القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف.. لكن حربا موسعة تم تفاديها

إيرانيون يتظاهرون في طهران احتجاجًا على هجوم إسرائيلي "محدود" على قاعدة جوية ثانوية في أصفهان - (المصدر)
إيرانيون يتظاهرون في طهران احتجاجًا على هجوم إسرائيلي "محدود" على قاعدة جوية ثانوية في أصفهان - (المصدر)
رد طهران على ضربة تل أبيب الجوية بصيص أمل ويؤشر إلى نهاية الغارات المتتالية أو كارثة ربما أكبر
                     *   *   *اضافة اعلان
منذ الساعات الأولى من صباح الجمعة، تحدثت عاصفة من التقارير الصحفية عن هجوم تعرضت له قاعدة جوية قرب أصفهان في وسط إيران. وهو هجوم كان منتظراً إلى حد كبير. وعلى الرغم من كافة المناشدات من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وآخرين كثر، لم تترك إسرائيل أدنى شك بأنها سترد عسكرياً على الهجوم الإيراني عليها الذي جرى في الأسبوع السابق.
ما بدا وكأنه غارة موجهة بدقة كبيرة على مجمع يعتقد أن له علاقة بالهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل –والتي شُنت في اليوم الذي صادف تاريخ ميلاد المرشد الأعلى الإيراني– يمكن أن يكون فعلاً ذلك الرد. باستثناء وحيد، هو أن إيران قامت بنفي أن يكون مثل هذا الهجوم قد وقع من الأساس، بصورة واضحة وصريحة وعلنية للغاية.
ولم يكن عدم إسرائيل من جانبها أي شيء أمراً غير مألوف. فهي، مثلاً، لم تعترف أساساً بالمسؤولية عن الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل)، الذي أدى إلى هجوم إيران المباشر غير المسبوق على إسرائيل. ولدى إسرائيل قاعدة معتمدة بأن تترك للآخرين حرية التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة. وتنتهج تل أبيب الصمت نفسه بشأن برنامجها النووي -وهو مثال آخر على ما يُعرف بنهج "الغموض الإستراتيجي" الذي تنتهجه.
هذا النوع من الصمت لا يعكس عموما طريقة عمل الجانب الإيراني. ولا بد أن الأمر كان غريباً للغاية، حيث لم يكن السؤال الرئيس الذي بقي عالقا في صبيحة اليوم التالي يتعلق بماذا استهدف الهجوم، ولا بما إذا وقعت إصابات أو حدثت أضرار مادية بسببه، لكنه تعلق بما إذا كان الهجوم قد وقع من الأساس.
فلنتفق –ولا مجال لألا نتفق– على حصول هجوم واحد أو أكثر على الأراضي الإيرانية في الليلة بين يومي 18 و19 نيسان (أبريل). إن التقارير، وفق القاعدة العامة، لا تصدر من فراغ. وقد جاءت التقارير في البداية من الولايات المتحدة. كما أن وسائل الإعلام الإيرانية كانت قد نشرت أخباراً عن أضواء ووميض انفجارات شوهدت قرب منشآت عسكرية معروفة، ومرتبطة أيضاً بالبرنامج النووي الإيراني.
هل يمكن أن تكون تلك الانفجارات نتيجة لحادث؟ أو أنها محاولات إيرانية متعمدة لتحويل الانتباه وربما توفير ذريعة لرد عسكري جديد؟ هذا يظل احتمالاً فقط. ولكن نظراً للمعارضة الأميركية الرسمية لأي هجوم [إسرائيلي]، والصدفة الإضافية بشأن مصادفة توقيت الهجوم نفس تاريخ عيد ميلاد المرشد الإيراني علي خامنئي، يبدو مستبعداً ألا تكون الضربة قد وقعت، أو ألا تكون -بغض النظر عما جرى- قد نفذته أيدٍ غير حميدة.
لذلك، يمكن اعتبار إنكار إيران -حتى كتابة هذه السطور- علامة أمل تشير إلى نهاية التصعيد المتبادل مع إسرائيل. لأنه إذا لم يكن هناك هجوم إسرائيلي في نظر إيران، فلن تكون هناك حاجة إلى رد عسكري. والمواجهات المباشرة -التي بدأت بالغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية لدى دمشق- يمكن أن تتوقف هنا. وليس هذا مستحيلاً. فحتى طهران نفسها كانت تأمل بأن يكون هجومها الجوي على إسرائيل مؤخرًا هو الكلمة الأخيرة، حتى بعد فشله الواضح. 
في هذه الحالة، يمكن أن يعود النزاع بين إسرائيل وإيران إلى حالته السابقة، أي تخوضه في الأساس القوى التي تشكل وكلاء إيران -في جنوب لبنان، وفي سورية، وجماعة الحوثي في اليمن- وكلها جماعات تعمل بمستويات توجيه مختلفة وبقدرات محدودة.
