أربع سنوات عجاف

تتخذ الشعوب والأمم من المواعيد التاريخية والتحولات المضيئة في سجلها مرتكزات للفخر وتجعل منها مناسبات للزهو والاحتفال.. ولهذا يعد التاسع والعشرون من تموز إطلالة على مشهد عراقي يضجّ بالفرح. اضافة اعلان
ففي ذلك اليوم صال الأسُود وجالوا وجعلوا من أكبر القارات في الدنيا مسرحا لإبداعهم!.
غدا تمرّ أربع سنوات كاملة على انجاز العراق والذي نقله من واقع إلى واقع آخر مختلف.. فقد أصبح العراق في أمسية ذلك اليوم أحد الأعمدة التي يرتكز عليها تاريخ الكرة الآسيوية، بعدما تمكن من عبور الصعاب وتجاوز العقبات ليصل إلى منصة التتويج بطلا لأم القارات.. وهو انجاز تحقق في ظرف دقيق وربما عاصف مرّ به النسيج العراقي عموما.. تحقـّق الانجاز حين كان القتل والتذبيح يشتتان الشمل العراقي وكانت الدماء تسيل، والوطن الكبير ينزف ألما وتشظيا، لكن فتيته الكبار في كل المقاييس تكفلوا بأن يقرعوا ملايين النواقيس تعبيرا عن اجتماع الكلمة العراقية ولو في ملعب كرة القدم.. ثم راح المشهد يشدّ إليه كل الغيارى والمخلصين، ليستعيد الوطن الجريح كثيرا من نفحات الأمل والتفاؤل والإقبال على الحياة!
نعم كانوا أبطالا فوق العادة.. لم تغرّهم انتماءاتهم بعيدا عن العراق الواحد.. لم تجرّهم ولاءاتهم إلا إلى تلك الوجوه التي أضناها الاقتتال.. فأطلقوا الفرحة الكبرى هناك بعيدا عن العراق، وكان لها رجع الصدى في هذا الوطن وفي كل مكان وصلته الأنفس العراقية.. كأنهم بذلك يطلقون (المشروع الوطني) البديل لكل دسيسة تريد أن تهزم فينا روحنا العراقية المتـّقدة المُحبة للحياة، الباحثة عن الرجاء ولو في ركام الألم!
نقف اليوم، وفي كل تاسع وعشرين من تموز وإلى ما شاء الله لنحيي تلك الصولة العزوم لأبطال العراق أسود الرافدين.. فقد حفظوا للعراق وجهه الكروي وجعلوه سيدا لآسيا.. وحفظوا لهذا الشعب حق التوحد في لحظة ارتباط مصيري حين كانت قطعة الجلد التي نسميها (الكرة) سببا بعد أن ضاقت بنا السبل، وبعد أن أخفقت الأسباب والمسببات الأخرى في جمع شتاتنا..
لهذا كانوا أبطالا بحق، ولهذا نحتفي بهم اليوم ولهذا سيذكرهم التاريخ مع مطلع كل شمس ولهذا ايضا حملناهم على كفوف الراحة وطفنا بهم المدائن.. لهذا صار نصبهم أمام واجهة  ملعب الشعب قبلة أنظار كل عراقي أو كل زائر تضعه أقدامه على أرض النهرين.. ولهذا ـ أيضا وايضا لا نرضى بغير الفوز بديلا.. أيليق بأسود الرافدين الذي ارتادوا آفاق البطولة أن يتقهقروا ويتراجعوا بعدما أذاقونا طعم القمة؟!
لكل هذا.. ولكل التاريخ البطولي الذي صنعه أبطال الشعب العراقي، نطالبهم بأن ينبذوا الفرقة وهم نموذج لوحدة العراق قبل أربع سنوات.. ولكل هذا، لا نرضى بأن يتآكل انجازهم، وأن يتحول التاسع والعشرون من تموز إلى نقطة افتراق يتلاشى فيه الانجاز ويضيع فيه أبطاله.. فالألم الذي يتركونه فينا لحظة الإخفاق مرير وكبير.. لكن الأمل يبقى أكبر من مقادير الألم، وهذا هو عزاؤنا في لحظات الفشل، فنحن دوما نقول إن لدينا (أسودا) سيثأرون لأمجادنا ولأسمائهم، وسيضعون التاسع والعشرين من تموز نموذجا لا يجب أن يقل سقف الانجاز عنه بأية حال من الأحوال.