‪ استغفال الآخرين "إساءة" متعمدة "تزعزع" العلاقات الاجتماعية‬

Untitled-1
Untitled-1
رشا كناكرية عمان- لطالما كانت شخصية حسام المتواضعة سببا في سوء فهم الأشخاص له، فطبيعته الهادئة وكثرة صمته، جعل الناس تظن أنه لا يمتلك أي قوة أو معرفة. وكأي فرد في المجتمع يقابل ويتعرف حسام على أشخاص جدد في حياته، لكن، ينظر إليه أحيانا بـ”استصغار” ويفهم سكوته على أنه ضعف وعدم معرفة بالأمور من حوله.

الحزم مطلوب أحيانا

وعلى عكس ذلك تماما فهو شديد الذكاء ويمتلك الكثير من القدرات، ولكنه يفضل الهدوء والاتزان بكلماته، حسب قوله. هذه النظرة جعلته يشعر بضعف الشخصية وقلة تقديره لذاته. كما أن استغفال الآخرين له كان يزداد يوما بعد الآخر، وخاصة من قبل أحد زملائه، مما جعله يمر بمرحلة نفسية صعبة. في البداية كان يجهل حسام كيف يتصرف مع من يعامله هكذا. لذلك كان الصمت خياره، فهو إنسان متسامح، ولكنه شعر بأن هذا السكوت هو ما دفعهم للاستمرار في هذا السلوك. يقول “لم أعد أتحمل هذه النظرة والتصرفات” هكذا عبر عن استيائه الذي جعله يتخذ قرارا بأن يواجههم ويوضح وجهة نظره، وأن يعلمهم بأنه يعلم بتصرفاتهم هذه ويتجاهلها بارادته. وبات الآن يطالبهم بالتوقف عن تلك الأفعال، حتى لا تسوء العلاقات الاجتماعية بينهم، فعلى كل شخص أن يهتم بنفسه وعمله. هذه المواجهة منحت حسام شعورا بالقوة والإرادة بقوله، “كان يجب أن أفعل ذلك منذ زمن”، مبينا أن “هذه السلوكيات سيئة ويجب التخلص لكي لا يعم ضررها في المجتمع”. الاستشاري الأسري والاجتماعي الدكتور مفيد سرحان يبين أن من أهم مقومات الشخصية الناجحة هو القدرة على بناء العلاقات مع الآخرين وإدامة التواصل معهم، فهي وجدانية وعاطفية وإجتماعية. ويتابع سرحان، أن استمرار العلاقة مع الآخرين بحاجة الى الاتصاف بصفات حميدة كثيرة، منها الصبر والحكمة والتضحية. فضلا عن الصدق وخدمة الآخرين وحفظ أسرارهم ومشاركتهم في المناسبات والاحترام المتبادل واحترام المشاعر. ويوضح سرحان أن الأشخاص متفاوتون في القدرات والطباع، مما يتطلب مراعاة ذلك في التعاملات. ويبين أن البعض قد يميل إلى الهدوء والتواضع وعدم الحرص على إظهار قدراته أمام الآخرين بل الاستماع والاصغاء أكثر من الحديث. الأمر الذي قد يدفعه حرصه على إدامه العلاقة على الصبر والتحمل والتجاوز عن زلات الآخرين والتسامح. ويذكر سرحان أن هنالك صنف من الأشخاص لا يستطيع تقدير قدرات الآخرين وتقيمهم تقييما صحيحا. ويعتبر أن السكوت وعدم الإكثار من النقاش ضعف وعدم معرفة.

الاستغفال "سلوك معيب"

وهذا ما يسمى باستغفال الآخرين وهو سلوك “معيب”، وينم عن شخصية لا تحترم عقول الآخرين حتى أقرب الناس إليه ممن منحوه الثقة والأمان،. فيلجأ الى استدراجهم إلى مواقف غير مقبولة فقط، لأنهم منحوه الثقة الكاملة واعتبروا انه “مستأمن”، وفق سرحان. ويعرف سرحان استغفال الآخرين بأنه “استصغار للعقول” واستغلال لحسن النية لدى هؤلاء الأشخاص، فحسن الظن والنوايا الحسنة قد يسيئ البعض فهمها. وهذا ما يجعله يتصرف “باستخفاف” حتى مع أقرب الناس إليه من أفراد أسرته أو أقربائه أو زملائه في العمل. ويشير سرحان بأن استغفال الآخرين فيه تعد على أبسط حقوقهم وإهمال لمشاعرهم وخيانة لثقتهم. مما يترك أثر سلبيا ليس فقط في النفوس بل في العلاقات الاجتماعية ويصفه بـ “سلاح فتاك” يدمر العلاقات وينزع الثقة. ويذكر سرحان أن الاستغفال قد لا يكون بالكلام فقط بل بالمواقف، فعدم الايفاء بالواجبات تجاه الآخرين والغش والخداع مظهر من مظاهر الاستغفال. ويتابع سرحان، أنه قد يكون من شخص بسيط تراه أكثر منه تعليما وثقافة، فقط لأنه يريد أن يشعر نفسه بالقوة والقدرة “الزائفة”. ويضيف حتى وإن كان سلوك الاستغفال من الاكثر تعليما للأقل تعليما فإنه سلوك مرفوض، لأن الأصل هو الاحترام المتبادل بين الأشخاص. ومن جانب آخر فإن السكوت عن سلوكيات “المستغفلين” ربما تشجعهم على الاستمرار في هذا الطريق وشعورهم “بالافضلية” ويزدادوا “تماديا” وربما الاستقواء على آخرين. وينوه سرحان انه في مثل هذه المواقف فإن إظهار عدم القبول والرفض بل وإشعار الذي يقوم بالاستغفال بأن سلوكه خاطئ أمر مهم، وأحد أهم طرق التعامل مع هؤلاء. ويؤكد سرحان أهمية رفض هذا السلوك من الجميع وعدم القبول بالإساءة للآخرين حتى في غيابهم، لأن من يسئ لشخص في غيابه قد يسيئ لك في غيابك.

