هل يتوقف الرصاص عن خرق "وثائق" ضبط إطلاق العيارات النارية؟

العيارات النارية
العيارات النارية

محافظات- حملات ومبادرات ووثائق، تدعمها جهود وحشود، تجتمع تحت سقف الإقرار برفض التفاوض على مدى كارثية ظاهرة إطلاق العيارات النارية، والإصرار على وقفها بالكامل، بيد أن حرارة الإصرار مرتبطة بتوقيت انطلاقه الذي عادة ما يأتي عقب رصاصة اخترق صداها جدار اللاآت الاجتماعية الذي يرفع شعار "لا لإطلاق النار بالمناسبات" 

اضافة اعلان

 

  مؤخرا، وفي أعقاب ما عرف بحادثة "عريس معان"، شهدت غالبية محافظات المملكة عشرات الوثائق تسيدتها تلك التي أطلقتها وزارة الداخلية بصيغة إلكترونية، تتعهد ضبط إطلاق العيارات النارية بالمناسبات، التي طالما تسببت بحوادث مؤلمة ذهب ضحيتها أشخاص أبرياء من مختلف الأعمار، بينما آخرون لا يزالون يتجرعون مرارة الحدث.  


في تفاعل شعبي ورسمي رصدته "الغد" بمناطق متفرقة، حول نجاعة "الوثائق" بوقف الظاهرة، يظهر أن هناك إجماعا على ضرورة التعامل مع الظاهرة بكل حزم، وألا تكون هذه "الوثائق" ردات فعل آنية تنتهي بمجرد انتهاء صدى إطلاق العيارات النارية.


ووفق ما أكدته فاعليات شعبية ورسمية فإن ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، تستدعي تضافر كافة الجهود ليس للحد منها فقط، بل إيقافها بشكل جذري ودائم نظرا لما تشكله من خطورة على أرواح السكان.


واعتبرت تلك الفاعليات أن القضاء على هذه الظاهرة لا يجب أن يكون كردة فعل آنية، ويتوقف عند مجرد توقيع العرائض، بل أن يتعداها إلى ضرورة التشاركية ما بين المواطنين والأجهزة المعنية

.
تفعيل العقوبات الاجتماعية

 

  يقول الشيخ مازن المومني من محافظة عجلون "يجب مكافحة ظاهرة إطلاق العيارات النارية بكل السبل المتاحة، وضرورة التوعية والتثفيف بخطورتها عبر كل المنابر"، لافتا إلى ضرورة التشاركية بين مختلف الجهات لمحاربتها، وتفعيل "العقوبات المجتمعية" عبر مقاطعة المناسبات والانسحاب منها في حال مورست بها هذه العادة السيئة والخطيرة والتي تسببت بإزهاق أرواح بريئة.


ويقول محمد الغزو إن "الوثائق ليست أول مرة يتم توقيعها، فقد تبنت عدة عشائر ومناطق في سنوات سابقة توقيعها كردات فعل على حوادث أليمة وقعت حينها بسبب هذه الظاهرة، إلا أنها كانت آنية ولم يتم الالتزام بها إلا لفترة محدودة. 


ويصف المحامي جمال الخطاطبة الظاهرة بأنها هدر للمال، وخطر أمني على السلامة العامة في المناطق المكتظة، وربما بعض الحوادث تقع لأنه يمارسها أحداث دون 18 لا خبرة لهم بالسلاح، وربما بعضها بسبب رداءة السلاح، وكذلك ربما لارتفاع أسعار البديل الألعاب النارية.


ويقول محافظ عجلون قبلان الشريف إن "محاربة الظاهرة باتت ضرورة وواجبا، سيما وأن استخدام الأسلحة في المناسبات سبّب الكثير من المآسي والأذى للمجتمع"، متسائلا عن حاجة مجتمعنا إلى إطلاق الرصاص، وما الذي جناه ويجنيه من هذه الظاهرة سوى الضحايا التي أثقلت كاهل الجميع وملأت قلوبهم لوعة وحسرة؟.


جهود أمنية ومجتمعية مشتركة

 

  يرى مدير شرطة عجلون العميد وصفي العزام أن محاربة الظاهرة تتطلب جهودا تشاركية مع الأجهزة الأمنية والإدارية في سبيل التصدي لها، مؤكدا أنها ظاهرة خطرة وكان لها مخرجات سيئة أدمت قلوب الأردنيين جميعا.


ودعا العزام الفاعليات الشعبية والوجهاء إلى عدم التوسط لمن يرتكب مخالفات قانونية متعلقة بإطلاق العيارات النارية، مبينا أن الإجراءات القانونية الرادعة ستسهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة وأن الأجهزة الأمنية ستكون بالمرصاد لمطلقي الأعيرة النارية واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.


