"سر الفهد المرقط"

على الرغم من أن ضعف المحتوى وافتقاره لعوامل الجذب وتحفيز الخيال ومحاكاة هموم العصر هي السمات الغالبة على الإنتاج العربي والمحلي من كتب الأطفال، إلا أن هناك منشورات غاية في الأهمية، وتستحق الإشادة وتسليط الضوء عليها. رواية "سر الفهد المرقط" للأطفال للكاتبة تغريد النجار، كانت أحد الكتب التي وقع عليها اختيار طفلي ذي السنوات العشر ضمن جولة في معرض الكتاب الأخير في عمان، وكانت بحق خيارا موفقا جدا. جاء تصميم الكتاب مختلفا عن قصص الأطفال المصورة، فهي تأخذ شكل روايات البالغين من حيث الحجم والغلاف وتقسيم الفصول، وكان هذا عامل جذب كبير لطفلي خاصة حين قلب صفحاتها ووجدها تحتوي فقرات قليلة والكثير من الرسوم، فاطمأن إلى قدرته على قراءتها بالرغم من شكلها الذي يوحي بأنها للكبار. الأهم من الشكل كان المحتوى الذي يناقش بسياق شيق وجمل قصيرة ومفردات سهلة موضوعا في غاية الأهمية والحساسية؛ مخاطر التعامل مع الإنترنت. تحكي الرواية قصة طفل يعرف بالصدفة عن استخدام أخيه الذي يكبره سنا موقعا للدردشة ويحذره منه باستمرار كونه مخصصا للكبار. لكن فضول الطفل للتجريب يغلبه، فيقترح الأمر على صديقه الذي يتردد كثيرا خوفا من تحذيرات أمه من الدخول لمواقع غير مخصصة للأطفال، فيتهمه الأول بأنه "خويف"، ما يدفعه للقبول ليثبت أنه ليس كذلك. وبالفعل، يجرب الطفلان الموقع، فيقع الأخير في مشكلة كبيرة، حيث يورطه شخص مريب بالتحدث إليه عبر الموقع، ويتسبب بأذى شديد لوالده. يحتار الطفلان في كيفية حل المشكلة، فيلجأ الأول لأخيه الأكبر ويساعدهما في تنفيذ خطة للإيقاع بالشرير الذي نصب كمينا لوالد الطفل المتضرر. الإبداع في بناء الرواية برأيي لم يكن في موضوعها، وإنما فيما تحتويه من عوامل تستحوذ على وجدان الطفل وتحترم عقله وتسلط الضوء على احتياجاته، فالرواية تتضمن تفصيلات من واقع الحياة العصرية كالتطرق للألعاب الإلكترونية وعالم الإنترنت على أنها من مكونات الحياة الطبيعية، ما يشعر الطفل بأنها تصف الواقع بشكل حقيقي وليست منفصله عنه. كما أنها تحاكي مشاعر الأطفال ونزعاتهم المختلفة، مثل رغبتهم في التمرد على تعليمات الكبار، وشعور الطفل بالوحدة والعزلة لانصراف الأبوين عنه بمشاغل الحياة وحاجته للحديث مع شخص يكبره سنا، ما يدفعه للانغماس في العالم الافتراضي بحثا عن التعويض. العديد من المفاهيم والرسائل للطفل تضمنتها الأحداث بشكل غير مباشر، كمفهوم تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ والاعتماد على النفس في حل المشكلات، إضافة لرسائل عديدة للأبوين؛ كضرورة توفر الحوار مع الأبناء وتفهم دوافعهم واحتياجاتهم التي قد تغيب عن أذهانهم، وتعزيز الثقة بقدرات الأبناء، وفي الوقت ذاته فهي تقول للأبوين وللأبناء بأن الجدية في التعامل واستخدام العقاب أحياناً – شريطة أن يكون بعد النقاش ومن جنس العمل- هو تأكيد على حب الأبوين وحرصهما وليس العكس. تعتمد بعض أحداث الرواية على المصادفة، إلا أن ذلك لم يكن بدرجة تخلّ بإمكانية تقبل الطفل لها، وتتضمن بعض التفصيلات الغائبة عن واقعنا كحضور مرشدة اجتماعية مرافقة للشرطة، وتفترض أيضا قراءة الأبوين للرواية مع الأبناء وهو ما نأمل تحققه رغم غيابه عن معظم البيوت. الرواية بالمجمل كانت قادرة وببراعة كبيرة على مناقشة قضية مهمة جدا، وتقديم رسائل توعوية وتربوية محورية بأسلوب مثير ويرتكز على عامل تحدي الذات الذي يحفز لدى الطفل العبور للنهاية بنجاح ويعزز شعوره بالفخر والثقة بالنفس، وهي بحق نموذج نحتاجه ونأمل أن يتطور ويحقق انتشارا أوسع في مكتبتنا العربية.اضافة اعلان