بدران: صدام حسين أنقذ موازنة الأردن في 1977

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة

عمان- يبدأ رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليوم، الحديث عن تفاصيل تشكيل حكومته لأول مرة، وكيف أن الراحل الحسين ألزمه بتشكيلها خلال وقت قصير.
ومع الحلقة الخامسة عشرة، من حلقات "سياسي يتذكر" مع "الغد"، يقدم بدران ملخصا عن أبرز التحديات، التي كانت تواجه الأردن، وكيف أن تلك التحديات كانت ضاغطة بشكل اقتصادي كبير، وأن ذلك كان في مقدمة التهيئة لمعادلة سياسية، من شأنها موافقة الأردن على أي تسوية نهائية لحل القضية الفلسطينية.
واليوم يؤكد بدران، بدء الانقسام الأول بين رجالات الدولة، وتوزعهم على معسكرين، بين زيد الرفاعي وبدران، وأنه لم يكن يرغب في ذلك، بعد خروج الوزراء المحسوبين على حكومة الرفاعي من حكومته.
ويكشف بدران النقاب عن حديث دار بينه وبين الراحل الحسين وقتها، وأن جلالته ألزمه كرئيس حكومة بالمسؤولية الدستورية أمامه، بعد ان قال له الملك انك استبدلت وزراء محسوبين على الرفاعي، بوزراء محسوبين على الأمير الحسن؛ ولي العهد وقتها.
حيث قال الحسين لبدران، وبحضور المرحومين الأمير زيد بن شاكر وعبد الحميد شرف: فعلا لقد نحيت وزراء الرفاعي، لكنك أتيت بوزراء الأمير حسن، وتابع "أنا ما بعرف جماعة مين، وجماعة وين، أنا بعرف إنك رئيس الوزراء، وأنك المسؤول أمامي دستوريا، وليس الأمير الحسن، فأي خطأ سأسألك عنه أنت، أحاسبك أنت، فأنت المسؤول".
كما يكشف بدران اليوم أول المواقف لنائب رئيس الجمهورية العراقي، وقتها، صدام حسين، مع الأردن، ودفعه لمساعدة مالية طارئة بقيمة 30 مليون دولار، حيث كانت الحكومة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين.
ويؤكد بأن وزير الداخلية المرحوم سليمان عرار، التقى نائب الرئيس العراقي صدام حسين بواسطة منيف الرزاز، وشرح له وضع الأردن الاقتصادي، وقال له صدام: "عيب علينا أن يكون الأردن بهذا الوضع واحنا نتأخر عن المساعدة". وسلم عرار شيكا بـ30 مليون دولار، وفعلا أنقذ بتلك الأموال موازنتنا في نهاية ذلك العام.

اضافة اعلان

وفيما يلي نص الحلقة الخامسة عشرة:

*نستكمل اليوم الحديث حول تشكيلك لأول حكومة لك، في العام 1976، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق زيد الرفاعي؟
- لقد وضعت أسماء الوزراء في الحكومة، وبقيت حقيبة وزارة الخارجية، وكنت عزمت الأمر بأن يكون عبد الحميد شرف وزيرا للخارجية، فناديته فورا، وقلت له عن نيتي بتعيينه للخارجية، رفض، وقال: سأنفعك أكثر، إذا كنت رئيسا للديوان الملكي. فسألته عن البديل؟
فقال: أنت وزير خارجية. قلت: لكن أنا لا أصلح لهذه الوزارة، على الأقل لغتي الإنجليزية قد لا تؤهلني. فقال: ليس شرطا هذا الأمر.
وفعلا فقد كنت زاهدا بوزارتي الخارجية، والتربية، ولقد تحدثت إليك بقصة الاخيرة.
في تمام الساعة الثامنة مساء، أعلن عن تشكيل الحكومة، وبعدها غادرت باتجاه المنزل، فلم أكن أنوي الإقامة بالفندق أصلا، فكيف وبعد أن صرت رئيسا للوزراء، واحتمال أن يراني الناس في الفندق.
وصلت البيت، فتحت الباب وجلست في المطبخ، وكنت فعلا لم اتناول الطعام منذ ساعة الإفطار صباحا، وضعت ما وجدته في البيت، وتناولت عشائي، وبدأت برحلة مع التفكير، وكانت ليلة طويلة، ومن أصعب ليالي العمر.
لم أشعر بالنعاس، وكلما حاولت أن أغمض عينيّ، تلمع احدى الأفكار في عقلي، وأذهب لتسجيلها، ووضع خطة عمل لانجازها.