أشخاص عاشوا لحظات مخيفة


في محافظة البلقاء، برزت إلى السطح خلال الاحتفالات بنتائج الثانوية العامة "التوجيهي" الشهر الماضي، واحدة من قصص عديدة لتداعيات التعبير عن الفرح بإطلاق العيارات النارية، وكانت لإحدى العائلات في منطقة ماحص، حيث اخترق عيار ناري طائش نافذة منزلها واستقر في أحد جدرانه الداخلية.


وفي حديثه عن تفاصيل ما حدث حينها، قال المواطن ليث الكلوب، إن "العناية الإلهية أنقذته وأسرته من خطر تعرض أي منهم للإصابة بتلك الرصاصة وربما الوفاة، خصوصا أن الرصاصة استقرت في جدار غرفة المعيشة أثناء جلوس العائلة فيها". 


الخطورة ذاتها، واجهها الدكتور أحمد الجالودي وأسرته، عندما اخترقت رصاصة طائشة الزجاج الأمامي لمركبتهم بعد نزولهم منها صوب المنزل بلحظات قليلة، وذلك خلال الاحتفالات بنتائج التوجيهي.


وشهدت محافظة البلقاء كغيرها من المحافظات، حراكا مكثفا سعيا للتصدي إلى ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، قادته جهات رسمية وأهلية.


وأطلق مجلس محافظة البلقاء أيضا، وثيقة شرف بعدم إطلاق العيارات النارية وعدم حضور، ومغادرة الاحتفال الذي تطلق فيه الأعيرة النارية ونبذ وعدم التدخل أو مساعدة من يقوم بهذا الفعل الذي وصفه بـ"المشين"، مثلما تم في لواء عين الباشا برعاية المتصرف الدكتور إبراهيم الرواحنة وبمشاركة واسعة من الفاعليات الرسمية والمجتمعية، التوقيع على وثيقة الشرف بعدم إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، في حين عقدت ندوة نظمها منتدى زي الثقافي بالتعاون مع قضاء زي لمناقشة ظاهرة إطلاق العيارات النارية وكيفية التصدي لها، بمشاركة مختصين.


هل الظاهرة مرتبطة بالشباب؟ 

 

  الناشط الشبابي والاجتماعي في محافظة البلقاء، أمجد عثمان الشبلي، يقول لـ"الغد"، إن ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، تتركز بشكل أكبر بين فئة الشباب، وتحديدا في أوساط الفئة التي تمارس في حياتها بشكل عام سلوكيات غير منضبطة، ولا تتحلى بأدنى مسؤولية في سلوكياتها، وذلك بالتوازي مع تدني مستوى ثقافتهم ووعيهم.


لذلك، يرى الشبلي ضرورة تكثيف رسائل التوعية لمثل تلك الفئات، في مقابل تشديد العقوبات المتعلقة بالظاهرة أكثر فأكثر، لافتا بهذا الخصوص إلى أنه ما يزال في أوساط الشباب من يعتقد أن إطلاق النار في المناسبات يعبر عن رجولته، ويغذي رغبته في إظهار نفسه، رغم أن الرجولة لا علاقة لها بمثل هذه السلوكيات، إنما تحتكم إلى حجم العلم والمعرفة والتحلي بالأخلاق الحميدة.


ومن وجهة نظر رئيس مجلس محافظة البلقاء، إبراهيم نايف العواملة، فإن جهود الدولة بمختلف أجهزتها أسهمت طيلة السنوات الماضية في التصدي إلى حد كبير من حجم انتشار الظاهرة.


في المقابل، يرى العواملة، أن التحدي الأبرز هو ضرورة الاستمرار بالتصدي لتلك الظاهرة وتطوير أدوات مواجهتها على مختلف المستويات، لافتا إلى أهمية تزامن جهود التوعية والتحذير من تبعاتها ومخاطرها من جهة، وتشديد الإجراءات الرقابية وتغليظ العقوبات من الجهة الأخرى.


مطالب بوقف تراخيص اقتناء الأسلحة 

 

  الإجماع على كل ما تقدم لا ينحصر بمحافظة دون أخرى، ففي محافظة مادبا يرى مواطنون أن مشكلة إطلاق العيارات النارية أضحت مقلقة بسبب الرصاص الطائش الذي أودى بحياة العديد من الأبرياء، وانه ولإنهاء الظاهرة يجب التشديد على منح رخص اقتناء الأسلحة، ووضع أسس ومعايير لمراقبة محلات بيع الأسلحة النارية.


