خير عكر.. فنان فلسطيني يطوّع الحديد

الفنان الفلسطيني خير عكر يحمل بعض أعماله الفنية -(من المصدر)
الفنان الفلسطيني خير عكر يحمل بعض أعماله الفنية -(من المصدر)

عكا - في مشغله بقرية المكر في قضاء عكا ينكب الفلسطيني خير عكر على إنجاز تمثال حديدي ضخم سيحفظ داخل قلعة تاريخية في جمهورية التشيك، بأنامله التي اعتادت أن تنساب برقة على الأوتار يطوّع عكر الحديد بالمطرقة والنار فيخرجه تحفا فنية في غاية الدقة والإتقان، وفي مقارعته للحديد تلك أصبح عكر فنانا بشهرة عالمية.اضافة اعلان
يستهل الفنان الفلسطيني (45 سنة) عمله في الصباح باحتساء فنجان قهوة وبعزف قصير لأنغام رحبانية على غيتاره المعلق دائما على الجدار. يضع غيتاره جانبا ليقبل على المطرقة والإزميل لكنه لا يغادر خيالاته الفنية، فتحويل الحديد إلى قطع فنية مهنته المحببة التي يعبر فيها عن طاقاته الفنية وتؤمن له عيشا كريما، والعزف صباحا يمنحه الهدوء والسكينة والتركيز ويحفزه على الخلق والإبداع.
في تلك الحالة من التجلي الفني يوفق خير بين العزف على الأوتار بلمسات ناعمة مغنيا "فرخ البط عوام" وبين تطويع الحديد بالمطرقة والنار والأيدي المعروقة القوية، وفي حالته أيضا "فرخ البط عوام"، فنجله البكر يعزف على الغيتار ويتدرب على عزف الموسيقى اليونانية في الليل، وفي النهار يشارك والده هواية تطويع الحديد للفن.
أنجز عكر آلاف الأدوات والمجسمات الفنية بأدوات تقليدية يدوية كالمطرقة دون أي أداة كهربائية وفق أصول الحدادة العربية -كما يقول-، وحاز على جوائز ومراتب أولى تقديرا لمنجزاته ومنها تمثال معدني صممه تعبيرا عن "الربيع العربي" على شكل ثلاثة عصافير كرمز للحرية والنهضة، محفوظ منذ العام الماضي في متحف العاصمة الأوكرانية كييف.
وكانت أول المعارض الفنية الدولية التي شارك فيها معرض "تعايش الشعوب" في لندن العام 2007، وهناك تعرف على رابطة الفنانين الإيطاليين واستجاب لدعوتها بالمشاركة في مسابقة فنية عالمية بمشاركة 500 فنان تحت عنوان "سحر الضوء".
في هذه المسابقة الدولية فاز بالجائزة الأولى عن مجسم معدني يرمز لولادة الأم وخروج الطفل لنور الحياة. ويتركّب هذا التمثال الحديدي المصقول من سيدة رأسها على شكل ورقة شجر ومنها يتفرع غصن على شكل هلال يهب الضوء للجنين ويوجد هذا المجسم حاليا في المتحف الإيطالي القومي. وبجوار ورشة العمل تزدحم جنبات معرض منتجات عكر بالأعمال اليدوية التي تنم عن رؤية خلاقة ولمسة فنية ماهرة تجعل قطعة معدنية صماء تتحول بين يديه بعد ساعات إلى تحفة فنية بعد تسخينها بواسطة الفحم الحجري.
وقد اختار العمل طيلة 15 عاما عازفا في فرقة موسيقية، لكنه ما لبث أن عاد في 1995 للعمل اليدوي ولممارسة الفن التشكيلي والعمل في هذا النوع النادر من الحدادة مستجيبا لنداءات موهبته في الرسم والتجسيد وتطويع الحديد التي تعد -بحسبه- جزءا من التراث العربي.
وبخلاف فنانين آخرين لا يستعين عكر بكتلوجات بحثا عن تصاميم ورسومات، فهو يبدع أعماله وتصاميمه بنفسه حسب الحالة، وتكثر الأسماك والطيور والزهور في أعماله انعكاسا لحقيقة كونه ابن منطقة ريفية على البحر الأبيض المتوسط، وبالنسبة له ذلك "انعكاس لما اختزن في الذاكرة منذ الطفولة واستلهام للواقع".
ويعتز عكر بشكل خاص بلوحة معدنية كتب فيها بحروف معدنية "بسم الله الرحمن الرحيم". ولتأمين لقمة عيشه ينجز الفنان الفلسطيني أعمالا بيتية وأدوات منزلية كالجدران والأسرّة والمقاعد والطاولات الحديدية وغيرها.
وليس خير عكر وحده في العائلة من يجيد لغة الفن داخل بيته، فشقيقه محمد الذي يعمل معه أحيانا يحفر بالخشب ومحترف في فن الأرابيسك أيضا وينتج مجسمات متقنة.
ويقول عكر إن الحديد يطوع بالنار أما الحفر بالخشب فهو أسهل، لكنه يشير إلى أن ما يجمعهما هو "خطر أن يذهب الجهد سدى لأن الخشب قد يكسر والحديد يزداد صلابة إذا ما برد ويصبح غير قابل للتصحيح".-(الجزيرة نت)