المناعي.. فقدان بصره وهو صغير كان دافعا لتحقيق حلمه ليصبح أستاذا جامعيا

الدكتور أحمد عبد المولى المناعي - (من المصدر)
الدكتور أحمد عبد المولى المناعي - (من المصدر)

سوسن أبو غنيم

عمان- بعد أن كانت المدرسة واقعا أصبحت حلما، وبعد أن كانت رؤية المكان بتفاصيله شيئا روتينيا ويوميا، أصبح وكأنه أمر مستحيل، وبعد أن كان رؤية الأصدقاء والأقارب واللعب معهم بسلاسة استمتاعا يختبره كل يوم، أصبح ماضيا لا يمكن الرجوع إليه.
كل تلك الحقائق الموجعة كان يمكنها أن تفقد أحمد عبد المولى المناعي، الأمل، وتقف بطريقه فيستسلم إلى اليأس والقهر، لكن هذا الواقع المؤلم نتيجة الإعاقة المبكرة التي ألمت به حينما كان طفلا لم يكن حجر عثرة في وجه تطلعاته، فظل يحتفظ بروح المثابرة، ويصر على تخطي جميع الصعاب.
الدكتور أحمد عبدالمولى المناعي، المدرس حاليا بكلية الشريعة في جامعة اليرموك؛ تعرض لحادث موجع وهو في الثالث الابتدائي تسبب بفقدانه البصر منذ طفولته، تابع على إثره مراحل العلاج في المستشفيات الأردنية، وكانت التقارير الطبية تؤكد أن المعالجة باتت من المستحيلات ولا يمكن التدخل الطبي بأي شكل لإعادة البصر إليه.
أكمل المناعي الصف الرابع مع زملائه وهو كفيف، كان مستمعا فقط. وبعد البحث والتحري استطاع والده أن يتوصل إلى مدرسة للمكفوفين تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، وانتقل بعدها من إربد إلى عمان لإكمال المرحلة التعليمية، وصولا للصف التاسع، وبعد ذلك انتقل إلى قريته "كفر أسد" لإتمام دراسته في المدارس الحكومية مع أقرانه المبصرين.
لم تقف الإعاقة عائقا أمام إرادة المناعي، فأصر على إكمال دراسته، فكان قد تعلم في مدرسة المكفوفين طريقة "برايل"، واعتمد عليها لتدوين ملاحظات الدروس وللحفظ.
ويقول المناعي "أنهيت المرحلة الثانوية بامتياز؛ حيث حصلت على معدل 90 في "التوجيهي"، وكنت أحتل المرتبة السادسة في المملكة من العشرة الأوائل، كانت الفرحة عارمة وكبيرة جدا للأهل، وأجريت معي لقاءات صحفية عدة حتى وصل الأمر الى الديوان الملكي فاستدعاني جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله، هنأني وأهداني ساعة خاصة بالمكفوفين وتكفل بتعليمي في الجامعة من البكالوريوس حتى نهاية دراسة الدكتوراه".
ويضيف المناعي، أنه درس الشريعة الإسلامية في الجامعة الأردنية، وأنهى مرحلة البكالوريوس في ثلاث سنوات، وكان الأول على دفعته، موضحا أنه كان يسابق الوقت والزمن لتحقيق أحلامه وأهدافه؛ حيث وظف بعد تخرجه مباشرة في كلية "بنات إربد".
وبعد أن أنهى البكالوريوس، التحق المناعي ببرنامج ماجستير التفسير وعلوم القرآن الكريم في الجامعة نفسها، وحصل على درجة بالامتياز، ثم أكمل رسالة الدكتوراه في علم التفسير في السودان، وبعدها عاد للأردن ليحصل على شهادة الماجستير في العلم الحديث في الجامعة الأردنية.
كل ذلك لم ينسِ المناعي حبه للغة العربية ورغبته في دراستها، وهو ما دفعه للتسجيل في جامعة اليرموك في تخصص اللغة العربية وإنهاء مرحلة البكالوريوس بعامين ونصف، وأكمل بعدها رسالة الدكتوراه في التخصص نفسه.
