سقوط طرابلس بصرخة ثائرة

كيف ضاقت الأنشوطة على الزعيم الليبي كما رآها رسام الإيكونوميست - (الإيكونوميست)
كيف ضاقت الأنشوطة على الزعيم الليبي كما رآها رسام الإيكونوميست - (الإيكونوميست)

تقرير خاص –  (الإيكونوميست) 22/8/2011

     ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

اضافة اعلان

ضاقت الأنشوطة، وضاقت، ثم أقفلت بإحكام وبسرعة ليلة السبت. وطوال يوم الأحد 21 آب (أغسطس) وإلى انبلاج الصباح الباكر من يوم الاثنين، راقب العالم عبر تغذيات أشرطة فيديو مشوشة بينما كان الثوار الليبيون الذين أصبحوا راهناً في قلب طرابلس ويسيطرون على البلاد، يفتشون عن باب المصيدة الذي سيسقطون من خلاله عدوهم اللدود، معمر القذافي.
وفي الوقت ذاته، انطلقت الاحتفالات في الساحة الخضراء وسط العاصمة، واستحضرت مشاهد الابتهاج التي كانت جرت في ميدان التحرير في القاهرة يوم 11 شباط (فبراير) الماضي، لكن الثوار الذين وفدوا متدفقين إلى طرابلس، كما المواطنين المحاربين الذين حيوهم، كسبوا يوم انتصارهم هذا عن طريق الحرب. وكما في القاهرة، رفعت الأعلام وشكر الناس الله، لكن نار التعقب والمطاردة شوهدت وهي تتقاطع سماء الصباح الباكر، واعتلى القناصة من كلا الجانبين أسطح البنايات في المدينة. وفي بنغازي، أصل انتفاضة 17 شباط (فبراير) ومركز حكومة الثوار، كان المواطنون في حالة نشوة وهم يذرعون الشوارع في سياراتهم ويطلقون نيران أسلحتهم في سماء المدينة حتى وقت متأخر من الليل.
وفي أعقاب ستة شهور من القتال الذي شمل خمسة شهور من الدعم الجوي الذي قدمه الناتو، أخضع الثوار عاصمة العقيد القذافي إلى ما كان، من ناحية فعلية، يعد حالة حصار.
فتحت قيادة المجلس الوطني الانتقالي، كان الثوار قد احتلوا مدينة الزاوية التي تعد ميناء حيويا استراتيجيا يقع إلى الغرب من طرابلس قبل نحو عشرة أيام. وإلى الجنوب، سيطروا على "غريان" التي تقع على الطريق المؤدي إلى الجزائر، والطريق الذي يعد المزود الرئيسي لأسلحة كتائب العقيد. ومع سقوط مصراتة، إلى الشرق، في أيدي الثوار، لم يكن أمام العقيد القذافي والموالين له من سبيل للهروب من طرابلس إلا عن طريق البحر.
وعندما جاءت الاندفاعة النهائية، بدت وأنها تحقق درجة تنسيق تحظى بالإعجاب، حيث دخلت قوات المجلس الوطني الانتقالي إلى داخل طرابلس من ثلاث جبهات، وانضمت إلى تدفق عام في الشوارع كان قد بدأ مع دعوة وجهها عدة أئمة لصلاة التراويح.
وكان قد تم التنسيق مع خلايا الثوار في داخل المدينة للخروج عند الإشارة. وفي القتال الذي تبع ذلك، قال مسؤول حكومي إن نحو 376 شخصاً لقوا حتفهم في كلا الجانبين، وقد يستغرق أمر ظهور رقم دقيق، إذا ظهر أصلاً، مرور أسابيع.
في الفوضى التي عمت بسبب المعارك الفاصلة، والتي ما تزال مستعرة في بعض جيوب المدينة، بدا أن القبض الفسيولوجي على اثنين من ابناء القذافي قد جلب نوعاً من الارتياح الخاص. وقالت الأنباء إن سيف الإسلام القذافي قد اعتقل أول الأمر، وهو الحاصل على شهادة من كلية لندن للاقتصاد، والذي كان قد بدا ذات مرة بأنه ليبرالي ووجه حديث لنظام القذافي، قبل أن يعلن على التلفاز أن الثوار سوف يتحولون قريباً إلى "نهر من الدم". وتقول المحكمة الجنائية الدولية، التي تبدي اهتماما