"إرهاب التوجيهي".. إلى متى؟

مع ولوج عام جديد، تطل علينا مرة أخرى المعضلة الأزلية لـ"إرهاب التوجيهي"، وهي لفظة تبدو مخففة بالنظر إلى المعاناة الطويلة على مدار أشهر والتي تختبرها العائلات الأردنية خلال مرور أحد أبنائها بهذه التجربة.اضافة اعلان
مع العام الجديد، نتمنى أن يتم اللجوء إلى بديل "إنساني" لامتحان الثانوية العامة، للتخفيف من وطأة القلق والتوتر والخوف الذي يعاني منها الطلبة والأهالي. إنها رغبة كثير من الأسر بأن يكون العام 2012 عام التغيير في الشكل والمضمون لهذا الامتحان "المرعب"، وأن تتغير معادلات الثانوية العامة لمصلحة التحرر من جميع الأعباء النفسية والمجتمعية المترتبة عليه.
لسنوات عديدة استمر الحديث عن تغيير شامل في نظام امتحان التوجيهي، إلا أن شيئا لم يحصل، فبقي الخوف يلازم الأسر والطلبة من مرحلة تحديد المصير، بما أن المستقبل يعتمد على امتحان واحد وحيد، ومهما كانت حالة الطالب النفسية أو الجسدية، فعليه أن يقدمه، وفي ضوء علاماته يتحدد مسار حياته المستقبلية.
إن هذه المعطيات التي تنطلق منها الأسر في تفكيرها بمصلحة الأبناء، تجعلها تفرض "حصارا إجباريا" على طلبة التوجيهي، يصاحبه إعلان حالة طوارئ في البيوت، ومنع للزيارات، وكأن لسان الحال يقول: "اعذرونا. في بيتنا توجيهي".
التوجيهي بمعطياته الحالية، بات أشبه بعقدة نفسية تصيب الطالب بسبب مجتمعه، وكابوس يحطم معنوياته، فيدخل إلى قاعة الامتحان والرعب يسيطر على تفكيره وشعوره بأن مصير الجميع يتوقف عليه في تلك اللحظة.
الخوف الممنهج الذي يشارك فيه المعلمون والأهالي والذي يبدأ في المرحلة الإعدادية ويستمر، يتمحور حول زرع مفردات الترهيب مثل "كل دراستك في المدرسة كوم والتوجيهي كوم" ، و "إذا ما بتفلح بالتوجيهي وبتحصل على معدل عالي عمرك ما بتفلح بأي شي ثاني"، وغيرها من الجمل و"الأقوال المأثورة" التي تعزز مفهوم "سيادة" هذا الامتحان و"إرهابه".
إن تلك الأقوال، وغيرها الكثير، مما يأتي على ألسنة المعلمين والأهالي، لا تساهم إلا في تثبيط معنويات الطلبة وكسر عزائمهم وزرع الخوف في قلوبهم وإلغاء فرص الإبداع لديهم، فضلا عن كرههم لهذه المرحلة بسبب ما سمعوه عنها وما ترسخ في عقولهم بسببها عبر سني عمرهم.
ربما ذلك ليس ذنب المجتمع والمعلمين والأهالي، بقدر ما هو ذنب منظومة التوجيهي التي تحتاج إلى تغيير في شكلها ومضمونها لتتحرر من القيود وتكون هذه السنة كغيرها من السنين في حياة الطالب.
نحتاج أيضا إلى بناء هيكلية امتحان التوجيهي على أسس من الثقافة العامة وليس على أسس التلقين واختبار حافظة الطالب، وذلك يكون من خلال تغيير شكل الامتحان والحد من أعبائه، بدءا من تقسيم امتحانات التوجيهي على فصول، وصولا إلى تغيير صيغ القبول الجامعي.
الدور الرئيسي هنا يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم التي عليها الشروع الفوري والمباشر في الاستفادة من كل الدراسات والأبحاث والمقترحات التي وصلتها من قبل المتخصصين والأكاديميين على مرّ السنوات، لتشرع فورا في تغيير محتوى الامتحان الأكثر رعبا في مستقبل وحياة الطلبة.
الكرة ما تزال في ملعب الوزارة لتخليص الأردنيين من رعب أحاط بالأسر والطلبة سنين طويلة.. اسمه "التوجيهي".

[email protected]