حكي بحكي

 ثقافتنا الشعبية مليئة بالأوصاف والتصنيفات والأحكام. بعضها يصف الحالة  والآخر يتناول الأشخاص والبعض قد يعبر عن النظرة للأماكن والمواقف. لكل فرد في مجتمعاتنا لقب أو صفة بعضها تتحول مع مرور الزمن إلى اسم تستخدمه العائلة بفخر مهما كان مصدره ودلالاته. المتمعن في أسماء العائلات الأردنية يجد أن غالبيتها تعود إلى الصفات أو الألقاب التي أطلقت على آباء وأجداد من يحملون الاسم اليوم.اضافة اعلان
   بعض الألقاب التي تضاف لأسماء الأشخاص تذكر خصالهم الطيبة والحميدة لكن غالبيتها قد لا تكون محببة للفرد وربما جرى ابتكارها واستخدامها  لغايات السخرية والتهكم أكثر من الإطراء والمديح. في كافة الأوساط يوجد أشخاص يتخصصون بنحت الصفات والأسماء والألقاب وإطلاقها على  الأشخاص. من الصعب أن تجد أحدا في القرى والأرياف وحتى البادية بدون  كنية أو لقب غير الاسم الذي يجري استخدامه في المعاملات الرسمية.
  الصفات والألقاب تستوحى من شكل الفرد ولونه وحجمه أو من عاداته وسلوكه وطباعه وتتكرس الصفات إذا ما كان الشخص شقيا او هادئا في حين قد يجري تجميد الصفة او اللقب إذا ما تماشى الفرد مع محيطه واستجاب لمتطلبات التكيّف. في معظم البيئات يشتق الناس من الطول والقصر ولون البشرة وشكل العيون والانف والآذان والفم  وغزارة او ضحالة شعر الرأس القابا على هيئة ( ابو طويلة، والأزعر، وأبو سمرة، والأقرع، والأحول، والأكتع وغيرها). وفي مرات كثيرة تشكل عادات الصدق والكذب والخداع والتدليس والسرقة والعدوان والنظافة والتجسس ونقل الاخبار والغش وطريقة الأكل والنوم والمشي مصادر مهمة لاختيار الصفات والكنى.
 للألقاب وظيفة مهمة في تطويع الافراد وضمان طاعتهم وامتثالهم. ففي كل مرة يحاول الفرد الخروج على رأي الجماعة وخرق التفاهمات والمقترحات التي يطرحها المتنفذون تجري محاولات الردع للفرد الخارج من خلال سياط السخرية والتحقير والتهكم  باستخدام اللقب او الصفة التي جرى إلصاقها بالفرد دون استمزاجه او موافقته.
  لكي يصبح الوسم فعالا تحرص الجماعات على تدريب الافراد على  استدخال اللقب او الصفة وتجنب سماعها في مراحل عمرية مبكرة. في بعض الأحيان تسهم الأمهات في توليد الاستجابات الأولى للألقاب من خلال   تعليقاتهن على عادات وسلوك الأبناء وفي أحيان أخرى يقوم بذلك الرفاق كما قد يحدث ذلك في المدرسة او الحي.
 من أكثر الصفات والألقاب شيوعا تلك المتعلقة بالانحراف " كالأزعر" أو "السرسري". ألقاب أخرى  تلحق بمن يكثرون الوعود والغزل ويعبرون عن حسن النوايا ولا يتطابق سلوكهم مع ما يقولون صفة " بياع حكي" أو" دجالين". في كل مجتمع وفي معظم المؤسسات والعشائر والأسر هناك أشخاص ألسنتهم عذبة ويقولون أشياء تعجب السامعين لكنها لا تتجاوز في أثرها حدود الموقف الذي تقال فيه. هؤلاء الأشخاص يولّدون في نفوس السامعين الكثير من الآمال التي سرعان ما تنطفئ.
 الأوصاف التي يطلقها الناس على الأقوال غير المتبوعة بالأفعال كثيرة هي الأخرى، فقد يكتفي البعض بالقول "حكي بحكي" وقد يسخر البعض بالقول " "أسمع كلامك أصدقك...أشوف فعايلك أتعجب"، أو قد يستعير البعض جملة من سيناريو أحد المسلسلات التلفزيونية المحلية "يا ما حكو ع باب هالدكان".
 الكثير من الوعود الحكومية والرسمية التي سمعها الناس عن  حماية المستهلك ودعم الفقراء لا تجد لها أثرا على واقع هؤلاء، فتكاليف الحياة في ارتفاع مستمر وأوضاع الناس في تدهور دائم . البنزين الذي اصبح ضرورة يومية لاكثر من مليون أسرة اردنية وصل الى سعر يتجاوز كل السقوف ومن الصعب تخيل وجود مثيل لسعره المحلي اليوم في أي مكان آخر فاللتر بدينار.    سعر تنكة البنزين اليوم أعلى مما كانت عليه عندما كان سعر برميل النفط ضعف ما هو عليه اليوم . بالتزامن مع هذا الرفع مئات السلع والخدمات لم تعد في متناول الفقراء ومتوسطي الدخل.
 الكثير ممن كانوا يخشون الالقاب والصفات لم يعودوا مهتمين لما يمكن أن يقال فقد استساغوا الالقاب والصفات وأدركوا أن لا قوة ولا تأثير للناس ولا للرأي العام أو للضبط  والردع الذي كانت تمارسه الجماعة على افرادها.. اليوم كلٌ يغني على ليلاه.