أي إصلاح بلا حرية الصحافة..؟!

علاء الدين أبو زينة- بلا فخر ولا مؤشر إلى أمل، احتلت الدول العربية مراتب راسبة على مؤشر الحرية الصحفية لمنظمة «مراسلون بلا حدود» لهذا العام أيضا. وتعني هذه الأرقام أن الصحافة العربية، بغض النظر عن الأسباب، لا تفعل شيئا يستحق الثناء عندما يتعلق الأمر بأداء وظيفتها الأساسية المعنية بالتنوير والتعبير عن الشعوب وفتح النوافذ. وبذلك، يضيف وجودها فقط إلى دائرة الفشل التي تطبق على هذا الجزء الذي ينبغي –بخلاف ذلك- أن يكون مهما من العالم. من المؤكد أن الصحافة ضحية، بدرجة كبيرة، لهجمة الإخضاع والترويض التي تعاني منها كل المؤسسات والأنشطة التي تنطوي على إمكانية إحداث التغيير في اتجاه رفعة الإنسان واللحاق بركب التقدم الإيجابي. وإذا كانت الصحافة، التي هي في النهاية مؤسسات تتركز فيها الإمكانيات والأدوات والوسائل للاستكشاف والتحليل والنشر، مكبلة اليدين ومقطوعة اللسان، فليكن الله في عون الأفراد المحدودين نسبيا من حيث وسائل التعبير أو الوصول إلى المعلومة. وفي نهاية المطاف، ينبغي أن تكون الصحافة متحدثا فصيحا باسم الناس، متفاعلا مع تغذياتهم الراجعة ومستنيرا بالحوار في الاتجاهين. لكنك لا تستطيع التماس العون من كيان مهدد وخائف هو نفسه، وليس بلا سبب. تشير نتائج تصنيف مؤشر حرية الصحافة إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما تزال من بين أكثر –إن لم تكن أكثر مناطق العالم خطورة على الصحفيين. ويشير تصنيف «سيئ جدا» الذي أسنده المؤشر إلى الحرية الصحفية في معظم دولها، والمراتب المنخفضة جداً لبعض دولها، سورية (175) واليمن (168) والعراق (167)، إلى العدد الكبير من الصحفيين المفقودين أو المحتجزين، أو المهددين بفقدان أعمالهم، أو المستهدفين بالتخويف والتدجين –أو حتى استمالتهم بشراء الذمم. بطبيعة الحال، يصعب تعريف «حرية الصحافة» في معزل عن المجالات التي تعمل يها هذه الحرية والغايات التي تخدمها. فحين نبدي إعجابنا بحرية الصحافة في أميركا والغرب، مثلا، نتجاهل الأدوار التي مارستها الصحافة السائدة «الحرة» هناك في تسويق حروب المؤسسة الإمبريالية الوحشية، وترويج الذرائع لحملات الهيمنة والغزوات المدمرة الحديثة. وكانت هذه «الحرية» حاسمة في تهيئة الرأي العام هناك لدعم مساعي مصادرة حرية الآخرين وتدمير بلدانهم واستهداف تطلعاتهم الخاصة إلى الحرية. لذلك، من الطبيعي أن تكون حرية الصحافة في العالم النقيض والمستهدف هو ترويج رواية مضادة للاستعمار الفيزيائي والمعنوي، وتبرير الدفاع المحق عن الوجود، وتهيئة الرأي العالمي لقبول ودعم فعل المقاومة على أساس الحقوق الإنسانية والمساواة في الفرصة. وفي الطريق، لا بد من تعرية وكشف مواطن الخلل التي تقف في طريق تحرر قرار الأمة ولقمة خبزها وتعطل مسيرها التقدمي. لا ينبغي أن تتعارض هذه الوظائف والغايات، نظريا على الأقل، مع أهداف الأنظمة التي يجب أن تقود هذه التطلعات الوطنية. وسيحدث التصادم فقط عندما تضع الأنظمة نفسها في المعسكر المقابل لتخاف هي نفسها مع حرية التعبير وتتواطأ في إخفاء فساد المكونات التعطيلية الفاسدة. وثمة تسويغ عملي للمطالبة بحرية الصحافة في العالم المستهدَف كضرورة أساسية لتجاوز مكامن الضعف الذاتية الداخلية، في الطريق نحو استعادة الكرامة وتحرير الإمكانيات خارجيا. لا يمكن الاستمرار في الحديث عن أي مشاريع تنموية، اجتماعية أو سياسية أو ديمقراطية، مع مواصلة تقييد حرية التعبير المركزة في الصحافة. وسوف تعني التصنيفات الراسبة المستمرة لدولنا على مؤشرات حرية الصحافة أن خطاب الإصلاح والتنمية زائف وعاطل من المحتوى. وسيعني أنه ليس ثمة حوار وإنما الخطاب إياه في اتجاه واحد من أعلى إلى أسفل. بل إن الصحافة توظف كقناة دعائية وتوصيل لهذا الخطاب المفروض ومروجا غير مخلص له. فقط عندما ترتفع مراتب دولنا على مؤشرات الحرية العالمية، في كافة المجالات، سوف يمكننا تصديق جدية المشاريع الواعدة التي تريد حقًا الانعتاق من تراث القمع والتخويف وعشق السكون، بتوفير الإمكانية لإسماع الاقتراحات التقدمية التي تطرح البدائل. وإلا فسوف نشهد استمرار المسيرة التراجعية منذ بدء انهيار المشروع النهضوي العربي في القرن الماضي، حيث كان الانفتاح والسماح بسماع مختلف الروايات والأفكار هو نظرية النهضة وتطبيقها معًا. وبطبيعة الحال، من غير صحافة حرة تكون عربة حرة لإسماع الأصوات المختلفة وتقييم اقتراحاتها بعدالة وإخلاص، لا ينبغي تصديق أي حديث عن إصلاح ولا تنمية. المقال السابق للكاتب الكتاب وحقوق المؤلف..!اضافة اعلان