وقد يوفر هذا أيضاً، وبصورة مدهشة، امتداداً للمناخ الحميد الذي تمكنت إسرائيل في ظله من شن حربها في غزة. فعلى الرغم من كل الإدانات القادمة من الحلفاء والخصوم على حد سواء، لم تكن هناك حماسة كبيرة في المنطقة نفسها لمواجهة إسرائيل عسكرياً، ولم تقم أي من الدول المجاورة باستغلال الثغرات التي ظهرت في الأمن الإسرائيلي والتي فضحتها حركة "حماس" بصورة سيئة للغاية يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ولم تقم أي انتفاضة في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من تزايد هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين. كما بقيت هجمات "حزب الله" من جنوب لبنان بدورها على نفس مستويات التصعيد السابقة. وكان قد سجل وقوع هجمات صغيرة -قامت بها إيران- ضد جماعات انفصالية قرب حدودها، منها ما وقع في باكستان، بصورة تعكس المصالح المحلية الإيرانية. لكن طهران لم تشن -حتى وقوع الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق- أي هجوم مباشر على إسرائيل، وإنما صرحت ومنذ البداية بأنه ليس لديها أي نية لفعل ذلك.
لم يقتصر التردد في إثارة أي صراع أوسع أو التورط فيه على إيران. فقد ظلت الدول الإقليمية الكبرى –مصر وتركيا والسعودية– على الهامش أيضًا. وتحاول الدول الصغيرة، وخاصة قطر، التوسط لوقف لإطلاق النار يجنب سكان غزة مزيداً من المعاناة ويؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين الذين تحتجزهم "حماس". ولم تسفر تلك الجهود حتى الآن عن النتائج المنشودة، لكنها لم تنهر تماماً أيضاً، ولم يؤد فشلها الدوري إلى أي زيادة ملحوظة في التوترات.
قد يكون أحد التفسيرات عدم اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وغزة قبل الأول من نيسان (أبريل)، هو ضعف كل دولة تقريباً في المنطقة، وحقيقة أن القوى الكبرى الأخرى -روسيا والصين- منشغلة بأمور أخرى، إضافة إلى الضغوط المحلية التي تعانيها الإدارة الأميركية في هذا العام الانتخابي. وبالفعل، كان أحد الجوانب الأكثر بروزاً في الأشهر الأخيرة هو تطور موقف الولايات المتحدة في ما يتصل بالحرب في غزة، من الدعم الشامل لإسرائيل إلى الانضمام للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
كل هذه العوامل تعمل لحسن الحظ ضد توسع الصراع، لكن على أي حد عدم التخلي عن حذره لسببين مهمين. الأول هو أن الحوادث تقع، وأن الغارة الإسرائيلية غير المدروسة على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في سورية كانت عملا تحريضيا لم يترك لإيران خياراً سوى الرد.
قد تكون [الضربة] في نظر إسرائيل جزءاً من كفاحها من أجل البقاء. لكنّ هذا لا يغير من حقيقة أنها بالنسبة لإيران، كما هو الحال بالنسبة لمعظم البلدان الأخرى، انتهاكاً لقاعدة دبلوماسية أساسية تحمل معها عواقب على الجميع إذا تُركت من دون رد. وكلما كثرت مثل هذه الحوادث، زاد خطر سوء الفهم، والمبالغة في رد الفعل، والاشتباكات المباشرة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة. والسبب الثاني هو أن المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران –على الرغم من أنها محدودة حتى الآن- تذكرنا بالشعور العميق بانعدام الأمن الذي يثيره كل طرف لدى الطرف الآخر، إلى درجة يصعب معها أن نرى حتى المنطقة الأوسع كبيرة بما يكفي لكليهما. وما تزال إسرائيل تعتقد أن إيران تريد محوها من الخريطة، في حين ترى إيران أن إسرائيل هي السبب الرئيس الذي يجعلها في حاجة إلى أن تصبح قوة نووية.
إن الأيديولوجيا والعوامل النفسية والجغرافيا هي عوامل من شأنها التسبب بالنزاعات التي تنتهي بالتحول إلى مواجهات عسكرية، مع إمكانية أن يلعب الحلفاء والوكلاء الموجودون إلى جانب الطرفين، مع إمكاناتهم الإضافية، في التسبب بوقوع مثل تلك الحوادث. ولهذا السبب، فحتى لو جرى تجنب حرب شاملة في الوقت الحالي -سواء بسبب الضغوط الأميركية، أو اعتراف إيران الضمني بضعفها، أو انشغال قوى أخرى بأماكن أخرى- فإن كل تلك العوامل قد لا تتوافر في حال تكرار الحادثة في مرة مقبلة.