بقيت على هذه الحال، حتى الساعة السادسة صباحا، وإذ بالورقة الصغيرة، تتسع لـ16 مشروع عمل، وأضفت لها بندا جديدا بعد نحو أسبوع.
وبقيت الورقة في جيبي، طيلة بقائي في رئاسة الحكومة لـ3 سنوات، وأذكر جيدا بأن تلك المشاريع كانت: شركة البوتاس، وتوسعة الفوسفات في الشيدية، وتمديد قناة الغور الشرقية، ومياه عمان، وإنشاء الأفران الاتوماتيكية، وتوسعة المصفاة، والبند الذي أضفته كان إنشاء صوامع الحبوب، في الجويدة، وعلى طريق إربد، وفي العقبة، وشبكة الاتصالات.
لقد بدأت الحرب في لبنان، وقد كانت بيروت مركزا للشرق الأوسط، وبدأت المكاتب تخرج منها بحثا عن دول آمنة، وسعينا للاستفادة من الاستثمارات الهاربة من لبنان، عبر كل هذه المشاريع، التي تمثل بنية تحتية ملائمة للاستثمارات.
لقد كانت هذه القضايا، تمثل هاجسا للأردنيين، خصوصا أنها كانت الأساس في شكاوى المواطنين، فأذكر بأني كنت اشتري الخبز بنفسي من مخبز الشرق، بجانب بنك القاهرة عمان وسط البلد، وكنت أسأل صاحب المخبز عن أسباب الازدحام، ويقول من زيادة الطلب، وضعف انتاجية الأفران التقليدية، وقال لي، بأنه يملك 7 أفران، ولا يستطيع أن يستوعب جميع طلبات الزبائن، وفعلا، قررت أن أعمل الأفران الاتوماتيكية لتعويض النقص الحاصل.
أذكر جيدا، أنه في احدى الدعوات على العشاء، التقيت مع حمد الفرحان، رحمه الله، وسألني عن برنامج عمل حكومتي، إن رغبت في الكشف عنه، فقلت له بأن لا شيء مخبأ عندي، فأخرجت الورقة، وقرأتها له، فقال وهل ستستطيع القيام بكل ذلك؟ واستغرب بالقول "مش معقول!"، ورجاني أن أقوم بمشروع واحد فقط، وهو شركة البوتاس، وأن أترك البقية، فقد كان مشروع البوتاس حلما لأبي مناف، أن ينشئه، فقلت له سأنشئ البوتاس وبقية النقاط الـ16.
بقيت على نفس برنامج عملي في وزارة التربية، أكون في مكتبي عند الساعة 8  صباحا، وأغادر في الثالثة عصرا، وأعود بعد الغداء للعمل، من الساعة 5 مساء حتى منتصف الليل، لقد كان ضيوفي يستغربون موعد استقبالي لهم، في الساعة العاشرة او الحادية عشرة ليلا، ويقولون لي بأنهم لو عرفوا بأن هذه مواعيدي لما طلبوا اللقاء أصلا، وأرد عليهم بأن مدير المكتب قد خيركم، ويردون بأنهم يخجلون عندما يعرفون بأني متواجد في عملي حتى هذه الساعة، وهم لا يريدون زيارتي.
أما منذ مساء يوم الخميس وحتى يوم السبت، فكنت آخذ معي حقيبة كبيرة من الملفات الشائكة والمعقدة، وأبدأ بالعمل على فكفكتها وحلها.
لقد تعبت وأنا أعمل على المشاريع، كل منها على حدة، وأذكر بأننا في مجال جر المياه لعمان وصلنا لمرحلة الضخ المستمر غير المتوقف، وهو ما منع تكرار تلوث المياه وإصابات المواطنين بالتسمم، وفعلا كنت أعمل في وزارة المياه دواما متواصلا من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثالثة عصرا، ولك أن تتخيل حجم الاستفادة من هذا العمل.
فتحت كل المناطق، المحظورة، للحفر، وقلت إن الأجيال القادمة ستكون أمامها خيارات متعددة، في تحلية المياه وغيرها من الوسائل، وفعلا عالجنا أزمة المياه بشكل جذري حينها.
وعرفنا في ذلك الوقت، بأن السوريين حفروا 2000 بئر مياه جوفية واستخدموها، واكتشفت بعد السؤال، بأننا نملك فقط 200 بئر، وعندها رفعت شعار الأجيال القائمة، وليس الأجيال القادمة، وهي التي قد تستخدم بدائل كثيرة قد تتوفر مستقبلا.
*لكنك لم تستمر في حكومتك طويلا، حتى استقلت وأعدت تشكيلها بعد نحو 6 أشهر؟
- صحيح؛ بعد أربعة أشهر، لاحظت بأن مجلس الوزراء يشهد انقسامات في الآراء والمواقف، وانقسم المجلس بين فريقين، كنت أشعر بذلك وألاحظه، لكن لم يخطر في بالي بأن الأمر مقصود لذاته.
فقد كان أحد الوزراء يتحدث، تجد أن بقية الوزراء يعارضونه، حتى لو تحدث بكلام صحيح، وكان هذا بداية شرخ كبير، وانقسام خطير داخل مجلس الوزراء.
وكانت أسس التقسيم مبنية على أساس أن هؤلاء وزراء زيد الرفاعي، وهؤلاء وزراء يعارضون وزراء الرفاعي، المشكلة كانت أن علاقتي بكلا القسمين جيدة، وهم أصدقاء قريبون مني، حتى وزراء الرفاعي.
وفي يوم من الأيام جاءني ستة وزراء، وقالوا لي بأنهم يريدون لمهمتي أن تنجح، وأن بقاءهم في الحكومة سيهددها بالفشل، وأن هذا ليس في مصلحة البلاد في شيء، وأنهم لا يضحون لمصالحهم بل لمصلحة وطنهم.
وقالوا بأنهم سيستقيلون، حتى أتمكن من تعديل الحكومة، وإتمام برنامج عملها، وكانوا سالم المساعدة ورجائي المعشر ومحمود الحوامدة وأحمد الشوبكي ومروان الحمود وذوقان الهنداوي.
لم ترق لي الفكرة، فلماذا هذا التقسيم بين الوزراء، خصوصا إن كان الجميع يعمل عمله بدقة وبشكل صحيح.
وبعد أن أصروا قلت لهم لا تستقيلوا، أنا سأستقيل، وسأطلب من الملك الحسين أن يعيد تشكيل الحكومة، شكروني على الأمر، خصوصا أن التعديل، سيشمل 6 حقائب على الأقل، من أصل 18 حقيبة وزارية، وهذا يعني عرفا إعادة تشكيل للحكومة، وفعلا قبلوا بالأمر، وشكروني وغادروا.
طبعا، طلبت من ذوقان الهنداوي أن يكون سفيرنا في القاهرة، فوافق، واستأذنت الراحل الحسين فوافق ايضا، وبعدها عدت لذوقان فاعتذر، وقلت له ليس لك الآن أن تعتذر بعد موافقة الحسين، وامتثل للأمر.
كان قرار استقالة الوزراء تقريبا عند الساعة 12 ظهرا، مباشرة حضرت استقالة الحكومة، وكتاب التكليف السامي، والرد على الكتاب، وانتهيت من كل ذلك الساعة السادسة مساء، اتصلت بالراحل الحسين وطلبت مقابلته، وإذ به يجتمع مع الامير زيد بن شاكر في مكتبه بالقيادة العامة، كما كان حاضرا عبد الحميد شرف.
كانت تلك الأيام في فصل الشتاء، دخلت على الراحل الحسين، وعرضت عليه كل الأوراق، وقلت له بأن كل شيء جاهز، حتى التصوير التلفزيوني، وما علينا سوى الانتقال لقصر الهاشمية لأداء اليمين.
فقال الملك الحسين: لكن أنا لست جاهزا، وتابع "أنا شو شغلي؟"، فعلا "صحيت" على نفسي، وقلت بيني وبين نفسي، ما الذي فعلته!، مباشرة قلت للراحل الحسين: أرجوك لا تزدها علي، من الصبح ما ذقت الزاد، وصار لي بالقصر من "امبارح" العصر، "غلطت وامسحلي اياها هالمرة بس".
وأبلغته رحمه الله بأني الآن عرفت الأصول، وفعلا كنت مستاء من كل شيء، فالوزراء الخارجون أحبهم وأحترمهم، وأنا أمام استحقاق انسجام الفريق الحكومي، وفعلا لم يكن الأمر بالهين.
وفعلا، فقد تحدث إلي الملك الحسين مرة، عن اجتماع لوزرائي في منزل زيد الرفاعي، وفي احدى المرات، لما كان يريد زيارة الرفاعي، وكانوا خارجين من منزله، تفرقوا بسرعة لدى رؤية سيارة الحسين، حتى لا يراهم عند الرفاعي، وقلت له وقتها: إن الأمر عادي، لأنهم أصدقاء أصلا، وما كنت أريد أن نقسم رجالات الدولة بين المعسكرات.
