بدران: حذرت في حرب بغداد بالرد على أي هجوم إسرائيلي

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". - (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". - (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة
عمان - يمعن رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليوم في إلقاء المزيد من الضوء، على أخطر المراحل التي مرت على الوطن العربي والمنطقة مطلع تسعينيات القرن الماضي، ألا وهي أزمة احتلال العراق للكويت، واندلاع حرب الخليج الثانية، وما خلفته من تداعيات وتغييرات عميقة في المشهد السياسي والجيوسياسي للمنطقة.
بدران، الذي كان يترأس الحكومة خلال فترة الأزمة المذكورة، يواصل سرد تفاصيل عديدة للتحركات السياسية والدبلوماسية التي واكبت تلك الأزمة، وجهود الأردن واتصالاته، لسحب فتيل الأزمة، وحلها سلميا بعيدا عن الخيار العسكري.
يبرز اليوم، في ثنايا الحلقة التاسعة والعشرين من سلسلة "سياسي يتذكر" مع "الغد"، التهديد الإسرائيلي التاريخي للأردن، وكيف تجدد ذلك التهديد إبّان اندلاع أزمة الخليج، حيث تواترت المعلومات والتحليلات حول احتمال تدخل إسرائيل بالحرب وإقدامها على مهاجمة الأردن، ويؤكد بدران في حديثه أنه "حذر عشية الحرب على بغداد بالرد على أي هجوم إسرائيلي، ومن على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي".
 ويستعرض بدران تقييمه لتحركات عربية ودولية، وفي القلب منها أردنية، لسحب فتيل الأزمة، ومنع وقوع الحرب ضد العراق، وحرق المنطقة كلها، لكنه يخلص إلى أن الولايات المتحدة "أفشلت" فرص الحل العربي للأزمة، وأصرت على إنهاء قوة العراق العسكرية والاقتصادية.
وكان بدران تناول في حلقة الأمس بدايات الأزمة العراقية الكويتية، وإرهاصات الحرب على العراق، التي حشدت لها الولايات المتحدة حلفا دوليا وعربيا واسعا.
كما تناول بدران اليوم الحركة الدبلوماسية الواسعة التي قادها الراحل الحسين بن طلال، لمنع الوصول إلى خيار الحرب على العراق، وحل الأزمة سلميا، بما يضمن انسحاب العراق من الكويت، ومنع التدخل العسكري. 
وفيما يلي نص الحلقة التاسعة والعشرين:

