عوادم السيارات تفتك بالجهاز التنفسي وتسبب السرطانات

عوادم السيارات تفتك بالجهاز التنفسي وتسبب السرطانات
عوادم السيارات تفتك بالجهاز التنفسي وتسبب السرطانات

الأدخنة والأبخرة: إيذاء بالغ للبيئة والإنسان

- مجلس النواب مستعد لدراسة أي مشروع يهدف إلى حماية البيئة

اضافة اعلان

- التلوث الناجم عن عوادم المركبات يعد من أخطر أنواع التلوث الهوائي

فريهان الحسن

عمان- أراد ماهر سعادة الخروج مع عائلته للتنزه بسيارته واستنشاق الهواء الطبيعي، بيد أنه ما أن فتح شباك سيارته حتى امتلأت غرفة القيادة بدخان أبيض، خرج من سيارة "البكب"، التي كانت تمشي أمامه، ما جعله وعائلته يدخلون في نوبة طويلة من السعال.

الأمر ذاته حصل مع العشرينية أمل نصار التي أردات، ممارسة هوايتها المفضلة في المشي، إلا أنها من اللحظة التي خرجت فيها من باب المنزل صعدت أدخنة كثيفة من المركبات التي تسير بجانبها، الأمر الذي جعلها تشعر باختناق، بدأ يتلاشى شيئا فشيئا.

توقفت أمل عن ممارسة هوايتها المفضلة في مثل تلك الأجواء المليئة بالتلوث من عوادم السيارت، خصوصا التي تصدر عن المركبات الكبيرة.

خبراء ومختصون يؤكدون أن الأدخنة التي تنبعث من عوادم السيارات تسبب ضررا كبيرا على البيئة وصحة الإنسان، إذ تعد من "أخطر أنواع التلوث الهوائي لسرعة انتقاله".

في حين يحذر الأطباء من خطورة هذه الأدخنة على صحة الجهاز التنفسي للإنسان، التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، والانسداد الرئوي المزمن التي تعد من "الأمراض الرئيسية القاتلة في العالم".

المستشار الاعلامي في وزارة البيئة عيسى الشبول يلفت إلى أن الوزارة قامت خلال العامين الماضيين بإطلاق سلسلة من حملات التوعية الهادفة إلى ضرورة اجراء الصيانة الدورية على المركبات.

ويضيف أن الوزارة نظمت، بالتعاون مع الشرطة البيئية، حملة استمرت مدة شهر داخل مناطق عمان، فضلا عن حملة أخرى في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وأخرى في محافظة اربد استمرت مدة اسبوع وتنتهي اليوم الأحد.

الغاية من الحملات جاءت لتوعية المواطنين بضرورة اجراء الصيانة الدورية، وبيان الأضرار البيئية والصحية المترتبة على تبعات العوادم في الهواء، فضلا عن الأضرار بالممتلكات والتغير المناخي.

عوادم السيارات ملوث حقيقي للبيئة

الأمر لا يتوقف على الجانب البيئي، إذ يبين اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية د. عبد الرحمن العناني الخطورة الكبيرة من الغازات التي تنبعث من عوادم السيارات وخطورتها الكبيرة على الجهاز التنفسي للإنسان.

ويشير إلى أن الانبعثات تسبب الانسداد الرئوي المزمن، فضلا عن الحساسية التي تسببها العوادم عند الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي ويتعرضون لكميات من العوادم.

الأمر الذي يستدعي القلق في أن تلك العوادم الناتجة عن المركبات تؤدي إلى الإصابة "بسرطان الرئة"، فضلا عن أن الانسداد الرئوي المزمن، بحسب العناني، يعد من "الأمراض الرئيسية القاتلة في العالم".

ويشير إلى أن أمراض الرئة والقصبات الهوائية تزيد في المناطق المزدحمة عنها في الأرياف، لافتا إلى أن الانسداد الرئوي يؤدي إلى هبوط الأكسجين في الدم، مما يسبب ارتفاعا في الضغط الرئوي، وبالتالي هبوطا في القلب يؤدي إلى الوفاة.