وأذكرك، بما قلته مرة لوصفي التل، رحمه الله، لما اقترح تشكيل حزبين لخدمة ودعم النظام، فطلبت أن يكونوا ثلاثة، لأن حزبا سيكون مع وصفي، والآخر مع بهجت التلهوني، والثالث للملك الحسين، وما كنت أريد أن تعاد التجربة أو تتكرر.
نظر إلي الراحل الحسين، وكانت الساعة قد اقتربت من السابعة مساء، قال هل تريد أن تنجز مهمتك الآن، فقلت: نعم، فنظر لساعته، وقال: إذا تريد بث الخبر على نشرة الثامنة مساء، وقلت له: كل شيء عملنا حسابه.
بعدها، وقبل أن نتحرك لقصر الهاشمية، ألقى علي الحسين درسا كبيرا، وقاسيا وصعبا، فبعد أن نظر إلى قائمة الأسماء، قال: فعلا لقد نحيت وزراء الرفاعي، لكنك أتيت بوزراء الأمير حسن، وعندها صعقت. وتابع بالقول رحمه الله: "أنا ما بعرف جماعة مين، وجماعة وين، أنا بعرف إنك رئيس الوزراء، وأنك المسؤول أمامي دستوريا، وليس الأمير الحسن، فأي خطأ سأسألك عنه أنت، أحاسبك أنت، فأنت المسؤول".
بعدها أخذني التفكير قليلا، وقلت: سيدي شكرا على الدرس ولقد فهمت ما تريده.
وبعدها قال: "ياالله قوم.. ما احنا آخر من يعلم بتغيير الحكومة"، فترجيته أن لا يمزح بهذا الكلام، لأنه "يقطعني بسكين كلماته حتى لو قالها مازحا".
لقد كان الراحل الحسين يتحدث معي لأول مرة بالدستور، وقلت له، بأني سأطبق الدستور، ما دمت أنت تريد ذلك، وسعيت بكل جوارحي أن أفصل بين الأمير الحسن وعمل الوزراء، خدمة لمصالح العرش، ولا أريد أن تحدث أي إساءة للفهم بين الراحل الحسين وشقيقه الحسن ولي العهد، وفعلت كل ذلك، من دون أن يشعر الحسن، وتحملت غضبه علي في كثير من القرارات، التي رفضتها له، حتى لا تتعكر علاقة الشقيقين.
فقد كنت حريصا على أن لا تتأثر علاقة الحسين بالحسن، وكنا نسعى لصد الحسن، لكي لا يتدخل الحسين مباشرة، في إلغاء بعض قرارات الأمير، وكل ذلك فعلناه حماية لاستقرار النظام السياسي.
لقد قال لي أبو شاكر بعدها؛ إنه وعلى الرغم من علاقته المميزة بالراحل الحسين، لكنه لم يعطه بحياته درسا مهما، كالذي منحني إياه.
*في تلك المرحلة، بدأت الصعوبات تتعاظم أمام طريق حكومتك، وكلها عقبات اقتصادية نتيجة شح المساعدات العربية؟
- نعم بعدها دخلنا في مشوار عمل طويل، وفي نهاية العام بدأنا بتنفيذ زيارات لدول الخليج، وطلبنا دعما اقتصاديا، وتفاجأنا بأن كل الوعود بالهواء، ولم يصلنا من تلك الوعود، لا درهما ولا دينارا.
كنا نقوم بتلك الزيارات، سواء بمعية الراحل الحسين، أو كان يحملنا، أنا
وعبد الحميد شرف رئيس الديوان، رسائل فيها إلى بعض زعماء دول الخليج، في السعودية والكويت وقطر والإمارات، وشبعنا وعودا عن دعمنا الاقتصادي، دون أن يتحقق أي شيء.
لقد كنت على مشارف سنة مالية جديدة، ونبتعد عن العام الجديد بشهرين تقريبا، والموازنة شبه خاوية، والمشاريع التي حلمت بتنفيذها بسرعة تحتاج لرؤوس أموال حتى يتسنى جني أرباح من تلك المشاريع لصالح الخزينة، تفاجأت بعد فترة بدخول وزير المالية على مكتبي، يطلب مني أن أدبر معه موضوع رواتب الموظفين، حيث لا يملك ما يكفي لدفع رواتب موظفي القطاع العام.
طلبت منه أن يذهب للبنك المركزي، فجاءني محافظ البنك المركزي محمد سعيد النابلسي فزعا، ويقول إننا ارتكبنا خطيئة، بطلبنا منه أن يتجاوز القانون بتحويل أموال من البنك المركزي لدفع رواتب الموظفين، فاستغربت، وقلت من أين نأتي بالرواتب إذا؟ قال هذا أمر مختلف، أما أن تعتبر البنك المركزي بنكا للاقتراض، فهذا مخالف للقانون، وأنه لا يخالف القانون.
