حياة أذكى.. وأبسط

ليس في مقدورنا تجنب التعليق حول متوالية ( كوفيد 19) ولا تجنب التكرار والتأكيد على الآفاق والتحولات الكبرى التي تصاحب أو سوف تعقب الوباء، ليس لأنه وباء غير عادي أو مختلف عما سواه من أوبئة اجتاحت العالم من قبل، لكن لأنه يصاحب تحولات وطبقات جديدة تنتظر الفرصة لتنشئ عالمها الجديد، وبفضل كوفيد 19 حصلت هذه الطبقة على العالم لقمة سائغة. المسألة ببساطة كانت قبل الوباء تبدو اقتراحا منطقيا يجد مقاومة منطقية بسبب المصالح والطبقات المتشكلة حول الواقع القائم، لكنه واقع يؤول إلى السقوط ولم يكن يحتاج سوى الوباء لإعلان وفاته!اضافة اعلان
السؤال ببساطة من غير كوفيد 19 هو إلى أين يمضي الإنسان بحياته وأعماله في ظل الحوسبة و»الروبتة» الجارية في الأعمال والإدراك؟ إذا تمكن الإنسان بنفسه أو بالروبوتات والبرامج والتطبيقات الممكن والمتوقع أن تكون متاحة، من المحافظة على صحته ومعالجة نفسه ستختفي أو تتغير مهنة الطب والمستشفيات والمراكز الصحية والعلاجية، وإذا عرف الناس حقوقهم وواجباتهم، أو أمكن تنظيمها من خلال الشبكة تختفي أو تتغير طبيعة تنظيم وأعمال المحاكم والشرطة والجيوش والأسلحة، وقد بدأت الجيوش في اتجاهها نحو الطائرات المسيرة تغير بالفعل وعميقاً في معنى الحروب والصراعات، وإذا عرف الناس بأنفسهم دينهم بفعل المصادر والمنصات المتاحة في الشبكة وفرص التفاعل معها تنتهي أو تتغير المؤسسات الدينية في طبيعتها وتنظيمها وعلاقتها بالدول والأفراد، وإذا أمكن للناس تنظيم احتياجاتهم وأولوياتهم تتغير طبيعة المدن والبلدات وعلاقتها بالحكومات المركزية، وإذا تمكن الناس من تعليم أنفسهم بأنفسهم تنتهي أو تتغير جذرياً المدارس والجامعات. وإذا تمكن الناس أن يعملوا لأنفسهم وبأنفسهم تنتهي الحاجة إلى الشركات ومؤسسات العمل، وإذا تمكن الناس من تدبير الغذاء والطاقة بتطوير الزراعة أو بمضاهاة الطبيعة والتمثيل الكلوروفيلي تتغير على نحو كبير المنظومة الزراعية والغذائية، وإذا تمكن الناس من إطالة أعمارهم تتغير طبيعة الأسرة والعلاقات الاجتماعية وأنظمة العمل والتقاعد والتأمين الصحي،.. وهكذا يمكن التفكير في متوالية غير منتهية من التداعيات والتأثيرات الممكنة والمحتملة للحياة والمؤسسات والأفكار والمعاني عندما تحلّ الآلة الذكية أو»تكنولوجيا المعنى» في أعمال الإنسان أو تطورها أو تغيرها أو تغير في الإنسان نفسه.
لكن وعلى نحو آخر، فإن القدرات المعرفية والعملية والمهارات الجديدة التي تتاح للإنسان الفرد بفعل التكنولوجيا الحاسوبية والشبكية تعيده في تقدمه هذا إلى أسلوب حياته وعمله وموارده قبل الزراعة، عندما كان يعتمد على نفسه في كل شيء تقريباً، فالإنسان الأول كما الإنسان المتقدم يعمل بنفسه ولنفسه كل شيء، ويدبر شؤونه وأدواته وحياته وعلاقاته بنفسه من غير حاجة لتنظيم اجتماعي سوى الحد الأدنى، عندما كان الناس يتجمعون مرة إلى أربع مرات في السنة في ساحات عامة، اتخذت ابتداءً لدفن الموتى ثم تشكلت حولها طقوس واحتفالات دورية، أو يلجؤون إلى الكهوف للصلاة والاجتماع، ففي التقدم التقني والمعرفي للإنسان تقل حاجته للمؤسسات التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية التي أنشأها بفعل التطور والاستقرار، أو بعبارة أفضل تتغير علاقته بها على نحو يغيرها تغييراً كبيراً.. ويتحول الإنسان في تقدمه العلمي والمعرفي الفائق إلى الإنسان الأول!
فأصبح ممكناً للناس التعلم والعمل والتدريب والتواصل من بعد، من خلال الشبكة ومنصات العمل والمعرفة والتواصل والتطبيقات التي انتشرت وامتدت في كل شأن من شؤون الناس، وبدأت بالفعل تتغير الأسواق ومؤسسات العمل كما تتغير الأعمال نفسها، ويصعد أيضاً في صحبتها الفرد وقيم الفردانية، لدرجة أن الحكومة البريطانية أنشأت وزارة متخصصة بمتابعة شؤون الناس الذين يعيشون وحدهم، وتصعد أيضاً وعلى نحو غير مسبوق قيم المساواة والانسجام مع الطبيعة، مثل جماعات المساواة والبيئة والتأمل والارتقاء الروحي، والتي تتحول أيضا إلى أيديولوجيات سياسية واجتماعية وروحية.