إلغاء طلبات توظيف البالغين 48 عاما يثير جدلا دستوريا واجتماعيا

عبدالله الربيحات

عمان- رغم إقرار خبراء أن تعيين أشخاص، بلغوا من العمر أربعين عاما، في وظيفة عامة "أمر يبعث على الخوف على مستقبل سوق العمل العام والخاص في آن معا"، إلا أنهم أكدوا أن إلغاء طلبات التوظيف لمن بلغ 48 عاما، "غير دستوري ويخرق مبدأ المساواة بين الأردنيين".اضافة اعلان
وأشار هؤلاء إلى أن الدستور كفل للأردنيين حق المساواة، ونص على أن "الدولة تكفل توفير فرص العمل للأردنيين حسب إمكاناتها"، موضحين أن "إلغاء هذه الطلبات لن يحل مشكلة تراكم طلبات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية بل سيزيد مشكلة البطالة".
يأتي ذلك في وقت أكد فيه ديوان الخدمة المدنية، على لسان رئيسه سامح الناصر، إن "إلغاء دور التوظيف لتلك الفئة، يأتي في إطار عملية تنظيمية لتوحيد سن القبول للمترشحين للوظائف الحكومية".
وأوضح الناصر أن أغلب المتضررين من هذا القرار "هم من حملة الشهادة الجامعية المتوسطة (الدبلوم)، خصوصا المهن المغلقة والمشبعة، ولا تتجاوز نسبتهم 2 % من مخزون الديوان"، مبينا أن نظام الخدمة المدنية يكتسب قوة القانون، وأن رفع السن من 45 عاما إلى 48 عاما ينسحب على جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وبين الناصر لـ "الغد" أن إلغاء دور التوظيف لمن تجاوزت أعمارهم 48 عاما، يأتي في إطار عملية تنظيمية لتوحيد سن القبول للمترشحين للوظائف الحكومية، مشيرا إلى أن التعيين بعد هذا السن كان مقتصرا على وزارة التربية والتعليم، وبعد إقرار النظام الجديد أصبح يشمل جميع الوظائف الحكومية.
ولفت الناصر إلى أن أغلب المتضررين هم من حملة دبلوم كليات المجتمع، خصوصا المهن المغلقة والمشبعة وهم لايتجاوزون 2 % من مخزون الديوان، معتبرا أنه "لا يعقل تعيين من تجاوز عمره 48 عاما ليستنزف مبالغ مالية ودورات في وقت يحال على التقاعد من الإناث مثلا من تجاوز عمرها 48 عاما".
وقال، إن من تم إلغاء طلباتهم منذ العام 2018 ولغاية الآن يبلغ 2700 طلب و14 ألفا قبل العام 2018 بناء على قانون وزارة تربية والتعليم 3/ 1994 المتعلق بعدم تعيين معلمين من الحاصلين على دبلوم ويعين الحاصل على البكالوريوس، مبينا ان 20 % من الذي تم إخراجهم يعملون وفق بيانات ديوان الخدمة المدنية كما أن هناك قطاعات ووزارات تحدد العمر المطلوب في التعيين.
وبين أن مخزون الديوان من الطلبات اليوم يبلغ 423 ألفا تقريبا بعضهم من أصحاب المهن التعليمية و123 ألفا مسجلون في الضمان الاجتماعي بشكل اختياري، فيما تعين الدولة سنويا 7 - 8 آلاف فقط، ولذلك نحتاج إلى 8 سنوات لتعبئة شواغر 70 ألفا.
وأشار الى أن نظام الخدمة المدنية الجديد ووفقا للمادة هـ/40 ينص على الانتقال إلى الإعلان المفتوح وتخلص من نظام الدور وبموجبه سيكون الاختيار ضمن الكفاءة والمهنية.
يشار إلى أن اللجنة الإدارية في مجلس النواب في اجتماعها الأخير أشارت الى "وجود ظلم وتعد على حقوق من تلغى طلباته، وقالت إن "إدارية النواب" سترسل كتابا رسميا لرئيس الوزراء، يتضمن المطالبة بإعادة النظر بعدم إلغاء طلبات المتقدمين للوظائف في الديوان، لهذه الفئة.
رئيس الديوان السابق هيثم حجازي قال، إن الدستور كفل للأردنيين حق المساواة ونص على ان "الدولة تكفل توفير فرص العمل للأردنيين حسب إمكاناتها وحسب الكفاءة"، وهو المعيار الذي يجب ان يعتمد وبالتالي فإن عملية إلغاء طلبات التوظيف لمن بلغ "48" عاما "غير دستوري ويخرق مبدأ المساواة بين الأردنيين، وهو اجتهاد في نص دستوري لا اجتهاد فيه".
وأكد أنه لا يجوز حرمان أي أردني من حق التنافس على الوظيفة العامة تحت أي ذريعة، اما ما يقال ان من بلغت أعمارهم "48" عاما فما فوق لن يتمكنوا من الحصول على راتب تقاعدي إذا تم توظيفهم، فأعتقد ان "هذه مشكلة تخصهم وإلغاء هذه الطلبات لن يحل مشكلة البطالة ولا مشكلة تراكم طلبات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية".