 التذاكي ليس حلا

من جهة أخرى فإنه في بيئة العمل قد يقوم أحيانا عدد من الزملاء “بالتذاكي” على أحد الزملاء أو أكثر سواء بالكلام والتعليقات . فضلا عن أن يقوم هو بغالبية الأعمال نيابة عنهم مستغلين ما يتصف به من قيم وحرص على خدمة الآخرين والتضحية في سبيل الحفاظ على علاقات طيبة. ويوضح سرحان أن هذه مشكلة مركبة أكثر خطورة من التصرف الفردي، فاجتماع أكثر من شخص على استغفال “شخص واحد” مرض يجب التنبيه له. إلى جانب العمل على عدم تفشيه لأن أثاره السلبية تكون في الجميع وعلى العمل والمؤسسة، فإن الالتزام بالقيم هو سلوك حضاري وشرط لنجاح الأفراد والجماعات والمؤسسات. ويذهب اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو إلى أن أغلب هذه السلوكيات نلمسها على الصعيد المهني. ويعود سببها بالبداية لعدم شعور الإنسان بحس المسؤولية، شخص قد يكون لا مباليا في حياته، لا يمتلك منهجية ولا أهدافا، إنسان غير منظم فوضوي وعشوائي يعيش حياته بطريقة غير منظمة تفتقر إلى المسؤولية بكل عمل يقوم به. ويوضح الغزو أنه قد لا يكون هنالك عقاب أو ردع أو نقاش معه، وعندما يتم وضع النقاط على الحروف يتمادى. إذ إن بعض الأشخاص تستغل التعامل والاحترام الذي بينه وبين الطرف الآخر، فيصدر منه بعض التجاوزات. وهذا “استغفال”، لذلك علينا أن نلاحظة بشكل مهني أكثر فهو موجود في كل مجالات الحياة مع كل الفئات العمرية وداخل الأسرة. ويشير الغزو إلى أن العائق الأكبر يقع على من يلاحظ هذا السلوك، إذا شعر بأن هنالك شخص يتم معاملته بطريقة الاستغفال من المفروض ألا يتجاهل الموقف بالعكس تماما. ويجب أن يتم الحديث معه والنقاش، بحيث تكون الأمور واضحة للطرفين، لأن أبعاده النفسية كبيرة. ويوضح الغزو بأن استغفال أحد الاشخاص والاستقواء عليه يخلق بعض المشاكل على الصعيد المهني والاسري، إذ إن الابعاد النفسية تبدأ بالظهور على الشخ. ،بحيث يعيش في صراع بين أن أوقع عقوبة بهذا الشخص أو اتجاهله، وهذا الأمر من الممكن أن يلحق ضررا نفسيا بالشخص نفسه، ويصبح لديه ضعف بالشخصية. ويبين الغزو أن الأثر الأكبر ليس على من يمارس الاستغفال، وإنما على الطرف الآخر الواقع عليه الامر، فقد يعيش صراعا نفسيا انه ليس قادرا على اتخاذ قرار. وأيضا لا يمتلك الجرأة على الحديث مع هذه الشخص، وقد يسبب له الاحراج، ويضعه في مواقف ضعف مع الآخرين هذا الأمر قد يربك العمل. وبالنتيجة  من الممكن أن يحدث مشاكل على الصعيد المهني مع الآخرين ويخلق بيئة غير صحية اجتماعيا أو نفسيا. ويشير الغزو إلى أن طرق العلاج تكمن بأن نكون صارمين، أن نقدر الجانب الإنساني. ولكن في النهاية نحن تحت مظلة قوانين وأنظمة وتعليمات يجب أن تطبق بطريقة أو بأخرى على الجميع بدون استثناء، حتى لا يكون هذا الشخص بمثابة نموذج للآخرين. وهذا لأن هنالك من قد يقلد هذا الشخص وينجرف معه في هذه التيار، وهنا تصبح الخسائر كبيرة على صعيد المؤسسات أو الأسرة أو غير ذلك. وينوه الغزو إلى أن أثر هذا السلوك يعم على الجميع وقد يصبح أمرا مستباحا للبعض، لأنه لم يوقفه أحد بل يتكرر أكثر من مرة. وبين أن العلاج في هذه الحالة يصبح أصعب، ومن الممكن أن تكون هنالك خسائر على الصعيد النفسي للشخص وعلى الصعيد المهني، والخسارة قد تشمل فئة أوسع وأكبر. فيما الآثار السلبية قد تمتد على الآخرين وليس متوقفة على شخص واحد، وأن معالجة سلوك واحد مختلف تماما عن معالجة مجموعة. ومن جانب آخر، فإن المتطلب الأساسي لمنع هذه السلوك هو أن يكون لدى الشخص ثقة بنفسه، وألا يسمح لأحد بأن يمارس هذا السلوك عليه. فالإنسان يجب أن يكون ذكيا اجتماعيا وشديد الملاحظة لكل شيء، بحيث يعمل “فلتره” للسلوكيات التي تحدث من حوله، وفق الغزو.اضافة اعلان