقة التعامل مع خط الغاز الروسي الذي يمد المانيا، حيث لم تكشف حتى الآن الجهة التي تقف خلف ضرب هذا الخط، رغم ان المؤشرات تشير إلى أن جهة غربية وقفت وراء هذا الفعل الذي سيحسم بنتائج الحرب الروسية”. ويرى مصالحة أنه “إذا نجحت الصين في رأب الصدع في العلاقة الإيرانية السعودية، باعتبار أنهما دولتان جارتان وكبيرتان، ولهما مصالح متقاربة أكثر من كونها متضاربة، فإن ذلك سينعكس على دول عربية أخرى، لكونها بحاجة إلى مثل هذه المصالحة”. وأشار إلى أن الصين تستطيع أن تلعب أيضا دورا في الأزمة الأوكرانية، في حال إعطائها فرصة من قبل الغرب الذي ما زال يرى أن الحل يكمن من خلال هزيمة روسيا، وهذا كما يبدو أمر مستحيل؛ لأن روسيا دولة نووية لن تهزم بسهولة. بدوره، يرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني، أن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية هو “خطوة في الاتجاة الصحيح إذا تم البناء عليه وتعزيزه من خلال الالتزام بالمبادئ المتفق عليها، حيث إن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى انفراج في العلاقات، وبناء نظام إقليمي مستقر بمساعدة القوى الدولية ذات المصالح في الشرق الأوسط”. وأضاف المومني: “الصين كوسيط لها مصلحة كبرى في المساعدة على إنتاج هكذا تفاهمات، حيث ترتبط بمصالح مهمة مع كل من السعودية وإيران، أما استمرار الخلاف بين الرياض وطهران فيعرّض هذه المصالح للخطر ويضع الصين في موقف الاختيار الصعب”. وتابع: “إذا نجحت هذه الوساطة فإن دور الصين العالمي سيتعزز كقوة عالمية لها القدرة على التأثير في الأحداث، وكوسيط محايد نزيه تثق به الأطراف المعنية، لكن تبقى معضلة الثقة المتبادلة وإمكانية الالتزام بهذه الاتفاقات، وخاصة من قبل إيران، آخذين بعين الاعتبار تاريخ عدم الثقة المتجذر بين الأطراف المعنية”. وتساءل: “هل قررت إيران أن تقوم باستدارة كبيرة وتغيير سياستها الخارجية تغييرا جذريا، أم أن ظروف الداخل فيها، والتطورات والضغوط الدولية فرضت نفسها من أجل استدارة براغماتية مؤقتة لاستيعاب هذة الضغوط والتطورات؟”. من جهته، يرى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن الاتفاق يشكل خطوة غير مسبوقة في علاقات متوترة بين الطرفين على الأقل منذ 2003، أي منذ دخول القوات الأميركية للعراق. وأضاف شنيكات: “حتى الآن يعالج الاتفاق، بالدرجة الأولى، العلاقات الثنائية، لأنه يعود لاتفاقيات عام 1998، واستئناف الحياة الدبلوماسية بين الطرفين جزء من الاتفاق الذي يعالج مسألة احترام السيادة الداخلية للدول، وهذا أصلا ما تطلبه السعودية التي تدعو إلى علاقات قائمة على حسن الجوار”. وتابع: ” أما السؤال اليوم فهو: كيف سيكون السلوك الإيراني في اليمن والعراق وسورية ولبنان، هل سيتغير أم لا، ربما نحكم على الاتفاق بمدى الالتزام ببنوده وتنفيذها”. ويرى أنه إذا “لم يتم الالتزام بالاتفاق فمن المتوقع أن تعود الأمور إلى نقطة البداية، لكن المتغير الجديد هو دخول الصين طرفا في الاتفاق، والتي لديها علاقات قوية جدا مع إيران، فضلا عن استثماراتها الكبيرة في البنية التحتية ومشاريع تكنولوجية وغير ذلك، والشيء نفسه فيما يتعلق بالسعودية إذ لديها علاقات قوية واستثمارات كبيرة فيها”. وقال شنيكات: “رغم ان هذه المنطقة تقليديا تعتبر من المناطق الحيوية التي تمثل المصالح الحيوية للولايات المتحدة، إلا أن دخول الصين على المنطقة يعد اختراقا دبلوماسيا للسياسة الخارجية الصينية”. وبحسبه فإن “الكفيل في تنفيذ هذا الاتفاق أو الضامن له هو الصين، وبالتالي سيتم تتبع الأمر من قبل بكين”، متسائلا: “هل ستضع الحرب أوزارها بشكل نهائي في اليمن، خاصة أن لإيران دورا مفتاحيا في هذا الموضوع، وكذلك في سورية، ولبنان الذي يعاني من مسألة تعطيل المؤسسات السيادية وغيرها من مشاكل”. وأضاف: “هذه كلها من النقاط الرئيسة بين الدول، والتي يتوقع ان تتبين حقيقتها في الفترة المقبلة”، موضحا أن “أمن الدول العربية مشترك، وعليها أن تتصرف بشكل جماعي فيما يتعلق بأمنها مع دول إقليمية، وحتى مع القوى الكبرى، لأنه في النهاية تعتبر تجزئة الأمن خطرا على هذه الدول”. واعتبر شنيكات الاتفاق “يشكل نقطة تحول وتغيير في السياسات الإقليمية”، مستدركا بالقول: “لكنني لا أستطيع أن أؤكد ذلك ما لم يسبقها حسن النوايا وكيفية التنفيذ”. اقرأ أيضاً:  بيان مجموعة السلام العربي حول اتفاق بكين الثلاثي لإنهاء القطيعة السعودية – الإيرانية وزير الخارجية السعودي: أتطلع إلى لقاء نظيري الإيراني قريباً واستئناف العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين هل ينهي اتفاق الرياض – طهران شلال الدم النازف في اليمن؟اضافة اعلان