الشبول يبين أن الاجراءات التي اتخذت في التحول الكامل إلى البنزين الخالي من الرصاص، بدأت مطلع العام الحالي في محاولة للحد من مشكلة تلوث البيئة، والعمل جارٍ مع شركة مصفاة البترول بموجب خطة أعدت لتحسين نوعية الديزل خلال العامين المقبلين.

وزارة البيئة تكتفي بالجانب التوعوي والإرشادي للحد من تفاقم المشكلة، بحسب الشبول، الذي يبين أن المرحلة المقبلة ستشهد تحرير مخالفات مالية في حال عدم صيانة المركبة التي ينبعث منها الدخان.

وبحسب خبراء واختصاصيين، يعد التلوث الناجم عن عوادم المركبات من "أخطر أنواع التلوث الهوائي لسرعة انتقاله، وصعوبة التحرز منه لعدم الإحساس به وحاجة الإنسان الفورية إلى الهواء وبكميات كبيرة".

إدارة السير بدأت بتنفيذ خطة للحد من الادخنة

مدير إدارة السير والمركبات العميد عدنان الفريح يوضح أن الإدارة وضعت اجراءات قانونية ضمن حملة الشتاء التي تبدأ قريبا، مع التركيز على السيارات التي يصعد منها الدخان وتسبب مشاكل بيئية.

ويشير إلى أن الحملة تهدف إلى توعية المواطنين في بداية الأمر، وبعدها يتم تقديم اشعار لمدة أسبوع في حال كان هناك خلل ما.

ومن خلال التقارير الفنية، تحدد دائرة الترخيص صلاحية المركبة من عدمها، وعلى صاحب المركبة اصلاحها في حال كانت تعاني من خلل ما، ويتم اللجوء في بعض الأحيان إلى "شطب المركبة" إذا كان الخلل الفني لا يمكن تصليحه، بحسب الفريح.

رئيس شعبة المركبات في إدارة الترخيص المقدم مازن نور الدين الذي يبين أن الأول من الشهر الحالي شهد بداية "حملة الشتاء" للتفتيش على المركبات والتأكد من جاهزيتها وصلاحيتها الفنية، ومن عدم خروج الدخان من المركبات، خصوصا العاملة منها على وقود الديزل.

ويضيف أن اجراءات ضبط أي نوع من المخالفات تبدأ بإعطاء صاحب السيارة تصريحا لمدة أسبوع فقط، مع حجز الرخصة، وعند قيام الشخص بإصلاح مركبته يراجع الجهة التي حررت له المخالفة، والتي تقوم بالتأكد من اصلاحها، وبناء عليه يتم استرداد الرخصة دون تحرير مخالفة، وفي حال تجاوز الأسبوع دون تصليح مركبته، يتم تحرير مخالفة مالية.

نور الدين يؤكد أن المركبة لا يتم ترخيصها إذا كانت هناك أدخنة تنبعث منها، سواء على المركبات التي تعمل على البنزين أو الديزل، مبينا أن هناك نسبا معينة للغازات الصادرة عن الاحتراق يجب أن لا تتجاوزها المركبة.

دراسة: ثاني أكسيد الكربون أكبر مسبب للاحتباس الحراري

وأشارت دراسات علمية صدرت أخيرا إلى أن "أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون الناتجين عن احتراق البنزين، يعدان من أهم مسببات الاحتباس الحراري، الذي يتوقع أن يتسبب بكارثة بيئية بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه وتناقص التواجد الثلجي وسمك الثلوج في القطبين المتجمدين، وارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، مما قد يتسبب في الفيضانات والجفاف وموجات حارة".

ولفتت الدراسات إلى أن "أكاسيد النيتروجين، تتسبب في تكوين الأمطار الحمضية التي تؤدي إلى القضاء على الثروة السمكية في البحيرات والأنهار، وإلى القضاء على الثروة النباتية، والتسبب في صعوبة الرؤية، خاصة للطيارين، لتكوينها ما يعرف بالضباب الحمضي".

