صحة الأذهان من صحة الأبدان

نحلم بتنفيذ التوصيات بحذافيرها ونريد أن نسمع من وزيري الصحة والتربية والتعليم التزاما واضحا بذلك، وهناك بالطبع كلفة مالية نفترض أن يتم إدراجها في موازنة العام القادم 2018.اضافة اعلان
نتحدث عن توصيات اللجنة الوطنية للصحة المدرسية التي شكلها وزير الصحة د. محمود الشياب قبل شهر ورفعت توصياتها التي نشرتها "الغد" يوم أمس، ويستحق أعضاء اللجنة تحية تقدير على عملهم. ومن وجهة نظرنا فالتوصيات التي خرجوا بها واقعية وقابلة للتنفيذ في معظمها وكلفتها معقولة إذا قسناها كنسبة إلى إجمالي النفقات لأي مدرسة خاصّة أو حكومية، ولدينا وزير للتربية لديه الإرادة والتصميم ومنفتح بقوة على أفكار التطوير والإصلاح. وإصلاح التعليم والمناهج والمدارس، ليس بأقل أهمية من صلاح الأذهان صلاح الأبدان وكما يقال العقل السليم في الجسم السليم.
يوجد لدينا عدد يقترب من مليوني طالب على مقاعد الدراسة وهؤلاء هم مستقبل الأردن. منهم نصف مليون في المدارس الخاصّة وأقل من مائة الف في مدارس الجيش ووكالة الغوث، ووضع برنامج للعناية الصحية – الوقائية خصوصا- يعني توفير أضعاف الكلفة اللاحقة على الرعاية العلاجية. وما هو أهم القيمة الاقتصادية – الاجتماعية – الإنسانية غير المنظورة لنشوء أجيال بصحة جسدية ونفسية أفضل.
أنا لست مطلعا على حال الرعاية الصحية الآن في مدارسنا، لكن توصيات اللجنة هي في الواقع الحد الأدنى الذي يفترض أن يكون متوفرا؛ فهل يجوز أن لا يكون هناك عيادة وطبيب في مدرسة فيها أكثر من ألف طالب؟! وهو بالمناسبة يعتبر المعدل المثالي لنسبة عدد الأطباء إلى السكان. لكن نحن هنا نتحدث عن دور استثنائي في المتابعة والوقاية، أي أن الطبيب لا يستقبل فقط الحالات المرضية بل يقوم بالكشف الدوري الشامل على الطلبة.
على سبيل المثال، يندر الانتباه لتسوس الأسنان إلا بعد وصوله الى حالة متقدمة تسبب الألم وتحتاج الى حفر الضرس أو خلعه، وهذه كلفة تزيد عشرات الأضعاف عن معالجته مبكرا واتباع التعليمات الصحيحة للعناية بالأسنان، ويعاني أطفال من ضعف التحصيل دون أن ينتبه الأهل والمعلمون أن لدى الطفل مشكلة في النظر أو في السمع ناهيك عن مشاكل صحية عديدة كامنة بعضها خلقي أو وراثي لا يكتشف إلا بعد وقوع عارض صحي كبير وفي مرحلة لاحقة من العمر.
من المناسب ان يكون الطبيب متخصصا في الطب الوقائي وعلى الأقل حصل على دورة تأهيلية متخصصة، ومن المرجح ان لا يكون ممكنا تغطية كل مدرسة عامة وخاصة بطبيب متفرغ، لكن يمكن اللجوء الى الدوام الجزئي وفق الحاجة العملية ومن ضمنها الكشف الدوري الإلزامي، لتكوين قاعدة بيانات صحية كاملة للطلبة.
ليس كثيرا على مدرسة خاصة كبيرة وهي تحقق ارباحا مجزية توفير طبيب وعيادة، لكن مدارس الوزارة ستعتمد على الارجح على وزارة الصحة ويمكن اعتبار ذلك جزءا من كلفة التأمين الصحي الذي طالبت التوصيات بشموله الطلبة من سن السادسة الى الثامنة عشرة، هذا فيما ستتحمل وزارة التربية كلف تجهيز العيادات وكلفا أخرى كثيرة ضمن التوصيات التي قدمتها اللجنة وتتطلب وجود كادر مؤهل، مثلا في مجال الصحة النفسية والارشاد الاجتماعي.
وتشير التوصيات الى التغذية المدرسية وتقترح إلحاقها بقسم الصحة والتغذية بدل النشاطات، ولا أدري اذا كانت هناك مديرية خاصة للصحة المدرسية في هيكل الوزارة لكن مع هذه التوصيات نفترض وجود هذه المديرية وإعادة النظر الشاملة في برامج التغذية التي يجب إنشاء شراكة فيها مع البلديات والمجتمع المحلي والجهات المقتدرة ماليا.