اضافة اعلان

* الحدث المباشر، الذي يمكن التوقف عنده بعد مواجهة أزمة الوافدين من الخليج مطلع التسعينيات، كان الاعتداء الوحشي على الفلسطينيين في الحرم القدسي، وهو التحدي الذي كاد أن يعيد خلط أوراق اللعبة السياسية والعسكرية، ما هو موقفك من المسيرات التي خرجت لتندد بالإجرام الإسرائيلي؟
- في جلسة مجلس الوزراء، ناقشنا تداعيات الأمر بالسرعة المطلوبة، وكانت تقديرات اجتماع وزراء الخارجية العرب، وللأسف، تشير إلى أن الاعتداء خدمة لصدام حسين، الذي سيربط قضية الكويت مجددا بالقضية الفلسطينية.
كان قرار مجلس الوزراء توجيه وزير الخارجية للتنسيق في مجلس الأمن مع المجموعتين العربية والإسلامية.
لكن نُذر الأزمة كانت تشير إلى أن النوايا السيئة قادمة من إسرائيل، وأنها تريد من الحادثة استدراج العراق لحرب مبكرة، فهي لا تريد الاكتفاء بمقاطعة العراق دوليا، بل تريد حربا معها، ويخوضها الأميركان عنها بالإنابة.
وبدأنا نحسب درجات الحركة الاستفزازية باتجاه بغداد، فالحادثة كبيرة، والشهداء الفلسطينيون بلغ عددهم 30 شهيدا وأكثر من 200 جريح.
الإعلام العراقي بدأ يروج لبيان، سيقرأه صدام حسين ظهر ثاني أيام الحادثة، في التاسع من تشرين الأول (اكتوبر) من العام 90، واستسلمت هناك، لفكرة أن أعرف تطورات الموقف، بعد ما سيقوله الرئيس العراقي.
كل همي كان أن لا يستدرج صدام لمواجهة، فالأردن سيكون الضحية في تلك المواجهة، خصوصا وأن حدودنا مع إسرائيل أقرب من حدودنا مع العراق، والخط الفاصل هو نحن.
مباشرة أجريت المقارنة، بين هذه الحرب المتوقعة، وحرب اكتوبر العام 1973، في تلك الحرب التزويد في السلاح للجانب العربي قائم، فيما ايضا الوضع العربي في مطلع التسعين كان في أسوأ حال.
زاد من تعقيد المشهد، بأن وصلتنا معلومات؛ لكنها غير موثقة، تفيد بأن الحل العسكري قادم، خلال 72 ساعة، ولكن في مثل تلك المعلومات المتضاربة، لا يمكنك إلا أن تقدر الأسوأ، وهو أن المعلومات صحيحة.
كل ما اتخذناه على المستوى السياسي والدبلوماسي، هو كتابة البيان، الذي جاء فيه إدانة الاعتداء الوحشي، والمجزرة في القدس، والإيعاز لمندوبنا التنسيق مع المجموعتين العربية والإسلامية، وأن على مجلس الأمن والدول الكبرى، مسؤولية أساسية في حماية المدنيين من الاحتلال العسكري، وأن الشهداء دافعوا بدمائهم عن مسرى الرسول، وثالث الحرمين الشريفين، وأن حماية الأماكن المقدسة بحاجة إلى حماية مستمرة من قبل أشراف الأمة.
في تلك اللحظات، لك أن تتخيل الحصار الأمني والسياسي الذي نعيشه، نخشى إسرائيل، ونخاف على العراق. وبدأ الشارع يغلي غضبا على أرواح الشهداء، ومطلوب من الحكومة، أن تنسق بين التحديات وتتعامل معها بدقة وحذر.
المسيرات بدأت تخرج، وهنا بدأنا نخشى من الانفلات الأمني، ونسقنا أمنيا مع النقابات وجماعة الإخوان المسلمين، وكل ذلك ليس لجما لمشاركتهم بالمسيرات، بل خوفا من خطورة الوضع، بدأنا بتحديد مسار المسيرات، وتحديد نقاط الانضباط، وطلبنا من التيار الديمقراطي، الذي بدأ يلمع نجمه، أن يقيم مهرجانه في المدينة الرياضية، تحوطا لأي أزمة.
فالخوف كان من المندسين، لك أن تتخيل حجم التعبئة الشعبية، فقد ألقى أحد المدرسين في قرية داميا، خطبة بطلابه، وتحدث فيها عن الجهاد، وإذ بثلاثة من هؤلاء الطلبة، يتسللون إلى الضفة الغربية، قاصدين الجهاد.
موقفي كان معلنا وقتها، وقلت "أنا مع حرية التعبير والرأي، وأريد للشارع أن ينفس احتقانه"، لكن كنا نخاف فعلا من العملاء المندسين، الذين كانوا يخططون لإثارة الفتن خلال تلك المسيرات، لكن وبفضل وعي حراكات الشارع، وممثليه من الأحزاب والنقابات، وممارسة الإسلاميين لدور واع وحريص، استطعنا تجاوز الأزمة تماما، والعودة للبحث عن حلول آمنة لأزمتنا في الإقليم.

* أمام كل ذلك، هل كانت حملة التعبئة لصالح الجيش الشعبي سهلة؟
- بالنسبة لي، وعن سابق تجربة، أنا مقتنع بجدية شعبنا في الدفاع عن أمن بلاده، ولي تجربة قلتها لك سابقا، عندما حشد السوريون على حدودنا.
الشعب في تلك الأزمة، سواء الحرب الدولية على العراق، أو أي تهديد إسرائيلي لأمننا، لا يحتاج إلى تعبئة، فقط عليك أن تطلب أن ينتظم الناس في خنادق الوطن وستجدهم.
لقد بلغ تعداد الجيش الشعبي، في ذلك الوقت، 235 ألفا، فيما ضم الجيش النظامي 94 ألفا، و 53 ألفا أنهوا الخدمة (قوات احتياط)، و88 ألفا كانوا في احتياطي خدمة العلم.
وكان كل النقاش يدور عن تسليح هذه الأعداد، وكان لدينا قدرة لتسليح ربع مليون مواطن، بأنواع من السلاح مثل "م1" و "م14 و"g3" وكلاشنكوف.
كما جاءنا نواب، قالوا بأن هناك مواطنين يريدون شراء السلاح، وتسليمه لمخازن الجيش، واستعادته عند الحرب، لأن الكثير من الناس كانوا مقتنعين بالهجوم الإسرائيلي على الأردن، ولذلك كانت المطالب بأن يكون الأردن غابة سلاح.
المهم، كان بالنسبة لي، أن يكون الجيش الشعبي منظما، وليس منفلتا، واستفدنا من اليوغسلاف كخبراء في تنظيم مثل هذا الجيش، لكن الملك الراحل، كان لا يفضل أن يكون السلاح في البيوت، خوفا على الأمن الاجتماعي، وكانت مهام الجيش الشعبي ضبط الناس معنويا، قبل تدريبهم على السلاح.

