وقفات لغوية..

د. لانا مامكغ من نصّ كتبَه أحدُ الشّباب: «صحّاني (الألارم)، قمت وأخذت (شَوَر)، وحضّرت الملابس التي تحتاج إلى (دراي كلين ) تفقّدت (إيميلي) وأنا بشرب (نسكافيه) بعدين فتحت (الفيسبوك) وقرأت (الكومنتس) على (البوست) اللي نشرته امبارح، فعملت (بلوك) لبعض الأشخاص لأنهم كانوا (روود)! بعدين تذكّرت إنّي لازم أدفع فاتورة ( الموبايل والإنترنت)… حسّيت (موودي) مش تمام، لكن كنت جوعان، عملت (ساندويتش) وسخّنتُه في (الميكروويف) وأكلتُه بسرعة، كان لازم أطلع حتّى أحضر (المييتنج) مع (الإتش . آر) في شركتنا، نزلت على الدّرج من الطّابق الخامس، لأنَّ (الأسانسير) كان معطّل. لقيت سيّارتي (مبنشرة) فاضطريت آخذ (تكسي)… كان (الشوفير) فاتح (الراديو) على الأخبار، فتمنيت لو (يلعبوا) أغاني صباحيّة (لايت)، سرحت، فتذكرت إنّي نسيت (الفيزا كارد). و(اللابتوب)… كان يوم خلاّني ( كونفيوزد ومدبْرس) على الآخر! « وعلى قدْرِ الاستهجان الذي أتخيّلُه يرتسمُ على وجهِ القارئ بعد النّص العجيب أعلاه، إلاّ أنَّه الواقعُ الذي لا نودُّ الاعترافَ به، فمعظمُنا يستخدمُ الكلماتِ الموضوعةَ بين الأقواس بتفاوت، أو يُضطّرُ لاستخدامها، إمّا لخفّتها على الّلفظ، أو لأنَّ التّرجمةَ العربيّة لها مطوّلةٌ مفتعلةٌ ممطوطة، من مثل الانترنت بدلَ « الشّبكة العنكبوتيّة» و( H.R ) بدلَ مدير الموارد البشرية، أمّا بالنّسبةِ للميكرويف، فهو بالعربيّة: « فرنُ الأمواج المتناهية الصّغر»! في حين شاءت بعضُ مجامعِ الّلغةِ العربيّة تعريبَه بكلمات مثل « صيخود « أو « الموّاج» أو « المِسخان « وغيرِها من المحاولات الطّريفة! ولك أنْ تتوقّعَ شكلَ المحادثاتِ، وطبيعتَها، وعددَ المفردات الأجنبيّةَ المستخدمةَ بين الأطّباء، والمهندسين، والميكانيكيين، وفنّيي المختبرات، أوخبراءِ التّغذية، أوالعاملين بالالكترونيّات على تنوّعها… ذلك كلُّه، لا يعني افتتاناً بالّلغة الانجليزية، أو بغيرها، ولا يعني، بالمقابل، تُنكّراً للغتِنا الأم، لا سمحَ الله، لكن لنسلّم بحقيقةٍ مؤلمة مفادُها أنَّ صاحبَ المنتَج يفرضُ تسميتَه، شئنا أم أبينا، ولو ازدهرنا صناعيّاً، كما بعضُ الدّول، لكنّا فعلنا الأمرَ ذاتَه دونَ تردّد، وإلا فكيف نفسّرُ أنَّ اختراعاتِ علمائِنا، في عصورِ الازدهار، ما تزال تحملُ أسماءَها العربيّة في دولِ الغرب حتّى يومنا هذا؟ ولا أحسبُ أنَّ الّلهاثَ وراء تعريبِ الصّغيرةِ، والكبيرة، من مفرداتنا أمرٌ مجدٍ، حتّى وإنْ نجحت محاولاتُ بعض الدّول في هذا الشّأن، لكن مهما استبسلنا، ومهما بذلنا من جهودٍ في هذا الصّدد، فلن نستطيعَ الّلحاقَ بالتّسارع الذي تتّسمُّ به حركةُ العلوم والاختراعات في الدّول المتقدّمة. من ناحيةٍ أخرى، يُفترض التّسليمُ بأنَّ الّلغاتِ الحيّةَ مثلُ الأشجار… تتجدّدُ دوماً، فتطرحُ مفرداتِها القديمة، وتورقُ فيها أخرى تدخل بنيةَ الّلغةِ، ونظامَها، بما تفرضُه طبيعةُ التّطوّرِعلى مستوياته كافّة، وقد ينسفُ هذا محاولاتِ بعضهم الواهمة أنَّ إعادةِ المجدِ للعربيّة يتحقّقُ باستخدامِ ألفاظِها القديمةِ المهجورة! كما نعلمُ عن وجودِ عددٍ غير قليل من الكلمات الفارسيّة، والهنديّة، والرّوميّة، والسّريانيّة وغيرها في لغتِنا العربيّةِ منذ القِدَم، إضافةً إلى ما تسلّلَ إليها من كلماتٍ أجنبيّة عبر الزّمان، نردّدها بتلقائيّة، وبلا أدنى محاولة لإيجادِ بدائلها العربيّة، مثل: « جاكيت، بنطلون، بلوزة، بوط، شامبو، برندة أو بلكون … إلخ . وللمقالة بقيّة… بقي أنْ نحسنَ التّمييزَ والتّفريق بين هذه الحقيقة، وبين ميلنا للتّشدّق باستخدام الكلمات الأجنبيّة، وإقحامها، عنوة، في حديثنا وثقافتنا عامّةً . فلقد دخلت لغتَنا أساليبُ التّعبير الإنجليزيّة كذلك، مثل فعل (Play) الذي يعني: الّلعب، والتّشغيل، والأداء، والعزف… فصرنا نقول: يلعبُ دوراً والأصح «يؤدّي دوراً « ويلعبُ الموسيقى والأصح « يعزفُ الموسيقا… إلخ. كما درجت على ألسنةِ الإعلاميين، ومحرّري الأخبار صيغةٌ إنجليزيّة مثل: نوقشَ مشروعُ القانونِ من قِبلِ النّوّاب» والأصح: « ناقشَ النّوّابُ مشروعَ القانون… « وانسحبَ الأمرُ على الّلفظ، فالحرف المظلوم في لغة الضّاد هو حرفُ « الضّادِ» نفسُه، إذ تلفظُه بعضهنَّ « د» في حين يلفظُه معظمُ شبابنا « ظ»! وأقسمُ إنَّ بعضَ طلبتِنا الجامعيين لا يعرفون أنَّ حرف الصّاد يُكتب مع « سن» أو نبرة، مثلاً، وكذلك الأمرُ بالنّسبةِ لرسمِ حروفٍ عربيّةٍ أخرى عديدة، أو استخدام « الشّدّة « أو « همزة المد « حين تلزمان. المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان