لماذا الأردن؟!


قبل مدة اتصل بي أحد الأصدقاء، وقال: هل تود الذهاب إلى السينما أم أنك تعتبرها حراما؟ فقلت له: إن رئيس حكومتنا قد ذهب إلى السينما قبل فترة، وإنه لو كان الذهاب إلى السينما حراما، لما ذهب إليها رئيس الحكومة؟!

اضافة اعلان

قال: الفيلم عن احتلال العراق، يدعى المنطقة الخضراء، Green Zone أظنك مهتما بهذه المسائل، أو أنها تغريك بالفعل، الفيلم من إخراج باول جرينراس، وبطولة مات دامون، والعرض يبدأ بعد ساعة...هل نأتي لاصطحابك أم تأتي وحدك!؟

أثناء شراء التذاكر قلت للصديق باستغراب: أليس غريبا أن ندفع ثمن تذاكر فيلم أميركي يتحدث عن احتلال العراق؟ طبعا بغض النظر عن المحتوى والرسالة! قال ضاحكا: "بلشنا" ثم استدرك: حقا غريب.

أزعجني -الصديق الذي يعمل مخرجا- بحديثه عن رداءة الفيلم من ناحية التصوير والإخراج، وأنه تم تصويره بكاميرا محمولة، وأنه ليس هناك فنيات "كرين ..شاريو..الخ". حاولت أن أبرر أنهم يبيعون هذه الأفكار والأفلام باسم البطل، ليس لدي حجة أخرى بالطبع.

الفيلم يحكي عن أولى اللحظات بعد احتلال العراق، وكيف تسنى لفرق التفتيش العسكرية الأميركية الوصول إلى بعض المواقع التي تم التأشير عليها أنها تحتوي على مواد نووية وكيماوية، هناك مصدر اسمه "ماجيلان"، هو الذي قدم للمخابرات الأميركية هذه المعلومات، لكن كل محاولات التفتيش باءت بالفشل.

يبدو أن الفيلم يحمل رسالة أصحاب وجهات النظر من الأميركان الذين يعتقدون أن احتلال العراق كان خطأ، وأن المعلومات التي وصلت للمخابرات الأميركية كانت مضللة، وأن مروجي الصفقات داخل المؤسسة الأميركية كانوا يعلمون ذلك لدرجة أنهم حاولوا تصفية المدعو "الراوي" وهو نفسه الوسيط "ماجيلان" حتى يتمكنوا من وأد الأخطاء الكثيرة التي تم ارتكابها، وقصة الفيلم ليست موضوعنا الأساسي.

وكذلك، ومثل كل الأفلام الأميركية، تم تصوير العراقيين والعرب بصورة سخيفة تكرس نهج الفكر الأميركي، أننا غوغائيون ورعاة ومتخلفون، وأيضا تم استقطاب شخصيات تافهة لتمثل دور الشخصيات العربية وهذا أيضا ليس موضوعنا.

موضوعنا هو أن كلمة السر في الفيلم هي: الأردن، حيث ترتكز الأحداث كلها على معلومة يدلي بها المدعو سعيد حمزة وهو يحتضر بعد التعذيب ويقول :" Jordan" لنتبين لاحقا أن الصفقة بين الجنرال الراوي "ماجيلان" والفريق المتحمس للحرب من المخابرات الأميركية "الممثل جريغ كينير"، قد جرت أحداثها في الأردن! ويكرر الفيلم هذه الفكرة في مشاهد الحبكة الرئيسية... الأردن.

لماذا الأردن؟ لماذا ليست تركيا أو إيران أو أفغانستان أو اسرائيل؟ لماذا الأردن أيها السفير الأميركي؟! لماذا الأردن أيها الأردنيون المثقفون الذين تكتبون أوجاع الوطن الداخلية لتنشر عالميا بدل العمل على إظهار صورته الحقيقية للمجتمع الأميركي وغيره من المجتمعات، صورة النشامى الذين وقفوا مع العراق في حرب إيران ووقفوا بوجه جميع الحلفاء في حرب الخليج، وفتحوا أبوابهم ونوافذهم وبيوتهم للأشقاء العراقيين؟

لماذا الأردن يا هيئة الأفلام؟ وقد كان من أهدافكم التواصل الفني مع هوليوود والمؤسسات الانتاجية الأميركية لإظهار صورة مشرقة عن الأردن، ولكنكم فهمتم المسألة خطأ، ورحتم تفتحون لهم مواقع تصوير ومعدات وممثلين، وتناسيتم النصوص والكتاب والمخرجين والمنتجين الذين ظنوا أن الأردن مجرد "لا شيء" أو "محطة" لأنه استقبلهم ومد لهم يد العون لإنتاج أفلام تقدم الأردن على حقيقته على الأقل، فوجدونا لقمة سائغة يمكن مضغها ورميها في الأفلام كتلك الدول التي استباحوها في أفلامهم وأشبعوها طعنا وتشويها.

كان ثقيلا عليّ أن أرى هؤلاء "المساخيط الأميركان" ببضعة ملايين من الدولارات فقط، يكتبون التاريخ، ويشوهون صورة الأردن والعراق والعرب والمسلمين، ويوجهون رسالة إلى العالم أجمع بعد مضي سبع سنوات على الحرب يدعون فيها أن هناك فئة من الأميركان اكتشفوا لاحقا أن الأسلحة النووية والكيميائية مجرد كذبة قام باختلاقها أحد جنرالات العراق بهدف الحصول على موقع قيادي في العراق الجديد، وأن هذه الفئة ناضلت لتقول الحقيقة، وكأن هذه الحرب المدمرة الساحقة لم يكن لها أسباب أخرى ومطامع لا تعد ولا تحصى.