كما أن بعض المعادن الضارة المذابة في المطر الحمضي، والتي تمتصها الفاكهة والخضراوات وأنسجة الحيوانات "تصل بالتالي إلى الإنسان عند تناولها، مما يؤدي إلى تخلف عقلي لدى الأطفال وإصابة الكبار بمرض (الزهايمر) وأمراض الكلى"، وفق الدراسات.

الكوفحي: "استبدال الرصاص بمادة MTBE في البنزين تلوث المياة الجوفية

المدير التنفيذي في جمعية البيئة الأردنية المهندس أحمد الكوفحي يبين أن مساهمة الجمعية تأتي من خلال الضغط على وجود اجراءات سليمة للحد من الانبعاثات الصادرة عن عوادم المركبات.

ويشير إلى أنه في بدايات عام 2007 توجهت وزارة الصحة لاستخدام بعض المواد التي تدخل في تركيبة البنزين للتخلص من مادة الرصاص، لتأثيره الضار على الصحة والبيئة.

بيد أن "الخطر الكبير" يكمن في استبدال مادة الرصاص بمادة MTBE الأشد خطورة، بحسب الكوفحي، إذ يبين مدى الضرر الكبير الذي تسببه، والذي قضى بتوقيفها من قبل معظم الدول وأولها أميركا، فهي تعمل على "تلوث المياه الجوفية"، فضلا عن احتوائها على "مواد مسرطنة".

الكوفحي يبين أن الاتفاق مع الجهات المسؤولة كان بعدم استخدام هذه المادة في البنزين بعدما تتم إعادة تأهيل كاملة لجميع محطات الوقود حتى تسطيع استيعاب هذه المادة الجديدة والحيلولة دون تسربها، وهو ما لم يحصل، إذ تمت إضافتها بشكل مفاجئ، دون أي اعادة تأهيل.

ويلفت إلى أن مادة MTBE إذا تسربت ووصلت إلى بئر للمياه الجوفية ستسبب تلوثا هائلا.

ويبين أن الجمعية أعدت تقريرا مستندا على أسس علمية عن المخاطر التي تسببها، وتم رفع التقرير إلى رئيس الوزراء الذي حوله إلى وزارة البيئة والطاقة لدراسة الأمر، ولكن ردهم كان في "ارتفاع أسعار المواد الأخرى" وصعوبة استبدالها.

رئيس اللجنة الصحية والبيئية في مجلس النواب النائب عصر الشرمان يشير إلى أن المجلس مستعد لدراسة أي مشروع يهدف إلى حماية البيئة، فضلا عن امكانية سن تشريعات تخدم البيئة بالتعاون مع اللجان المتخصصة، في حال كان هناك تصور واضح للخطط المستقبلية، وجلب خبراء للاستفادة من تجربة الدول الأخرى.

ويضيف الشرمان بأنه حتى هذه اللحظة لا توجد أي تشريعات للحد من هذه الظاهرة، مبينا أن قانون السير أعطى الحق لمراقب السير مراقبة السيارة المخالفة للشروط البيئية، كما أن الحكومة اتخذت خطوات استخدام البنزين الخالي من الرصاص للحد من تفاقم المشكلة.

وعن مخاطر الديزل يقول الكوفحي إن الديزل المستخدم في الأردن "غير مطابق للمواصفات العالمية"، ونسبة مادة الكبريت الموجود فيه أضعاف النسبة العالمية، لتصبح السيارات التي تعمل على الديزل "مصنعا متحركا".

وزارة البيئة قامت أخيرا، وبالتعاون مع مديرية الشرطة البيئية بتنفيذ حملة لفحص عوادم المركبات في عمان ومنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ومحافظة اربد، من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات والاشتراطات البيئية.

وتهدف الحملة إلى نشر المعرفة بالمخاطر البيئية والصحية التي تتسبب بها عوادم المركبات، وإلزام المواطنين بتصويب أوضاع مركباتهم، واتخاذ المخالفات اللازمة في حال لم يتم تصليح المركبة.