إبراهيم غرايبة يكتب: الطابع الاحتفالي والاجتماعي في الدين

"ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" سورة الحج/32
ثمة علاقة راسخة وتاريخية بين الشعائر الدينية والاحتفالات والبهجة والعادات والتقاليد المجتمعية، وعلى سبيل المثال فإن يوم العطلة في الإنجليزية (holyday) أي اليوم المقدس، وما زلنا منذ آلاف السنين نجمع بين العطلة والاحتفال والصلاة في اليوم المقدس (الجمعة والسبت والأحد) ويتخذ شهر رمضان طابعا احتفاليا وتصاحبه أنماط من السلوك الاجتماعي الاحتفالي ومظاهر البهجة، وكذلك الأعياد الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، ويرتل المسيحيون في العيد "هذا هو يوم الرب، فلنفرح ولنتهلل فيه،.." ويصف الحديث النبوي أيام عيد الأضحى الأربعة "لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال".اضافة اعلان
تبلورت الأعياد على نحو تاريخي ومستقر في الربيع والخريف، وكان الحج العربي الإسماعيلي يجري في الربيع ويحتفل فيه بعيد الأضحى، وكان العيد الثاني يأتي في نهاية الشهر التاسع (رمضان أو أيلول) وتجري في نهايته احتفالات العيد، وبدأت منذ منتصف القرن الخامس الميلادي تنظم في نهاية كل موسم للحج والأعياد الرحلتان التجاريتان "رحلة الشتاء والصيف" وهما تسميان أيضا "إيلاف قريش" وهو العقد الاجتماعي والتجاري الذي كانت تنظمه وتديره قريش، وتسير بموجبه القوافل التجارية بين الهند وأفريقيا وبلاد "الروم" وكانت تسبق الرحلتين شعائر الحج والأعياد والأسواق.. رحلة الصيف تبدأ في الربيع ورحلة الشتاء تبدأ بالخريف. وربما تكون عمرة رمضان هي الحج الأصغر الذي كان في رمضان عندما يحل الخريف. وفي الحديث أن عمرة رمضان تعدل حجة.
لماذا الحلويات في الأعياد والاحتفالات الدينية؟ ذلك مما تبقى لنا من زمن الصيادين.. فالزمن الجميل ليس الزراعة ولكن ما قبل ذلك حين كنا نجمع الطعام ونتوق في لهفة إلى السكر القليل في الطبيعة. فتاريخ البشر يعود إلى 3 ملايين سنة، وبدأت الزراعة قبل 12 - 15 ألف سنة وبدأت الصناعة قبل 500 سنة وبدأت الحوسبة قبل 50 سنة، هكذا فإن 99.5 في المائة من التاريخ الإنساني هو صيد وجمع ثمار.
كان الشهر التاسع من كل عام موسما للاحتفالات استعدادا للشتاء. وكانت تقدم الفواكه الموسمية التي تجمع من الطبيعة مثل العنب والتين. وتجفف استعدادا لشتاء طويل يحجر فيه الناس أنفسهم في كهوف تحت الأرض أو يرحلون إلى المناطق الدافئة. وتقل الثمار ويجثم البرد على قلوب الناس وأرواحهم ولا سلوى غير ما خزن أو جفف من الفواكه والثمار. ثم في عصر الزراعة صاروا يعصرون العنب في احتفالات بهيجة مصحوبة بالفرح والصلاة
يقول الشاعر العري الأعشى قيس بن ميمون (570 – 629م)
وصهباء طاف يهوديها وابرزها وعليها ختم
وقابل الريح دنها وصلى عليها وارتسم
ويسمى عيد الفصح أيضا استير وفي ذلك إشارة إلى قصة إنسانية قديمة تعبر عن مواجهة الموت بالحياة عندما ذهبت عشتار إلى عالم الموت وأنقذت بعل. وهما (عشتار وبعل) يرمزان إلى قيمتين أساسيتين في الحياة وهما الخير والجمال، ويوصف المسيح بأنه "قام من الموت ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور" وثمة شبه أيضا مع قصة الفداء التي جرت مع إسحق أو إسماعيل من أبناء إبراهيم، وقصة عبد الله بن عبد المطلب الذي نذره أبوه عبد المطلب بن هاشم قربانا، ثم افتداه بمائة من الإبل،…
بدأت الأعياد والاحتفالات في الساحات التي اتخذت قبورا، ذلك أن الإنسان في مواجهته مع القتل والموت جعل ساحة الدفن مكانا مقدسا تعبيرا عن الالتزام بالحياة والسلام، وما زلنا مسلمين ومسيحيين نزور المقابر في الأعياد. وهناك بلدات تشكلت بجوار قبور الصحابة والأولياء مثل مؤتة وأبو عبيدة وضرار ومعاذ وشرحبيل. وحول الأنبياء مثل الخليل وبلدة بلعما التي تستمد اسمها من النبي الآرامي بلعام بن بورا، وبلدة النبي صالح، وفي السلط وحولها مقامات ومقابر ليوشع وعزرا وجاد، ونشأت مدينة قم حول قبر الإمام موسى الكاظم.