بدوره، بين مدير عام معهد الإدارة العامة السابق راضي العتوم ان إلغاء طلبات التوظيف للتنافس على الوظائف العامة لمن بلغ 48 عاما له ثلاثة أبعاد ينبغي الوقوف عندها من أجل التخطيط السليم للقوى العاملة، ولإصدار القرارات الحكيمة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وهيكل سوق العمل.
وأشار الى البعد الدستوري وهو الأول والذي ينص على أن "المواطنين سواسية أمام الدستور والقانون"، وبالتالي فلا يجوز التمييز على أساس السن، كما لا يجوز تحديد السنّ الواجب قبول طلبه على التنافس العام. وهنا فقط يمكن تحديد السنّ القانوني للعمل لمن هم في سنّ العمل للأعمار بين 18- 60 عاما.
أما البعد الثاني، بحسب العتوم فهو "عامل العرض والطلب في سوق العمل؛ بسبب الواقع الذي يعيشه الباحث عن العمل في سوق العمل المحلي والخارجي، ذلك أن الباحثين عن عمل يُعانون من بطالة طويلة الأجل، خاصة لحملة الشهادات الجامعية، وكليات المجتمع".
وأشار إلى أننا إذا درسنا متوسط سنوات التعطيل عن العمل سنجد أنه يتراوح بين خمس سنوات فأكثر، لهذا يبقى الباحثون في سعي جاد للحصول على وظيفة عامة، حتى لو وجد عملا خاصا لأسباب معروفة للجميع. من هنا فإن الخلل في هيكل سوق العمل الأردني واضح ومُخيف إلى حدّ كبير، ويعود السبب إلى قصور الحكومات المتعاقبة عن التوسع ببرامج ومشاريع تواكب التطور في سوق العمل المحلي والعالمي، كما أن قصورها واضح في مسألة جذب الاستثمار المحلي والأجنبي النافع للاقتصاد، بسبب ضعف السياسات المالية والاقتصادية ولا ادل على ذلك من تفاقم عجز الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري حيث مقابل كل دينار يتم تصديره من السلع والخدمات نستورد حوالي ثلاثة دنانير من الخارج.
وقد زاد من هذا الحال الصعب "عمليات الخصخصة السريعة غير المدروسة من جانب، وغير العادلة من جانب آخر، إذ أحكم مشترو الشركات التي تمت خصخصتها بمفاصل مؤسسات الأعمال الكبرى في الاقتصاد الوطني، فأنهكت قواه، واستغلت خيره، ونالت من العوائد والأرباح ما لم ينله استثمار عادل وطبيعي في أي بلد في العالم، فلا جنت الحكومة عوائد تستحق الذكر للخزينة، ولا شغلت أبناء الوطن، وإنما وقعت بتراكمات من الإشكالات الاجتماعية التي خلخلت المنظومة الأخلاقية والقيمية للمجتمع الأردني، وزاد من النفقات الأمنية الداخلية، وأثر على الاستقرار الاجتماعي، ومستقبل الاجيال".
لكن العتوم أشار مشكلة البعد الإداري وهو الثالث والذي يتجلى في طلب الوزارات والمؤسسات العامة للوظائف من مخزون الطلبات لدى ديوان الخدمة المدنية، فيمكن لكل دائرة ان تطلب موظفين وفقا لشروطها وحسب حاجتها، وبهذا يمكنها تحديد التخصص، والجنس، والمؤهلات الأخرى، وكذلك العمر. لذلك من الأفضل ترك السن مفتوحا لدى مخزون الديوان رغم انه يُنقح الكشوفات ويقلل عدد المتنافسين، وقد يكون عادلا إلى حدّ كبير، لكن ستُظلم فئة منهم بدون شكّ.
في الواقع، إن تعيين شخص بلغ الأربعين من العمر ليبدأ بالوظيفة العامة أمر يبعثُ على الخوف على مستقبل سوق العمل العام والخاص في آن معا، فمن يتعين بسن متقدمة يحتاج إلى دورات تدريبية فنية متخصصة كثيرة، حتى يمكن معالجة الفعالية الفنية للعمل، لكن من الصعب معها معالجة الأثر النفسي والاجتماعي الذي وصل اليه الباحث عن العمل عند سن متأخرة، هذا حقيقة ما كنا نلاحظه عند عقد دورات بمعهد الادارة العامة للموظف الجديد، حيث الواقع شبه مأساويا.
ومن جانب آخر، فإن تأخر سن العمل بالقطاع العام للعاطلين عن العمل له بُعد مستقبلي استراتيجي وهو أن القادمين للعمل بعد فترة طويلة من البطالة يصعب عليهم التأهل لمستوى الخبراء والمستشارين الذي تحتاجه أسواق العمل الخارجية، لهذا سنجد أن منافسة العمالة الأردنية في دول الخليج مثلا ستكون ضعيفة، وهذا نلمسه حاليا، وهو أمر في غاية الاهمية لأثره الكبير على تحويلات الأردنيين.