كيف يتغير مفهوم النخب؟

كثيرا ما نقع في إشكالية وصف الظواهر السياسية والثقافية في الحياة العامة، ولعل أحد أبرزها محاولة إسقاط مفهوم النخب في سياق فهم الحراك السياسي او الحراك الثقافي وما يشهده من تحولات جذرية، قد تتبلور النخب وتنضج لكي تصبح أداة للتحليل والفهم السياسي والثقافي وقد تتراجع وتكاد تختفي وأحيانا يصبح الأمر شائكا وغامضا وهذا ما نشهده اليوم وسط ضعف ما كان يسمى النخب وفي ضوء ما مرت به الكتل والجماعات السياسية والثقافية والاقتصادية من تحولات في العقود الثلاثة الاخيرة وأخذت تبرز نتائجها بوضوح هذه الايام.اضافة اعلان
في نماذج التحولات التي يلعب فيها الاقتصاد السياسي الدور الاخطر ويجمع الاقتصاد بين الريعية والرعوية يتراجع مفهوم الصالح العام الى أدنى المستويات، بينما تسود علاقات الاعتماد والولاءات السياسية والإدارية النخبوية، تعمل "النخبة الشكلية " على التحصن بأشكال متعددة من الحماية؛ وهي في الحقيقة تمارس سلوكا شلليا وأحيانا عائليا يجمع شركاء المصالح والأصدقاء والأقارب والأصهار وغيرهم اكثر من كونها نخبة بالمفهوم التاريخي، أما أهم أشكال الحماية فتبدو بعلاقات التبعية الخارجية المعروفة تاريخيا أو بالالتصاق بمؤسسات القوة التي توفر لها الحماية والشرعية بالمال والنفوذ، بوجود إطار إعلامي واتصالي حولها يقوم باضفاء المزيد من الشرعية على هذه النخبة الشكلية ويقوم بخلق توافق زائف حول القضايا العامة وعلى رأسها مفهوم الصالح العام، وإعادة تعريف الأولويات والمفاهيم بما ينسجم مع مصالحها.
إن الرعوية الجديدة تصر على الاستمرار بالعلاقات الريعية اقتصاديا سواء مع الخارج أو مع مجتمعها لأن أحد أبرز اركان استمرار علاقات التبعية الرعوية يتمثل في استمرار الاعتماد الاقتصادي على حساب بناء قدرات انتاجية محلية، وعلى الرغم من أن حاكمية الرعويات الجديدة اكثر مرونة من السابق وتلبس أحيانا لبوسا ليبراليا وأحيانا تبدو أنها تسعى نحو الاقتصاد الاجتماعي إلا انها تقدم مفهوم الولاء على مفاهيم الانتماء والصالح العام، بمعنى أن أدوات الرعاية تستمر وتتجسد أكثر في الوقت الذي تتراجع عمليا أدوات الريع بمفاهيمه الاقتصادية والاجتماعية على وقع التحولات السياسية وتقلبات الأسواق والزيادة السكانية وتفاقم أزمة المجتمعات الاستهلاكية.
لم نفتقد الشلل السياسية في الحياة العامة ودائما كانت موجودة ولكن ليس بهذه الوفرة وهذا النفوذ، انها شلل سياسية تبدو احيانا مغلقة ولكن لا بأس ان كان لها امتدادات في البيروقراط الرسمي وفي الإعلام وفي المجموعات التي تحسب على تيارات ثقافية وسياسية مغايرة، الشلل الجديدة دائما لديها التصاق بمؤسسات القوة بشكل او بآخر وتلعب أدوارا متداخلة وغامضة في التأثير والتأثر.
صعود الشلل السياسية لا يعني صعود النخب بالمفهوم الاجتماعي والسياسي، وهي ظاهرة لا تعبر عن المفهوم التاريخي للنخبة ودورها في الحياة العامة، بل على العكس، إن المجتمع عاجز عن إنتاج نخب قادرة على العمل بموازاة المؤسسات، وتعبر عن عجز آخر، ان المؤسسات التقليدية عاجزة عن إنتاج ادوات ديمقراطية للمشاركة، يحدث ذلك في مجتمعات الانتقال الطويل؛ تلك المجتمعات التي تتحدث كثيرا عن المشاركة بدون مشاركة فعلية؛ ولا تتوقف عن إجراء الانتخابات دون تمثيل حقيقي؛ وايضا تتحدث عن الرأي العام وفي الأغلب تعجز عن إنتاج رأي عام او توافق عام، فيما تحاول الشلل السياسية وارتباطاتها الإعلامية تصنيع الرأي الذي تريده والتعبير عنه، وكأنها هي من يمثل الرأي العام وهذا الأقسى فيما يحدث.