بملاحقته قضائياً، إنه ما يزال على قيد الحياة في ليبيا. (وكانوا على حق وربما مصيبين جدا). ثم تحدثت الأنباء عن نجل آخر للعقيد: محمد القذافي الذي حاصره ثوار مسلحون في منزله، وصادف أنه كان يجري لقاء إذاعيا في ذلك الوقت، أكد فيه أنه ملتزم شخصيا بالأعمال الخيرية وأنه مناوئ للعنف. وقد قوطعت المقابلة بسبب إطلاق النار عند الساعة 1.40، ثم اقتيد إلى الاحتجاز. وكانت آخر كلمات سمعت منه أثناء المقابلة: "إنني أهاجم في هذه اللحظة. هذا إطلاق نار –في داخل منزلي. إنهم داخل منزلي. لا إله إلا الله".
ربما كان من الحكمة والحصانة بالنسبة لقوات الثوار لو أنها أرجأت هجومها على طرابلس للسماح للقوات من الجبل الغربي ومن مصراتة بالعمل سوية في خطة عمل، وأيضاً للسماح بأن يكون للحصار أثره على بقايا قوات القذافي نفسياً ومادياً على حد سواء. ومن جهة أخرى، يعد الزخم في أي حملة عسكرية قيماً، ويكون الثوار على حق للاستفادة منه قدر استطاعتهم. وكان تقييم الناتو (وفق الايكونوميست الأسبوع الماضي)، هو أن العقيد القذافي قد خسر كل طاقته العملياتية. ويجوز أن يكون الثوار قد عرفوا أكثر من الذين في الخارج عن احتمالات اندلاع انتفاضة مسلحة في داخل طرابلس تثيرها خلايا نائمة متى وصلت قواتهم إلى أطراف المدينة. وإذا كان الأمر كذلك، يكون هناك احتمال معقول للمضي في الاندفاع والاستمرار.
ربما ما تزال مقاومة القوات التي تبقى موالية للعقيد القذافي قاسية تماماً (ومميتة) لبعض الوقت. وما تزال تبدو وأنها تتوافر على دبابات في طرابلس، وثمة احتمال بأن يكون لديها القليل من الإدراك لوضعها. وربما كانت تعتقد أيضاً بأنها ستتعرض للقتل، بغض النظر عما سيحدث في القتال. وقد يكون الناتو مترددا في توجيه ضربات للدبابات داخل المدينة خشية إلحاق ضرر جمعي جانبي. ولعل آخر شيء يريده الناتو حاليا هو قتل كثير من المدنيين أو من مقاتلي الثوار، حيث لم تعد النتيجة النهائية موضع أي شك.
أين العقيد؟
هناك عدة تساؤلات في هذه الساعة. ولكن، وكما درجت عليه العادة خلال الأعوام الأربعين الماضية، ما يزال العقيد المعين ذاتياً يسيطر. وثمة إشاعات تقول بأن القذافي الأب قد هرب أصلاً من طرابلس نحو الجنوب -أو انه قد يكون في المستشفى. كما أن هناك تنبؤاً يقول بأنه ما يزال متمترساً في مجمعه المنيع في باب العزيزية. وفي الاثناء، يستمر القتال حول المجمع (الذي أعلن مساء الثلاثاء عن سقوطه بيد الثوار).
مهما كانت حيثيات أوضاع العقيد القذافي، فإن المعظم مهتم بما سيلي ذلك من تطورات. ويحس أعضاء المجلس الانتقالي، على نحو حاد، بتجربة العراق، وهم مصممون على عدم تكرار أخطائه. وقد خبرت بنغازي انتقالاً سلمياً نسبياً لسيطرة الثوار.
وفي شباط (فبراير) الماضي، وفيما يعود الفضل في الجزء الضخم منه إلى سياسة حكومة الثوار المؤقتة، حافظ المجلس الوطني الانتقالي على التكنوقراطيين الرئيسيين في مناصبهم. ولا يوجد هناك حزب حاكم مشابه لحزب البعث في العراق، وثمة ضغط أقل يمارس للتخلص من رجال الشرطة ومديري محطات الطاقة وآخرين الذين ربما يكونون مرتبطين مع النظام الساقط، لكنهم أيضاً يضطلعون بدور رئيسي في إدارة مدنية حديثة.