* بالعودة للحراك الدبلوماسي والسياسي الذي رافق الأزمة العراقية الكويتية؛ أين وصلت الأزمة وكيف كان تقديركم للموقف؟
- أذكر بأنني ذهبت لبغداد، حاملا رسالة من الراحل الحسين إلى صدام، قبل الحرب بنحو شهرين، واجتمعت بصدام لنحو ساعتين ونصف، كان سبب الرسالة المستجدات بحركة الممثل الشخصي لرئيس الاتحاد السوفييتي غورباتشوف، والاتصالات حول التوجه الفرنسي الداعي للحل السياسي للأزمة.
وكالعادة، أعاد صدام حسين تأكيد موقفه الثابت، وأن الانسحاب من الكويت غير وارد، وأن قرار الأمم المتحدة 662 يطبق إذا تم تطبيق باقي قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار 242 (انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة)، ولن يكون هناك أي انسحاب، إلا إذا تمت الدعوة لحل دولي لجميع قضايا المنطقة، وأن تعاقب كل دولة، لا تنصاع لقرارات الأمم المتحدة، كما يعاقب العراق حاليا.
في تلك الزيارة، شعرت بأن العراق ذاهب لخيار الحرب، وقال لي فيها صدام: "فلتحدث الحرب.. ولا تنازل"، وأن العراق "لن يبدأ الحرب، لكن إن بدأوا هم بالحرب فالجاهزية عالية، ويخطئ من يظن بأن الحرب ستكون سريعة".
ناقشت في تلك الزيارة كلام الأمير سلطان بن عبد العزيز، عن قضية استبدال الحدود مع العراق، وأن السعودية نفت صدور مثل هذا الكلام، لكنه كلام صحيح، وورقة سيبرزها السعوديون حسب تطورات الموقف.
وناقشنا الموقف السوري، وعما إذا كان يشبه الموقف العراقي، فهم لهم وجود عسكري في لبنان، لكن السوريين محصنون بقرار للحكومة اللبنانية، يطلب منها الوجود العسكري في لبنان.
وضعت صدام بصورة الموقف العماني، الذي أبلغنا به وزير خارجيتهم، فهم يبحثون عن أي طريق لمنع الحرب.
الراحل الحسين والسلطان قابوس سيجتمعان، والملك الحسين سيذهب للمغرب، للقاء الملك الحسن، لكن اتصالا جرى بين الملك المغربي والملك فهد بن عبد العزيز، لتلافي أي حرب في المنطقة، فعاد الضغط الأميركي ليشنج المواقف، والمطالبة مجددا بالانسحاب غير المشروط من الكويت.
العمانيون كانوا صادقين في البحث عن مخرج للأزمة، وقالوا لنا في عمان ومسقط ذات الكلام، وهو أن الحرب أو الانسحاب غير المشروط ، ليسا الخيارين الوحيدين، وإنما وسيلة من وسائل الضغط، وتفاقم هذا الضغط، بوصول 100 ألف عسكري أجنبي جديد للسعودية.

