بدران: تنبأت مبكرا بانهيار الدينار واندلاع المظاهرات

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ _ ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ _ ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة

عمان- يبدأ رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليوم، وضمن سلسلة حلقات "سياسي يتذكر"، مع "الغد"، بتقليب ذكرياته السياسية، خلال فترة صعبة، مرت على المملكة، خلال الاعوام 1988–1990.
ويستذكر بدران، في حلقة اليوم، مواقف تاريخية، جرت بينه وبين رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي، والقائد العام للقوات المسلحة الأمير زيد بن شاكر، وهي المواقف التي جاءت بعد تنبؤ بدران بأزمة انهيار سعر الدينار.
ويقدم بدران في حلقة اليوم ذكرياته، التي لا يستعين بها بالوثائق، ويكتفي بالقول عن جوانب من لقاءاته مع الرفاعي وابن شاكر، بانها مواقف ما كان ليتخذها لولا استشعاره بالخطر.
ويشير بدران الى انه ظل مصرا على ابتعاده عن الواجهة، والتزامه بمقعده في مجلس الأعيان، لكن زيادة الديون التجارية للعراقيين، ومن دون كفالة بنك أجنبي، كانت السبب، برأيه، في أزمة سقوط الدينار، وتداعيات ذلك على الاحتجاجات في الشارع.
ويعود بدران اليوم بذاكرته للحظة تنبئه باستقالة حكومة الرفاعي، وتكليف زيد بن شاكر بتشكيل الحكومة، كما يتذكر أنه في تلك اللحظات استدعاه الراحل الحسين، لموقع رئيس الديوان الملكي، بطريقة وصفها بـ"الغريبة" تاركا شرحها للحلقة القادمة.
وكان رئيس الوزراء بدران قد كشف في حلقة أمس النقاب عن موقف الأردن الرسمي خلال مفاوضات مبادرة ريغان للسلام، وهو الموقف الذي أعلنه، حتى لا يغمز أحد من قناة الموقف الأردني في أي مفاوضات جرت باسم الفلسطينيين.
وأكد بأنه رفض المبادرة الأميركية في منح الحكم الذاتي للفلسطينيين، وانه أصر على منح الجانب الفلسطيني حقوقا كاملة في الضفة والقدس.
كما أرخ بدران في حلقة أمس للحظة الأولى التي أفرزت اتفاق عمان بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعتبرها بدران بـ"مفاوضات مهمة جدا" للأردن.
وفيما يلي نص الحلقة الرابعة والعشرين:

اضافة اعلان

* في العام 1988 اشتعلت ما تعرف بـ"هبة نيسان"، حيث انطلقت المظاهرات بداية من معان، والجنوب، ووصلت للسلط وإربد، كيف بدأت الأزمة، سياسية أم اقتصادية؟
-دعني من الحدث نفسه، ودعني اذكر لك، ما تنبأت به في تلك الأزمة، التي هددت النظام السياسي، والبنى الاجتماعية، بعد إفلاس الدولة.
كان زيد الرفاعي رئيسا للحكومة، وأحمد اللوزي رئيسا لمجلس الأعيان، وأنا كنت عضوا في المجلس.
عرفت بأن مديونية العراق لنا، التي كنا نقدمها لهم مقابل تغطية بعض مستورداتهم من البضائع والصناعات الأردنية، من خلال البنك المركزي، بلغت 400 مليون دينار أردني.
كانت العراق في نهاية كل عام، تقوم بدفع ما عليها من استحقاقات، لكن البنك المركزي كان يغطي فواتير التجار والصناعيين الأردنيين من حسابه، ثم يسدد العراق ما عليه من أموال في نهاية كل سنة مالية.
