"العقيد أبو شهاب" يبحث عن ورد

في خبر "الغد" المنشور يوم أمس أنّ الممثل السوري سامر المصري، الذي لعب دور "العقيد أبو شهاب" في المسلسل السوري المعروف "باب الحارة"، سيشارك في حملة البحث عن الطفل ورد.

اضافة اعلان

كما أكدت مسؤولة الإعلام في إحدى الجامعات الخاصة أن "أبو شهاب"، الذي سيحضر إلى الأردن الأسبوع المقبل، سيوقع على "الجدارية" التي تقيمها الجامعة في إطار البحث عن ورد، الذي مضى على اختفائه قرابة خمسة وثلاثين يوماً.

إذن، دعونا ننتظر "الفرج" على يد "أبو شهاب" بعد أن عجزت الجهود الأمنية المكثفة التي شارك فيها آلاف أفراد الشرطة وعشرات المحققين، والعديد من الأجهزة الأمنية المتخصصة المحترفة في حل "لغز" اختفاء الطفل الصغير، الذي أصبح قضية حيوية تشغل الرأي العام الأردني!

سيسارع بعضهم بالقول إنّها "خطوة رمزية" تهدف إلى لفت الانتباه إلى قضية الطفل الغائب، من قبل أصحابها، لا أكثر! (وكأنّ موضوع ورد بحاجة إلى لفت انتباه بعد أن أصبح حديث الشارع ومبعث هواجس لكثير من الأردنيين)!

لكن هذا التفكير، في المقابل، يمثل أنموذجاً واضحاً على عقلية سائدة لدينا في التعاطي مع الظواهر والأحداث والمشكلات التي تواجه المجتمع، وتتمثل في أسلوب الفزعة والدعاية الإعلامية والنبرة العاطفية الخطابية، وهي حالة غريبة في مجتمع تقول الإحصائيات واستطلاعات الرأي العام إنه يتمتع بوعي سياسي كبير وترتفع فيه نسبة التعليم والدراسة، ويلعب الإعلام دوراً رئيساً في المشهد السياسي!

المشكلة ليست مع الممثل السوري، وهو ضيف عزيز، لكنها في الجهود والأعمال والذهنية التي تذهب غالباً في الاتجاه الخطأ! فتهدر الوقت والعمل، وتبتعد عن الاهتمام بالمشكلات الحقيقية، فتهرب إلى جوانب ثانوية وصيغ سطحية لا أهمية لها ولا تؤثر على أرض الواقع.

سيحظى "أبو شهاب" بتغطية إعلامية جيدة، وستستثمر الجهات الداعية حضوره لتلميع صورتها الإعلامية، وسيبرز موضوع الزيارة في بعض الصحف، وربما الفضائيات، باعتباره من الأخبار الطريفة المسليّة التي تهتم بها شريحة واسعة من الناس.

يتعين على المؤسسات الأكاديمية أن تدفع باتجاه تعليم طلبتها أصول البحث العلمي والتفكير المنطقي في حل المشكلات الاجتماعية والسياسية المحيطة،  والنأي عن الحلول البدائية والتعلق بالأوهام!

 على جامعاتنا ألا  تتخلى عن دورها الفاعل في النهوض بالبيئة المحلية المحيطة، وأن تساهم في مواجهة المشكلات الاجتماعية والثقافية والتنموية!

ولا غرابة، إن لم نلتفت إلى دور الجامعة الحقيقي أن تتبدل أحوال أغلب الجامعات المحلية، الحكومية والخاصة، من "محاضن" ومراكز للتنوير الثقافي والعلمي وبناء جيل يؤمن بالقيم المدنية وبدور العلم في التطوير والتنمية إلى معاقل للعنف الجامعي القائم على أسس الولاءات الاجتماعية والقبلية والجهوية.

المشهد الجامعي اليوم تختفي فيه الأدوار الفاعلة للأندية الثقافية وتخفت السجالات الفكرية والسياسية بين الطلاب، فتحل محلها سلوكيات استهلاكية شكلية واجتماعية بدائية.

في سياق ذلك، ما داعي الصدمة التي شعر بها المسؤولون والسياسيون والإعلاميون عندما خرجت دراسة استطلاعية تقرع جرس الخطر بأنّ هنالك أزمة هوية وفقدان بوصلة حقيقيا لدى طلبتنا وأبنائنا!

بالمناسبة، فإنّ تلك الدراسة بقيت حبيسة الأدراج أسابيع عديدة، لدى الحكومة، لم تفرج عنها، لو لم يجرالحصول عليها ونشرها. وربما لولا ذلك لما عرفنا عنها إلى الآن!

المطلوب ليس "جدارية" تتحدث عن ورد، ولا "شخصية أسطورية" تبحث عنه، بل مؤسسات فكرية وعلمية تقف عند الأحداث التي هزت المجتمع في الآونة الأخيرة في قضايا الأمن الاجتماعي وأسبابها وشروطها والحلول العلمية- الواقعية للتعامل معها.

المطلوب، بصورة عامة، من الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث والمؤسسات الفكرية والسياسية والقانونية والرسمية ليس التطبيل والتزمير والتصفيق بمناسبة عيد الاستقلال والعشرية الأولى لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، وأن تترك ذلك للهيئات الفنية، وتتفرغ هي لدورها الحقيقي المفقود في المجتمع، وإلاّ فإنّ هذه المؤسسات باتت جزءاً جوهرياً من المشكلات لا الحلول، وجرس الخطر يقرع اليوم حولها لا تقرعه هي!

[email protected]