* أشرت في بداية الحديث عن الأزمة العراقية باحتلال الكويت، لاجتماع سري لك مع مجلس النواب، قبيل قصف بغداد بفترة زمنية قصيرة، وكان ذلك الاجتماع قبل تعديلك الأخير على حكومتك الرابعة، في الأول من كانون الثاني (يناير) من العام 90؟
- الاجتماع كان استمرارا لسلسلة اجتماعات، وقد لخصنا في ذلك الاجتماع، أبرز تطورات الموقف الدولي ضد العراق، وكيف أننا نخشى على قوة العراق الواعدة. تحدثنا عن محاولاتنا المتكررة لتجنيب العراق العدوان الأجنبي.
وقلنا للنواب اننا كلما بلغنا العراقيين خوفنا عليهم، كانوا يحتجون، ونذكرهم بأننا نعتمد عليهم وعلى سورية، فيرد صدام علينا، بأن العالم مع أميركا، وأنه مع الله، لذلك هو مطمئن للنصر والصمود.
وظل صدام متمسكا بموقفه، من أن الجندي العراقي، سيقبل الانسحاب من الكويت فقط إذا انسحبت إسرائيل من القدس والأراضي المحتلة.
وطبعا، كانت تلك فرصة لإسرائيل لتدمير العراق بسلاح أميركا، ولو انتهى سلاح الأميركان، فقد كان الاسرائيليون سيدخلون الحرب ضد العراق مباشرة، وهذا ما كنا نخشاه.
لكن الخلاصة، التي اقتنعت بها مبكرا، بعد فشل مبادرات الراحل الحسين، ومبادرة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، هي أن أميركا كانت تبلغ سفيرنا لديها، وأبلغني سفيرهم عندنا، بأن المبادرات لن تمر، فنحن (أي الأميركان وجيشهم) صرنا على الأرض.
وهو ما أفشل فرص الحل العربي العربي، الذي كان يدفع باتجاه الحل السلمي، وتقدم خيار الحل الأجنبي، الذي كان يريد حربا لإنهاء قوة صدام.
* أجريت تعديلا وزاريا في الأول من كانون الثاني (يناير) من العام 91، وشارك فيه نواب الحركة الإسلامية في مجلس النواب، وبدأت طبول الحرب تقرع، ما تقديركم لأبعاد الحرب؟
- كما قلت لك وبعد ماراثون من المفاوضات مع الإسلاميين دخلوا الحكومة، وكانت تلك توجيهات الراحل الحسين، وأنا التزمت بها.
في تلك الفترة بدأنا نرصد تداعيات الموقف الدولي من العراق، وإن كانت الحرب قريبة أم بعيدة، وأخذنا احتياطاتنا، كان هناك بعض التفاؤل لكن قطعا هذا لا يكفي.
في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد التعديل، وضعنا الأوراق على الطاولة، كان التطور الأهم فوز رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر بالانتخابات، خلفا لمارغريت ثاتشر، التي كانت متشددة جدا من موقفها ضد صدام، وميجر يختلف جذريا عن ثاتشر.
كان همنا أن نحتاط معيشيا لأي طارئ عسكري، ولا نريد للمواطن أن يتأثر بنقص أي من السلع الأساسية.
فحضرنا مخزوننا من السلع الاساسية، وكان همي النفط وأن الحرب ستقطع عنا النفط العراقي، استعنت بالباخرة في ميناء العقبة، وخزنا فيها النفط الذي يكفينا لمدة 18 يوما، وهي المدة التي تكفينا حتى نجد مصدرا بديلا عن النفط العراقي.
وكذلك تعاملنا مع كل السلع الأساسية، التي يجب أن تكون متوفرة، ونكون مستعدين، لمراقبة التجار حتى نتجاوز أقل المشاكل، مثل الاحتكار أو التلاعب بالأسعار.

*ما أود السؤال عنه عن الموقف العسكري والسياسي الأردني، أين كنتم في ذلك الوقت؟
-عسكريا إرهاصات الحرب واضحة، وكل ما نسعى له هو الخيار السلمي في ربع الساعة الأخير، ولا نريد أن نفقد الأمل.
زار بوش أوروبا، وكنا نخطط للقاء، يجمع الراحل الحسين مع بوش في باريس، وفعلا اتصل الحسين مع البيت الأبيض، لكن ألغي اللقاء من طرف الأميركيين.
الحسين كان يريد أن يطرح على بوش فكرة اللقاء مع صدام حسين، وبعد أن فشلت مساعينا، حاولنا أن ندعو للقاء مواز يجمع وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر، مع نظيره العراقي طارق عزيز، وأن هذا اللقاء قد يفضي إن كان إيجابيا للقاء بوش بصدام.
مع تطور الأحداث، شعرنا بأن لقاء بيكر عزيز، لن يكون أكثر من لقاء لإبراء الذمة، لأن أميركا صارت بموقفها أكثر تطرفا، وجنوحا نحو الحرب.
كان اللقاء بين بيكر وعزيز، مقدرا له أن يجري في 3 من كانون الثاني (يناير)، تمهيدا للقاء قد يحدث بين بوش وصدام في 12 من نفس الشهر.
وكان لدينا انطباع أكيد، بأن اللقاء لو جرى، لتراجعت حدة التصريحات السياسية عن الحرب، فلدى الجانب العراقي استعداد للحديث عن الخيار السلمي.
بالمحصلة، اللقاءان لم ينعقدا، واستبدلا بلقاء في التاسع من كانون الثاني (يناير) بين عزيز وبيكر، وكل ما جلسنا نرصده هو أن نتائج اللقاء ستكون دلالة جيدة، في استقراء مستقبل الأزمة.

