دعوة للعنف!

بداية، أنا مع إقامة مهرجان جرش بكل فعالياته على أرض المدينة التاريخية، ولا أرى أن فكرة نقل فعالياته إلى مكان آخر صائبة، كما أنني مع إقامته بشكل سنوي والمحافظة على ديمومته.اضافة اعلان
تأسيسا على ذلك أختلف مع إدارة مهرجان جرش من حيث انتقاء الفعاليات، ومضمون بعض الفقرات، وعندي وجهة نظر في بعض المغنين المدعوين، ومدى تأثيرهم، وإيمانهم بأفكار تنويرية حضارية، ولكن ذلك لن يدفعني للمطالبة بإلغاء المهرجان أو توصيفه بأقذع الأوصاف.
شخصيا، ميال لوجود فنانين من طينة مارسيل خليفة، سميح شقير، لطفي بشناق، جوليا بطرس، ماجدة الرومي، كاظم الساهر، محمد عبده، فيروز، وليد توفيق، عاصي الحلاني، جورج وسوف، آمال ماهر، محمد منير، أميمة خليل، ومن على شاكلتهم ممن غابوا عن الذهن. وأراني اشد ميلا ليكون المهرجان بوابة للشعر والشعراء، وان يجلس على مدرجاته شعراء عرب طالما أخذونا إلى أعذب الكلمات والأفكار، مثل شوقي بزيغ، سعدي يوسف، تميم البرغوثي، ادونيس، حيدر محمود، إبراهيم نصرالله، وغيرهم ممن أثروا إيجابا في ثقافتنا الإنسانية، وساهموا في تهذيب أفكارنا الصحراوية، وان يكون المهرجان ذا صلة بتواصل الحضارات، وتعزيز الثقافات بين أبناء المعمورة، ونرى سنويا فرقا فلكورية من شتى أصقاع العالم، تقدم فنونها ورقصاتها، وتعرفنا بما عندها، لأننا بالضرورة سنذهب إليهم لاحقا للهدف ذاته، وفي هذا تواصل ثقافي وحضاري وإنساني نحن بحاجة إليه، في ظل بروز أفكار إقصائية ظلامية داعشية تهيمن على رؤوس بعض أبناء المنطقة.
رغم الملاحظات على المهرجان، إلا أنني من الداعمين لبقائه، وهذا لأنني أؤمن بأنني لا امتلك وحدي مفاتيح الحقيقة، ولا يتوجب أن افرض ذائقتي الشعرية والفنية والإنسانية على مجاميع الناس، ولا يمكن أن انطلق من وجهة نظري فقط لمهاجمة المهرجان كفكرة ومبدأ، رغم أنني أؤمن تماما بأن الأهم في كل مهرجان أن ينقل صورة حضارية وفكرية وإنسانية ووجدانية وثقافية لبلد المهرجان، وان يقدم فنا ملتزما، فيه كلمات تقرأ، وموسيقى تسمع وفنانون تطرب لسماعهم الآذان، وفرق ترينا ما لديها، وشعراء ينشدون للوطن وللمرأة وللحب بكلمات ترفع المرأة وتقدمها بصورتها الإنسانية الحضارية، وتحاكي الإنسان.
لذلك فإنني لا يمكن أن أذهب في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه بعض القابعين خلف جدار التاريخ والجغرافيا، الذين يعتقدون أن الفن الملتزم هو فقط ما يقوم به ضاربو الدفوف، والمنشدون، ويرون في المهرجان بابا لـ"الفسق والفجور!".
شخصيا لا أرى في مهرجان جرش دعوات "فسق وتعر"، وأستغرب من أولئك المتشدقين كيف قيض لهم رؤية "تعري" مغنية من دون مشاهدتها بأم عينهم.
أولئك الذين يرفضون أي وجهة نظر تتعارض مع مواقفهم، يتهمون كل من يعارضهم بأنهم ملحدون علمانيون فاسقون، يستحقون المحاكمة بتهمة الدعوة للعنف وأحيانا للقتل، وإثارة الفتنة في المجتمع، فهم من خلال ما يتهمون به الناس ويتحدثون عن "فسق وفجور وتعر ومجون" إنما يوجهون، بعلم أو غير علم، دعوة لأولئك المنغلقين التكفيريين الإرهابيين السوداويين لممارسة عنف ضد المهرجان وغيره، والسبب تصريحات تصدر عن شخصيات ربطت مهرجان جرش بـ"الفسق والفجور"، لا بل ربطوا هزة البحر الميت والعاصفة الرملية بـ"العري في جرش"، من دون أن يقولوا لنا سبب عدم وصول العاصفة الرملية للكيان الصهيوني، الذي يحتل أولى القبلتين والذي قتل رضيعا في مهده قبل أيام، فربما لدى أولئك تفسيرات حول الموضوع، ويرون أن إسرائيل لا تمارس ما يغضب الله فيما نحن نمارسه! وقد يعتبرونها صديقة كما تعتبرها جبهة النصرة الإرهابية والتي تعالج جرحاها في مستشفيات الكيان!
لست ضد أن يعبر أي شخص عن وجهة نظره، فقد اعتصم البعض ضد المهرجان، وكان يتوجب السماح لهم بممارسة حقهم في التعبير، ولكني ضد أن نستخدم ألفاظا غير مألوفة ونابية، يعف عنها اللسان في إطار التحشيد ضد المهرجان واستخدام عبارات ربما تؤدي إلى عنف وقتل، وتحريض على العنف.