واعتبروا أن توقيع "الوثائق" جزء من الحل ولكنه يبقى لفترة محددة، إذ أن التجارب السابقة أثبتت تلاشي هذه الوثيقة بعد أن يمضي عليها وقت ليس بطويل.  
يؤكد محافظ مادبا نايف الهدايات في أكثر من تصريح حول هذه الظاهرة أنه ثمة إجراءات إدارية مشددة ورادعة بحق مطلقي العيارات النارية بالمناسبات، في وقت يطالب فيه بضرورة الإبلاغ عن مطلقي العيارات النارية بالمناسبات من أجل اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية بحقهم.


المواطن سليمان الشوابكة لا يلقي اللوم في مسألة إطلاق العيارات النارية وخاصة في حفلات الزفاف على شخص أو جهة واحدة، إنما هي مسؤولية أطراف عدة، داعيا الى ضرورة أن يتم إبلاغ الجهات الأمنية عن الأشخاص الذين يحوزون الأسلحة أو يتاجرون فيها. 


الآباء أول المسؤولين

 

  يعتبر المواطن ليث عبد الحافظ أن المسؤولية الأولى تقع على أولياء الأمور، الذين يسمحون لأبنائهم بامتلاك السلاح، حتى وإن كان مرخصا، متسائلاً عن سبب سماح بعض الآباء لأبنائهم بامتلاك سلاح ناري واستخدامه بالمناسبات، مؤكداً أن هناك أفكارا وثقافة مغلوطة، ولكنها للأسف متداولة في المجتمع، أقلها التباهي لدى البعض بحمل السلاح واستخدامه بالمناسبات.   


تغليظ العقوبة.. هل يردع المخالفين؟ 

 

  يرى عضو مجلس محافظة مادبا باللامركزية سالم الهروط أن تغليظ العقوبات من شأنه القضاء على ظاهرة إطلاق العيارات النارية. 


واعتبر أن هذه العقوبات يجب أن تشمل على عقوبات اجتماعية أيضا وأهمها مغادرة أي مناسبة تشهد إطلاق العيارات النارية، مضيفاً أن التوقيع على وثائق منع إطلاق العيارات النارية في كافة المناسبات هو تأكيد على حرص المواطنين بمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة بالمجتمع.


هل رفض الظاهرة سبيل لإنهائها؟ 

 

  في مناطق عدة بمحافظة إربد كغيرها من المحافظات، تتواصل جهود مكافحة الظاهرة من خلال التوقيع على وثائق عدم إطلاق العيارات النارية بالمناسبات المختلفة من قبل وجهاء وشيوخ ونواب وعدد كبير من أبناء المحافظة.


ووقع مدراء دوائر وفاعليات أهلية وحزبية وإعلامية ووجهاء ومخاتير على وثيقة شرف والتزام لمنع إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية.


ويؤكد رئيس بلدية غرب إربد جمال البطاينة حرص البلدية على تبني الوثائق الوطنية الهادفة للحفاظ على أرواح المواطنين ومحاربة الظواهر السلبية في المجتمع، لإيجاد مجتمع واعٍ  يتبنى الممارسات الإيجابية وينبذ التصرفات السلبية التي تهدد سلامة وأمن المجتمعات، مشدداً على أهمية تكاتف الجهود من مؤسسات وأفراد لوقف هذه الظاهرة التي أزهقت أرواح الأبرياء ونتج عنها خسارات فادحة سواءً بالأرواح أو ممتلكات المواطنين.


وأشار رئيس بلدية الرمثا الكبرى أحمد الخزاعلة إن ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات التي تُقام تعبيراً عن الأفراح هي من أشد أنواع التعبير عن مظاهر اللامبالاة بالقانون وسيادته واللعب بأرواح ومصائر الناس، وقد كثرت للأسف حوادث الأفراح التي انقلبت إلى بيوت أتراح وعزاء.


وأكد متصرف لواء الرمثا بكر الكعابنة ضرورة وقف هذه السلوكيات الخطيرة التي يمارسها البعض بشكل متهور دون مراعاة للنتائج الكارثية التي تلحق بمن يتعرض للرصاص ويؤدي إلى وفيات وإصابات بين الأبرياء الذين لا ذنب لهم.


وقال متصرف لواء الطيبة الدكتور أيمن الرومي أهمية الوثيقة التي تأتي انسجاماً مع التوجيهات الملكية لمكافحة ظاهرة إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، وتطبيق القانون الرادع للحد من إزهاق الأرواح البريئة والإصابات التي تخلفها تلك الممارسات السلبية.

 

اقرأ أيضا:

إطلاق وثيقة إلكترونية للمواطنين لضبط إطلاق العيارات النارية (رابط)