حتى لا يدفع الأردن الثمن

في علاقة الأردن بمحيطه علينا أن ندرك أننا كمن يسير على حبل مشدود محاط بالعواصف والانفجارات والمخاطر، وأن أي قرار يتخذه الأردن في سياسته الخارجية مرتبط بعدد كبير من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلينا ان نكون واقعيين وندرك تماما نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، وان نسعى الى تحقيق مصالحنا بشكل عقلاني بعيد عن الانفعالات وبعيد عن العنتريات وهو الأهم. اضافة اعلان
الاردن عبر تاريخه اتخذ العديد من المواقف فيما يتعلق بالأزمات التي مرت على المنطقة، وفي بعض هذه المواقف كان الثمن باهظا، ولعلنا جميعا نتذكر موقف الأردن فيما يتعلق بمسألة الاحتلال العراقي للكويت وما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على اتخاذ موقف يمكن وصفه الآن بأنه كان عقلانيا وملتزما بمبادئ الدولة الأردنية.
في أزمة الخليج الحالية يجب ان نتحدث بوقائع لا يمكن تجاهلها، وعلى رأسها ما يتعلق بمئات الآلاف من الأردنيين الذين يعملون في دول الخليج، وماذا ستكون عواقب أي قرار أردني عليهم، وكيف يمكن ان نوازن بين هذا الملف وملف العلاقة الاستراتيجية مع دول الخليج بشقيها السياسي والاقتصادي.
الذين يتهمون الأردن بالتبعية الكاملة للسعودية في هذه الأزمة عليهم ان يقدموا البدائل، فنحن هنا نتحدث عن حوالي اربعمائة الف اردني يعملون في السعودية ومثلهم في الامارات مقابل اقل من خمسين الفا يعملون في قطر، ومسؤولية الحكومة الأردنية ان لا يؤدي قرارها الى ردة فعل قد تجبر هؤلاء على العودة الى الأردن، ولذلك كان القرار الأردني فيما يتعلق بالأزمة حكيما.
سيناريو البقاء على الحياد غير واقعي، لأن مثل هذا القرار يعني بالضرورة دخول الأردن فورا في خلاف مع حلفائه الأساسيين وأعني السعودية والامارات تحديدا، وستكون تبعات مثل هذا القرار كارثية بالمعنى الحرفي، ومع ذلك تصرف الأردن بحكمة، فلم ينجرّ تماما الى قرار المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية الكاملة لقطر، ولجأ لخيار تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وهو الخيار الذي يمكن ان يحقق اكثر من فائدة، وأول هذه الفوائد عدم تعريض الأردنيين الموجودين في قطر لخطر خسارة أعمالهم، أما ثاني هذه الفوائد فهو إبقاء الباب مواربا لأي دور يمكن ان يلعبه الأردن مستقبلا لحل هذه الازمة، وثالث الفوائد واهمها في هذا السياق ان الأردن حافظ على علاقته الجيدة مع السعودية والامارات.
لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وقد حاول الأردن منذ اليوم الأول للأزمة ان يبقى على الحياد وان يلعب دور الوسيط، الا ان أمواج هذه الأزمة عالية وقوية، والتعامل معها يجب ان يكون ذكيا وعقلانيا وعلى قاعدة تحقيق اكبر المكاسب الممكنة وتجنب ما يمكن تجنبه من مخاسر، ولا نريد أن نكون من يدفع الثمن الباهظ في نهاية المطاف.