كما أن مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي كانوا قد حذروا مقاتلي الثوار من شن هجمات انتقامية، أو من عمليات النهب والسلب. وقال العضو البارز في المجلس، محمود جبريل، على شاشة التلفزة القومية: "إن العالم يراقبنا... لا تثأروا لأنفسكم، ولا تسلبوا ولا تنهبوا، ولا تهينوا الأجانب واحترموا الأسرى".
لكن المجلس الوطني الانتقالي لا يمتلك سوى شرعية محدودة، خاصة فيما وراء شرق البلاد، وقد تعهد المجلس بإعادة تثبيت العاصمة بالسرعة الممكنة، فيما يقول الأعضاء إنهم يستطيعون بسهولة توسيع صفوفه لضمان تمثيل سكان طرابلس الذين يصل عددهم إلى مليون نسمة. وحتى عندما سيكون من غير الواضح حجم السلطة التي سيمتلكونها فيما يخص مجموعة القادة المتفاوتين الذين يسيطرون الآن على شوارع طرابلس. وكان المجلس الوطني الانتقالي قد واجه، حتى في الشرق، صعوبة في فرض سيطرته على كتائب "الثوار" التي رصدت على نحو خاص، أو المليشيات المتطوعة- التي رفضت الاندماج في تشكيل عسكري أكثر رسمية. وكان المقاتلون في الغرب والذي تحملوا جل عبء القتال منذ آذار (مارس) الماضي قد اشتكوا من الافتقار إلى الدعم الذي يتمتع به الشرق الأفضل تزويداً، وقد لا يكونون ميالين إلى الخضوع لسلطة المجلس الوطني الانتقالي.
أما ما ينطوي على تحد أكبر، فهو معاقل النظام المعزولة، مثل مدينة سرت التي تسيطر عليها قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها العقيد القذافي، أو واحة سبها حيث تتزعم قبيلة القذاذفة ائتلافا من قبائل أخرى. وهناك بعض المخاوف من احتمال أن يلجأ العقيد بعيداً إلى زاوية قصية من الصحراء، معولاً على تعهدات قبلية قديمة طويلة الأمد بتوفير الحماية له. وعلى الرغم من ذلك، يبدو من غيرالمرجح أن الزعيم الليبي سيكون قادراً على تنظيم تمرد مسلح على الغرار العراقي، أو أن هناك أي صلاحية سياسية لتوجه من هذا القبيل.
وقد تعهد المجلس الوطني الانتقالي بإجراء انتخابات خلال الشهور الثمانية التالية لتأسيس نوع من السلطة الحاكمة بالسرعة الممكنة. ويقول منتقدو المجلس إن إجراء الانتخابات ستكون خطوة متسرعة جداً في بلد لا ينطوي على أي خبرة في التنظيم السياسي للأحزاب. ومع ذلك، ومع أن ليبيا هي دولة متنوعة قَبليّاً، فإن ليبيا تعد بشكل عام سنيّة ومحافظة بشكل متجانس. ويبدو الإسلاميون فيها قانعين بالأحكام الدستورية التي تدعو إلى أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، والتي تعد مادة رئيسية عامة في الدساتير العربية.
ومع ذلك، كانت تشققات في سلطة المجلس الوطني الانتقالي قد ظهرت من قبل، خاصة بعد اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس في تموز (يوليو) الماضي على يد رجال ميليشيات متمردة. وقد هدد ذلك التطور في حينه بمواجهة بين القيادة المركزية للثوار وبين المليشيات ذاتية الحكم، وأمكن تفادي تلك الأزمة بهجمات الثوار الناجحة التي تمت بعد أسبوع، وأصبحت الأزمة الآن طي النسيان في غمرة نشوة تحقيق الانتصار.
لكن، وعندما ينتهي مفعول النشوة مع التهديد الخارجي المباشر الذي تشكله قوات العقيد المتحركة، فإن حركة الثوار التي أظهرت حتى الآن استعراضاً مؤثراً للوحدة، قد تبدأ بالترنح.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 The Fall of Tripoli with a rebel yell

[email protected]