وتحدث بانفعال رحمه الله، بأن كل ما يستطيع فعله، هو صرف مستحقات فوائد الحكومة من ودائع العملات الأجنبية، بدل نهاية العام، في أوله، أو في منتصفه، قلت له: برافو، دبرنا رواتب الشهر الحالي إذا، ذهب وجنى أرباح الحكومة من الموانئ والمصفاة والبوتاس، ومضى شهر آخر، ونحن ننتظر الفرج.
بعدها بشهر، جاءني وزير المالية، وطلب نفس الطلب فغضبت، وأدركت بأننا محاصرون سياسيا وليس اقتصاديا، وبدأت أشتم رائحة تسوية في المنطقة للصراع العربي الإسرائيلي، وهذا تحد خطير.
في تلك الأيام، في مطلع العام 1977، شارك وزير الداخلية سليمان عرار، رحمه الله، في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في بغداد، وهناك التقى بالدكتور منيف الرزاز رحمه الله (كان عضو قيادة قومية لحزب البعث العربي الاشتراكي)، وشرح له وضع الأردن الاقتصادي، طبعا كنت قبلها، قد طلبت من مجلس الوزراء ومن دون أي جدال في الأمر، أن يتم خصم 10 % من موازنات الوزارات، لكي نستطيع دفع رواتب الموظفين، وأن هذا قرار وطني، يصب في مصلحة شعبنا وأمتنا و لا رجعة عنه.
شرح عرار للرزاز وضعنا الاقتصادي، وأننا نتعرض لضغط سياسي كبير، تجاه تسوية ما، فطلب الرزاز أن يتأخر عرار ليوم واحد، بعد انتهاء المؤتمر، فوافق.
اتصل بي سليمان عرار، وقال بأنه سيتأخر ليوم واحد، ويعود لعمان بعدها، ويظن بأن العراقيين قد يدفعون لنا بعض المال، لنتجاوز ازمتنا مؤقتا، وفعلا التقى عرار صدام حسين الذي كان نائبا للرئيس العراقي، واستفسر عن وضعنا الاقتصادي، وشرح له عرار الأمر بالتفصيل، واستاء من ذلك، على الرغم من أن علاقاتنا مع العراق كانت سيئة جدا، في حينها، وجيدة مع السوريين، وقال صدام: "عيب علينا أن يكون الأردن بهذا الوضع واحنا نتأخر عن المساعدة". وسلم عرار شيكا بـ30 مليون دولار، وفعلا أنقذ بتلك الأموال موازنتنا في نهاية ذلك العام.
*ولماذا كانت علاقتنا سيئة بالعراقيين وقتها؟
-لقد أبلغنا السوريون، بأن العراق يحشد على حدوده ضد السوريين، ومباشرة حشدنا نحن على الحدود العراقية، لصد أي عدوان عراقي على السوريين، الذين تحالفنا معهم، وكنا على وشك إعلان وحدة بيننا.
لقد سأل صدام، عن حشدنا على الحدود العراقية، وقال له عرار، بأننا نحشد لحماية السوريين من العراقيين، إن اعتدوا عليهم، فرد صدام على عرار: "براو على رئيس وزرائكم"، وأضاف بأنه يحشد على الحدود العراقية السورية، بناء على طلب السوريين، للتعاون معهم، في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل.
وهذا ما حدث، ومن هناك بدأت، تنشط علاقاتنا بالعراقيين، وكان لصدام وقفات مهمة مع الأردن، في المرحلة التي تلت ذلك أيضا.
*ولماذا يغرر السوريون بكم، بمثل هذه المعلومات، ولماذا لا يريدون للعلاقات الأردنية العراقية أن تكون جيدة؟
-الجواب سهل؛ لقد كانت لعبة سورية، وكذبوا فيها علينا، فهم لا يريدون لعلاقاتنا أن تكون طيبة مع العراق، وهم بذلك فعلا، كانوا سببا في بقاء العلاقات الأردنية العراقية سيئة لفترة طويلة.
لكن بعد ذلك شهدت العلاقات الأردنية العراقية تحسنا كبيرا، خصوصا بعد أن استلم صدام حسين رئاسة الجمهورية، وبدأ التعاون على أشده بيننا وبين العراق، خصوصا بعد مؤتمر القمة العربية في بغداد العام 1979.