*ومخاوفكم من إسرائيل أين وصلت؟
-كنا نعبئ ضد أي خطر قادم من إسرائيل، وكنا نعلم بأن الروح القتالية عالية، لمواجهة أي خطر قادم من إسرائيل.
كنا نستعرض بالتعزيزات على الحدود، لكن ما كان يطمئننا حقا، هو وصول معلومات من مصادر موثوقة، تفيد بأن حركة الجيش الإسرائيلي عادية، وأنها وضعت صواريخ مضادة للطائرات على جبال الضفة الغربية، وهو إجراء دفاعي وليس هجوميا.
وقلنا بأن أي هجوم إسرائيلي على العقبة، يستهدف مخزوننا الغذائي، سنرد عليه بضرب إيلات، ونعلم بأن مستودعات النفط لديهم في ايلات، وقلت في مجلس الوزراء، بأن أي هجوم علينا، سنرد "وعلي وعلى أعدائي"، وقلنا بأن سرية "مورتر" قد تدمر ميناء إيلات ومستودعاتها.

*بدأت دقات الساعة تشير للحظات قصف بغداد، كيف استعددتم خلال الساعات الأخيرة؟
- فعلا الأحداث تتسارع، وكان الراحل الحسين عائدا للتو من زيارته إلى بريطانيا والمانيا ولوكسمبورغ، وظل يؤكد- رحمه الله- على موقف الأردن من الخيار السلمي، وضرورة التعامل بذات الاهتمام مع قضايا الشرق الأوسط، وان ذلك سيكون له قيمته في الحل السياسي للأزمة العراقية مع الكويت.
الحسين قال للغرب، بأن العرب خاضوا حروب الأعوام 1948، و56 و67، و73، و82، ومن دون أن يتدخل العالم في القضية الفلسطينية بطرح حلول جدية.
الراحل الحسين كان يريد مدخلا لتكرار دعوته لحل القضية الفلسطينية، وكان لا يريد أن يتغير عنوان الأولويات، في تلك المرحلة.
كان ذلك في 13 من كانون الثاني (يناير) من العام 1991، استثمرنا قليلا بإيجابية موقف أمين عام الأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويار، الذي كان له مواقف متعاونة تجاه الحل السياسي والسلمي، وثبت ذلك خلال زياراته لبغداد في تلك المرحلة.
التطور الخطير، كان موافقة الكونغرس الأميركي، على إعطاء جورج بوش صلاحية إعلان الحرب، وهو ما أكد حسم الخيار العسكري ضد العراق، وقد هدد بتلك الصلاحيات باستعمال القوة، وكان يوم 15 من نفس الشهر اليوم الفاصل بين الحرب والسلم.
كنا مجتمعين في مجلس النواب، وكانت الساعة تشير إلى موعد الجلسة الثانية لديكويار مع صدام، بعد أن انتهت الجلسة الأولى من دون أي نتائج، تدعو إلى التفاؤل، وكل ما كنا نحتاجه من العراقيين، أن تأخذ القيادة العراقية موقفا آخر يفوت الفرصة على أي عمل عسكري تخطط له الولايات المتحدة.
وتلك الفرصة كانت تعني لنا السماح للاتحاد السوفييتي، ككتلة شرقية، بالعودة لمناوراته المناوئة للكتلة الغربية، فقد استعاد السوفييت بعض قواهم، في تلك اللحظات، لكنهم ليسوا كما السابق، وكل ما كنا نتطلع إليه الاستفادة من تناقض الموقفين الغربي والروسي تجاه العراق.

[email protected]