لما عرفت بأن المبلغ وصل لـ400 مليون، ومن دون كفالة بنك أجنبي ذهلت، فقد كان علينا زمن حكومتي، وكل تلك التسهيلات، ما لم يتعد الـ70 مليونا، وإن زادت عن هذا الرقم فإننا نطالب بكفالة بنك أجنبي، حتى أن هذا الشرط أزعج الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي اشتكاني للراحل الحسين.
وفعلا، كنت مع الحسين في زيارة لبغداد، وبعد لقائه بصدام حسين استدعاني الحسين، وقال: هل هو قرار حكومتنا، فقلت: نعم، فقال: لا أصدق، وقلت له: إذا انهز العراق أنا أغرق، لكن العراق لا يحدث له شيء، لأنه قوي وأنا ضعيف، لذلك طلبت كفالة البنك الأجنبي، ورجوت الحسين أن يترك الأمور الاقتصادية لي، لأنه لا يحب التعامل معها.
لما اجتمعنا، فيما بعد، بالرئيس صدام حسين عاتبني كثيرا، وجادلته بالقول: إننا في الأردن دقيقون بالأمور المالية، لأن أي خطأ، سينزلنا تحت الأرض، وخاصة بعد أحداث بنك البترا.
قلت: هل تقبل أن يعاملك البنك المركزي الأردني كما يعامل الحكومة الأردنية؟
قال: طبعا.
قلت: إن الميزة الوحيدة التي يعطيني إياها البنك المركزي، هي أن أرباحي من تداول العملات الأجنبية المقرر استلامي لها في نهاية السنة المالية، يقوم البنك بمنحي جزءا كبيرا منها في بداية السنة المالية، بعد حساب دقيق لتلك الأرباح، وأنا كحكومة أردنية إن احتجت لتسهيلات مالية فالبنك المركزي الأردني لا يقدمها لي، بينما قدم هذه الميزة لك.
قال: ومن هي الجهة التي يرجع لها البنك في اتخاذ القرار؟
قلت: إن محافظ البنك المركزي مرتبط برئيس الوزراء، لكن مرجعيته في عمله، قانونه الخاص الذي ينظم عمله.
إذ سعيت بهذا القرار لحماية موجودات البنك المركزي من العملة الأجنبية، وأغضبت العراق الذي كانت تربطني به علاقة متميزة، في سبيل أن لا أشكل أي تهديد على مقدرات البنك المركزي.
*لكن حكومة الرفاعي تجاوزت سقف الدين العراقي، من 70 مليونا بكفالة بنك أجنبي، إلى 400 مليون من دون كفالات بنكية؟
-هذا ما تفاجأت به، فموجودات البنك المركزي من العملة الأجنبية، كانت 900 مليون فقط، إن ذهب منها للعراق 400 مليون، فهذا يعني بأني على وشك الإفلاس، خصوصا إن تأخر العراق عن دفع التزاماته.
مباشرة، بعد تدقيق المعلومات التي وصلت إلي، قدمت استجوابا للحكومة، عبر رئيس مجلس الأعيان أحمد اللوزي، ابلغ اللوزي الرفاعي باستجوابي الخطي، وقدر الرفاعي أن الإعلان عن الأمر سيضر حكومته، فطلب ان نعقد اجتماعا في مكتب اللوزي، وقال اللوزي بأنه لن يرفع الاستجواب في الجلسة، وأصررت على الاستجواب، وإن رفضه خطيا، فإني سأقدمه شفويا.
بعدها عاد اللوزي، وقال بأن الرفاعي يريد حل الموضوع في مكتبه، وأصر اللوزي وضغط علي من أجل الموافقة.
قبلت وقدمت شرطا واحدا، بأن يحضر شاهدان، الأول من طرفي، وسميته، وهو خليل السالم وهو رجل اقتصادي وخبير مالي وتسلم البنك المركزي بعد أن أسسه، وهو محسوب إن أردت الكلام في التقسيمات، على وزراء الرفاعي، وليس عليّ، والشاهد الثاني ينتخبه الرفاعي وهو حر في تسميته.