ومن الصعاب التي واجهها المناعي خلال دراسته، أن دراسته لبكالوريوس اللغة العربية تزامنت مع رسالة الدكتوراه في الحديث الشريف، فيقول "في منتصف الفصل استدعاني رئيس قسم التسجيل، قال لي أنت أحمد عبدالمولى مناعي طالب في قسم اللغة العربية؟ قلت له نعم، قال وأنت أحمد عبدالمولى المناعي طالب دكتوراه في الحديث الشريف؟ قلت له نعم، قال كيف تجمع بين تخصصين في جامعة واحدة؟ هذا ممنوع، قلت له القانون ليس فيه نص المنع، بحث في القانون والنظام الداخلي ولم يجد، قال لكن لا بد منك أن تختار مقعدا واحدا، قلت له وماذا أصنع؟، لقد دفعت رسوم التخصصين وأنا الآن على أبواب التخرج في بكالوريوس اللغة العربية، قال لي إن الجامعة بشكل تلقائي ستلغي لي أحدهما".
ويبين المناعي قائلا، إنه ذهب إلى مكتب رئيس الجامعة، وكتب قصته وقدمها، وفور قراءة رئيس الجامعة الرسالة، تحرى وبحث عن مستواه في كلا التخصيين ووجد أن تقديره "امتياز"، ليثني رئيس الجامعة عليه، ويقول إن مثل هذا الطالب الذي يجمع دراسة تخصصين وبكليهما متميز مع ملاحظة أنه كفيف لا بد من أن يكافأ ويتوج"، وبعدها أصدر قرار بالموافقة على إتمام دراسته في البرنامجين.
مرحلة جديدة بدأت بعدها في حياة المناعي، فبعد عناء كبير بسبب وضعه الصحي وعدم تقبل الجامعة لوجود شخص كفيف بينهم، استطاع الحصول على وظيفة أستاذ مساعد في جامعة البلقاء التطبيقية، واستمر بالعمل فيها 10 سنوات، وبعدها انتقل للعمل في جامعة اليرموك كمدرس في كلية الشريعة حتى الآن.
وعن تجربته التدريسية وتعامله مع الطلاب، يقول المناعي "إن المحاضرة تمر بغاية السلاسة والنظام، ويستطيع التمييز بين الطلاب بسهولة، فهو يتعرف عليهم في أول لقاء لهم، ويحفظ أصواتهم ويميزها بالإضافة إلى أرقام مقاعدهم".
ويضيف "عندما أطرح سؤالا وأقول يا فلان وأتجه بوجهي نحوه يصاب الطلاب برهبة ويظنون أنني لست كفيفا، فالله عز وجل يهيئ لمن يبتليه بشيء معين ليعوضه بأشياء أخرى".
ولا ينكر المناعي فضل زوجته عليه، فقد كانت، وكما وصفها "يده اليمنى"؛ إذ يقول "كانت زوجتي أم عبدالمولى ترافقني في ذهابي إلى الوظيفة وترافقني بالسفر، وهي متمكنة أيضا من قيادة السيارة، فتتنقل بي من مكان لآخر، ولطالما سهرت وتعبت من أجل أن تقدم مساهمة في مسيرتي العلمية والعملية".
ولأن المناعي بطبيعته لا يحب أن يثقل على أحد، عمل على تعلم التكنولوجيا، وأصبح قادرا على التعامل مع الحاسوب، ليستطيع اجتياز هذه المرحلة بوجود الأجهزة الناطقة لجهاز الحاسوب ولجهاز المحمول، مبيناً أنه طبع رسالة اللغة العربية بنفسه.
ويقول المناعي "إن كفر أسد ما تزال مرسومة في مخيلته، بيوتها وشوارعها ومساجدها،" مضيفا "الصورة التي غادرتني منذ صغري ما تزال مستمرة معي إلى الآن".
ويشير المناعي إلى أنه واجه معاناة كبيرة، موضحا "لكني كنت مصرا على أنه يجب أن أثبت وجودي، يجب أن أكون، كف البصر لن أسمح له أن يكون عقبة، أو قيدا يكبلني، كنت أرى إخوتي المكفوفين وأرى أحوالهم، ما كنت لأقبل أن أكون مثل أي منهم إلا البارزين، فأنا أردت أن تنطق إنجازاتي بالنيابة عني".
وتنتصر الإرادة في النهاية، فإن وجدت تجاوزت كل إعاقة ورسخت مبدأ واحداً أن لا إعاقة مع الإرادة، وهو ما انطبق على المناعي بانتصاره وتفوقه.

اضافة اعلان

[email protected]