لماذا التعليم الجامعي؟

لماذا تزايدت الجامعات في الأردن، في نصف قرن، من جامعة واحدة إلى أربعين جامعة؟ هل كانت هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الطلبة والجامعات استجابة لاحتياجات علمية فردية أو تنموية، تقوم عليها الحكومة أو تطورات السوق والأعمال والمهن، أم هي اتجاه استهلاكي، يعبر عن تواطؤ بين نزعات استهلاكية لدى الأفراد والمجتمعات وبين استثمارات تجارية تلتقط ما يحب الناس أن يستهلكوه؟ أو ليكن السؤال: أين يقع التعليم بعامة، والتعليم الجامعي بخاصة، في برامج واتجاهات واحتياجات وأولويات الدولة والمجتمعات والسوق، ولماذا التعليم الجامعي ابتداء؟اضافة اعلان
بالنظر إلى سوق العمل والبطالة والتوظيف والعمالة الوافدة والعمالة الوطنية المهاجرة، أو بالنظر إلى الثقافة السائدة (والمتنحية أيضا)، في الاتجاه إلى التعلّم والتثقيف والارتقاء بالذات وتحسين الحياة، يمكن القول إن التعليم الجامعي يكاد يكون منفصلا عن السوق والمجتمع والدولة. إذ يكاد يكون دور الجامعات التنموي والتنويري والاستثماري مثل ساحة (لا تختلف كثيرا عن الساحات التي يتجمع فيها العمال وسيارات النقل بانتظار مشغلين) عملاقة فوضوية، تنتج التخصصات والمتخرجين وفق سوق دعائية تتضمن قدرا من التزوير، يختار منها المشغلون (السوق والخليج) وفق اعتبارات منفصلة عن رسالة الجامعات والتأهيل.
ولا يجوز أن نلوم الدولة أو السوق في ذلك، ولكن الأزمة في الاتجاهات الفردية والمجتمعية نحو التعليم؛ فالسوق يحددها المستهلك، أو يساهم المستهلك في اتجاهاتها ومستواها بنسبة كبيرة، والدولة لا مصلحة لها (يفترض) في هذه الغيبوبة للتعليم الجامعي، بل العكس هو الصحيح؛ فمن مصلحتها تنظيم التعليم الجامعي على نحو يرتقي بالحياة والأفكار والبحث العلمي والتعليم والمهن والحرف والأعمال، ولكن برغم ذلك فإن السلطة التنفيذية والأسواق غير مؤتمنة منفردة أو متشاركة على التعليم، فلا يرقى مستوى التعليم إلا بمشاركة مجتمعية فاعلة، ليس لعجز فيها أو سوء نية أو ميل إلى "الشلفقة"، ولكن ذلك كله يمكن أن يحدث في غياب المجتمعات. وبما أن المجتمع هو صاحب المشروع، وهو الذي يدفع تكاليفه كاملة، وهو المستفيد، فلا يمكن تغييبه؛ ذلك يشبه ما يقوم به المقاولون والمهندسون الذين يفرضون عليك بيتك كما يريدون هم، وليس كما تريد أنت، برغم أنك تدفع التكاليف والأرباح.. كيف يخطط المجتمع للتعليم؟ كيف يحدد المجتمع أولوياته واحتياجاته؟
صحيح أيضا أن المجتمعات فقدت البوصلة وقدراتها مع التهميش والتغييب المتراكم، ولكن لا يمكن إلا البدء بمشاركتها ودورها الحاسم في الولاية على التعليم والتخطيط، ففي هذا الغياب تحول التعليم إلى ما يشبه ظاهرة الدراسات والبحوث والكتب والمسرحيات والندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية التي تنجز وينفق عليها الكثير، ولكن لا يستفيد منها أحد، ليس لأنها فاشلة بالضرورة، ولكن لأن الفئة المستهدفة لا تعلم عنها ولم تشارك في التخطيط لها، والمرعب أنه رغم الاعتراف بالظاهرة فإننا لم نقم بمراجعتها، بل نواصل الضحك على أنفسنا.