اتفقنا على اليوم والساعة، ودخلت مكتب اللوزي، وسألت عن خليل السالم، فقال اللوزي بأنه نسي أن يخبره، وصرت تحت الأمر الواقع، وسنتحدث سوية من غير الشهود الذين طلبتهم.
وبدأنا الحديث وقلت للرفاعي بأن هذا خطأ اقتصادي، قد يكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد الأردني، وشرحت له كل أسباب تشددي مع العراقيين في الأمر، تحصينا لاقتصادنا.
فأجاب الرفاعي بأن "صوفته حمرة" عند العراقيين، ويريد أن يحسن العلاقات الأردنية العراقية، بينما هم أصدقائي، ويمكن أن يتحملوا مني مثل هذه القرارات.
أصررت على كلامي، بأن ما يقوم به الرفاعي خطأ كبير، ووعد قبل إنهاء الجلسة أن يخفض الرقم خلال أربعة أشهر إلى 200 مليون، لكني لم اقتنع بذلك.
خرجت من مكتب اللوزي، وكنت فعلا منزعجا من الأمر، وفي تقديراتي، بأننا على اعتاب مشكلة حقيقية، اتصلت بأبي شاكر، وكان قائدا عاما للقوات المسلحة، وذهبت إليه.
ومن التواريخ القليلة، التي ما زلت أحفظها، كان ذلك التاريخ، في شهر شباط "فبراير" من العام 1988، وشرحت لأبي شاكر كل ما جرى، وشرحت له، بأنه لا يوجد قيمة مضافة من استيراد زيت النخيل من ماليزيا، ونقله من ميناء العقبة إلى العراق، ودفع ثمن تلك المواد من خزينتنا، فلسنا مستفيدين من هذه السياسة الاقتصادية، الخاوية من الفائدة، لتجارنا وصناعاتنا وزراعاتنا.
وحذرته بأن الأمور الاقتصادية، على هذا المنوال، ستكون كارثية، ولن يستطيع الرفاعي مقاومة إلحاح العراقيين، وعلى الملك الحسين أن يتدخل.
ضحك ابو شاكر، وقال إن الملك الحسين، لن يتدخل، ولن يخفض على العراقيين سقف ديونهم.
فقلت بغضب: "والله العظيم يا ابو شاكر، في شباط القادم، إلا الدولار يصير بنصف دينار أردني".
قال: "يا ابو عماد من وين جبتها هالمعادلة، يعني لأنه علاقتك سيئة مع الرفاعي هيك بتحكي".
ضحكت وقلت: "يا ابو شاكر أنت بتعرفني منيح، وموقفي من هالقضية مهني ووطني وليس شخصيا". وبدأت استعد للخروج من مكتبه.
ابو شاكر كان جالسا أمامي تماما، وإذ به يرجع ظهره إلى الكرسي، ويشد ذراعيه للأعلى ويقول: والله تعبت من الشغل، وبدي أخلص من هالضغط كله.
قلت مباشرة: "بطلت أروح، ورحمة أبوك، إلا تحكي شوفي عندك".
قال: "ما في إشي، من وين جبتها إنه في إشي؟"
قلت: "ما أنت امبراطور في الجيش، من شو تعبان، والله لتقول إلي عندك".
قال: "بيننا.. سيدنا عرض علي رئاسة الديوان الملكي".
قلت: "ما بتروح للديوان الآن، ويجب أن تبقى لشباط القادم، موعد انخفاض الدينار، الذي سيؤدي إلى مظاهرات تهددنا جميعا بالخطر، وسأذهب الآن للملك وأقول له ذلك".
قال: "مشان الله بلاش، قد يعتقد الحسين بأني من طلبت منك ذلك، وأنا سأقول له بطريقتي عن الموضوع وبأسلوب مختلف".
خرجت من مكتب أبو شاكر باتجاه مكتبي، والموضوع يطبق على كل تفكيري، وما إن وصلت البيت، فدخلت إلى مكتبي وجلست وحدي، وصرت أعيد تقدير الأمور، وكيف لي أن أقسم وأتاكد على أمر مستقبلي، أعدت كل حساباتي، فوجدت بأني قد أكون على حق، وللإمعان أكثر في القضية، اتصلت مع البنك، وسألت عن حسابي الذي اقترضته من بنك القاهرة عمان، وكان ما يزال الدين علي بقيمة 80 ألف دينار، فطلبت من المدير تحويل المبلغ من الدينار إلى الدولار والجنيه الاسترليني، وهل يسمحون بذلك، فقال "من دون أي تأخير".
فعلا، تم تحويل المبلغ، الذي اقترضته من البنك، إلى تلك العملتين، واشتريت الدولار بـ36 قرشا، والجنيه الاسترليني بـ50 قرشا، واحتفظت بالفواتير، وأظنها ما تزال لليوم في مكتبي، في العام الجديد، وبتقدير أخطأت فيه بشهر واحد، بدأ الدينار الأردني بالهبوط في آذار "مارس" وبسرعة، ومع انهيار الدينار، بعت الدولار، الذي اشتريته بـ36 قرشا، بـ89 قرشا، والجنيه الاسترليني بعته بـ1.30 قرش، بعد ان اشتريته بـ50 قرشا.
وكانت نتيجة هذا التقدير، بأني أغلقت كل ديوني للبنك، وزاد لي مبلغ إضافي، قمت به ببناء منزل ابني عماد بالخلف من منزلي.
في شهر نيسان "ابريل" وقعت الواقعة، وأفلسنا فعلا، وبعد أن استملت من زيد بن شاكر رئاسة الحكومة، التي تسلمها هو من الرفاعي، سألت البنك المركزي عن موجوداته من العملة الأجنبية، وقالوا لي، لا يوجد سوى 150 مليون دولار، من أصل 200 مليون، جاء بها ابو شاكر من المملكة العربية السعودية، كمساعدة طارئة بعد الإفلاس.
لقد قلتها للراحل الحسين، بأن تخفيض النقد، يعني سرقة الحكومة من جيب المواطن قيمة التخفيض، وللحيلولة دون ذلك، فعلى الحكومة، عندما تلجأ لتخفيض النقد، أن تعوض القيمة زيادات على رواتب المواطنين.
سمعت فيما بعد بأن مروان القاسم أيضا كان قد نصح الحسين، بأننا نسير باتجاه الإفلاس وسقوط الدينار، لكن الراحل الحسين لم يتوقف عند رأيه.
فقد حصل ذات الأمر، عندما كنت مديرا للمخابرات، وكان خليل السالم محافظا للبنك المركزي، وكانوا أقنعوا الراحل الحسين، بتخفيض الدينار، بذريعة تشجيع الصناعة والتصدير إلى بريطانيا، فأوقفت القرار بعد أن شرحت خطورة الأمر للحسين.
وعاتبني السالم بعدها بمدة، وقال لي: إن كان يحق له التدخل بالأمور العسكرية؟
فقلت: لا.
فقال: إذا كيف لك أن تتدخل بالاقتصاد؟
فقلت: لأني افهم بالاقتصاد، لكنك لا تفهم بالأمور الأمنية والعسكرية!.

* وبدأت الأحداث في نيسان من العام 1989 وكنت خارج السلطة، ولكن صديقك زيد بن شاكر، كان قائدا عاما للقوات المسلحة، ماذا فعلت، وهل بقيت متفرجا؟
-فعلا، كان كل همي من بقاء ابو شاكر في المسؤولية، أن أنصح من خلال صديق أعرفه، فأنا لا أعرف من كان سيأتي بعد أبو شاكر، وإن كان سيعرف، من أنا، أو لماذا أتدخل في أمر يتعلق بحجم استقرار النظام والأمن الوطني.
لما بدأت الأحداث، كنت جالسا في البيت، وبدأت التداعيات تتطور، صحيح أن السبب الأساسي في المظاهرات كان العامل الاقتصادي، لكن سرعان ما تطورت الأحداث والتداعيات لتشمل المطالبات وقف العمل بالأحكام العرفية، والمطالبة بالحريات العامة وتحقيق إصلاحات عامة، وعودة مجالس النواب وإقرار قوانين الإصلاح السياسي.
لقد أسميتها ثورة، وقلت لزيد بن شاكر، بأن انهيار الدينار، سيسبب ثورة بعد عام من تقديمي النصيحة له.
ولما بدأت أحداث معان، بدأت أتابع عن كثب ما يجري، وفعلا تنبأت بكل التطورات واتصلت بالأمير الحسن وقتها، ونصحته باستعراض القوة الأمنية، لكن حذرته من استخدامها، وحذرت كثيرا من قمع المتظاهرين أو إسالة الدماء.
وبقيت على اتصال بالأمير الحسن أولا بأول، وقلت له بأن الأحداث ستنتقل في اليوم التالي إلى الكرك، وخفف هو من تقديراتي الأمنية، وحاول أن يطمئنني، وحاولت أن أقنعه بخطورة الأوضاع، وضرورة إبلاغ الملك الحسين، الذي كان في زيارة للندن، ومعه رئيس الوزراء زيد الرفاعي، وضرورة عودتهما بسرعة.
في اليوم التالي، بدأت الأحداث تصل إلى الكرك، وتطورت الأمور كثيرا، وبقي الأمير الحسن مصرا على موقفه، بأن كل الأمور تحت السيطرة، وقلت له بأن اليوم التالي، ستبدأ الأحداث في السلط، وعندها عليه أن لا يسألني متى سيكون دور عمان، لأن الأمور ستتطور ككرة الثلج.
اجتمع الحسن كنائب للملك، وولي العهد مع مجلس الأعيان، وقدم شرحا للأحداث، وكان يوم خميس، وقال بأن الشيخ فيصل الجازي لا يرد على الهاتف، بعد أن عرف بأن الأمير الحسن يريده، اقشعر بدني، فكيف ذلك؟ الأمير الحسن يتصل بشيخ الحويطات فيصل الجازي رحمه الله، ولم يرد على الهاتف. عندها سألت سليمان عرار، عن مكان وجوده، فقال بأنه في معان، فطلبت منه أن ينتقل فورا إلى الحسينية، ويعرف لماذا لا يرد الجازي على اتصالات الحسن، ذهب عرار واستفسر من الجازي، وقال بأن هناك من استجار به من سائقي سيارات القمح، وأجارهم ، وقام أبناء منطقة الحسينية بحرق الشاحنات، وهو ما أزعج الجازي لانتهاك أحد أهم أعراف القبائل، في الاعتداء على المستجير.
لما بدأت الأحداث تصل إلى السلط، اتصل معي الحسن وسألني عن مصدر معلوماتي، وعندها امتعضت، واعتبرت بأن الأمير الحسن أخطأ في توجيه كلماته تلك لي.
مع تطور الأحداث عاد الراحل الحسين إلى البلاد، وكانت عودته وحدها كفيلة بتهدئة النفوس، فللحسين سحره على شعبه، فعلا بدأت الأمور تهدأ، ولدى زيارة صدام حسين لعمان في اليوم التالي، بدأ الجميع يراقب ما الذي سيجري، ومع نزول صدام حسين من الطائرة، غاب رئيس الوزراء زيد الرفاعي عن الاستقبال الرسمي، فعرفت بأن الحسين أقال الحكومة، وكنا، أنا وعبد الرؤوف الروابدة وسعيد التل، نجلس في منزلي أمام شاشة التلفزيون، ونتابع أخبار الثامنة، ونراقب مراسم استقبال الحسين للرئيس العراقي، عندها كان الروابدة يرجح الإبقاء على الحكومة بعد الأحداث، معللا الأمر بأن الحسين لا يحب التغيير تحت الضغط الشعبي.
فسألته إن كان الرفاعي يقف في استقبال صدام؟، فقال: لا، فقلت أظن بأن الحسين أقال الحكومة، وسيبدأ بعملية التغيير.
بعدها دعا جلالة الملك، أعضاء مجلس الأعيان لطعام الغداء، وللتشاور حول تداعيات أحداث نيسان العام 1989، نظرت في القاعة وإذ بالصحفيين يجلسون في الصفوف الأخيرة في القاعة، تحدث الحسين، ولما انهى كلامه رفعت يدي للتعقيب، غمزني الأمير زيد بن شاكر، وقال لي الحسين بأنه سيستمع إلى رأيي على طاولة الغداء.
وأنا ذاهب لمكان الغداء، قال لي ابو شاكر: "كيف بدك تعقب على كلام الحسين، والصحفيون يجلسون في القاعة"؟، فقلت له إن من جاء بهم لحضور اللقاء، يريد أن ينشر تفاصيل اللقاء، فالراحل الحسين يجيد تقدير كل الأمور، فأبلغني ابو شاكر، بأن الصحفيين تمت دعوتهم عن طريق الخطأ، وأن كلامي كان قد يوتر كل الأجواء، فالحسين وابن شاكر يعرفان بأني ساخط على كل السياسات التي أوصلتنا لأحداث نيسان.
ولما جلسنا على طاولة الحسين، وبدأت الحديث، طلبت من الحسين أن يعرف شعبه وماذا يريدون، ولكي يتمكن من ذلك، فعليه أن يجري بسرعة انتخابات حرة ونزيهة، حتى نعرف ماذا يريد الشعب.
وقلت له وصفا، صار الحسين يستخدمه كثيرا بعدها، بأن عليه "أن يفتح الطنجرة ويرى ما في داخلها" وهذا لن يأتي إلا عبر صناديق الانتخابات.
وقلت له قصة الشيخ فيصل الجازي الذي زاره وفد صحفي أميركي، وسألوه عن أحوال المملكة، وقال لهم نحن رجال النظام، ونحن فزعة للحكم، وبعدها سألوا أحد أبناء الشيخ فيصل عن مطالبه، فطالب بالحريات العامة، وإجراء الانتخابات، وعودة الحياة الديمقراطية، فعاد الوفد للشيخ فيصل، يبلغه بمطالب ابنه، فقال: "والله بطلنا نعرف أولادنا شو بدهم!".
وفعلا كان الحل برأيي إجراء الانتخابات بنزاهة، ومواجهة خيارات الشعب مهما كانت، ولكن ضمن إطار قانوني، يسهل الحوار بين أجهزة الدولة وممثلي الشعب.
عندها علق الرفاعي على كلامي، بأن النتائج ستأتي بالمعارضة، فقلت له لو استمع بعض وزرائه لكلام المعارضة في موضوع الموازنة العامة، لما وصلنا لهذه الحال، من عدم الثقة والفوضى.
فعلا، استقالت حكومة الرفاعي وتم تكليف زيد بن شاكر بتشكيل الحكومة، واستدعاني الملك الحسين رئيسا للديوان الملكي بطريقة غريبة.

توضيح لبدران في "سياسي يتذكر"

ورد في أحد عناوين الحلقة الرابعة والعشرين من "سياسي يتذكر" مع رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، التي تنشر في "الغد" قوله: "استجوبت وأنا في الأعيان العام 88، حكومة الرفاعي حول نذر أزمة انهيار الدينار للتحذير منها".
والأصح، أن العين بدران حينها، قدم مشروع استجواب للحكومة الى رئيس مجلس الأعيان المرحوم أحمد اللوزي.

[email protected]