الأردنيون يقرأون!

الأردنيون، ككل شعوب الأرض، صاروا أسرى لمواقع التواصل الاجتماعي؛ "فيسبوك" و"تويتر" تحديدا. لكن الانطباع السائد بأننا شعب لا يقرأ الكتب، ليس دقيقا بالمطلق.اضافة اعلان
صحيح أن نسبة المطالعة في بلداننا العربية متدنية جدا، لا بل مخزية مقارنة مع الدول المتقدمة. وما يصدر عن دور النشر العربية لا يساوي واحدا بالمائة من إصدارات دولة أوروبية.
القراءة في البلدان المتقدمة عادة يومية لمعظم الناس، بينما هي حالة استثنائية في مجتمعاتنا.
نمط الحياة في الدول الغربية يحفز الناس على المطالعة. ووسائل النقل العامة التي تعتمد عليها الأغلبية في التنقل، تمنحهم الخصوصية اللازمة للاستغراق في متعة القراءة. في بلد كالأردن، يجلس نصف مواطنيه صباحا ومساء خلف مقود السيارة، ويلهث نصفه الثاني خلف "الكوستر"، لن نتوقع منهم أن يطالعوا أكثر من العبارات المكتوبة على اللوحات الإعلانية في الشوارع.
غير أن جولة في معرض كتاب تمنحنا بصيص أمل، وتكشف عن رغبة بعضنا في التمرد على سلطة الـ"سوشال ميديا"، ورد الاعتبار للقراءة.
أول من أمس، كنا بجولة في معرض الكتاب الأردني الذي نظمته أمانة عمان بالتعاون مع اتحاد الناشرين الأردنيين. المعرض أقيم في موقع تاريخي فريد وسط العاصمة؛ الساحة الهاشمية، وبمحاذاة المدرج الروماني.
عشرات دور النشر الأردنية تشارك في المعرض، وتفرد المئات من العناوين بين أيدي زواره.
كان لافتا بحق إقبال الناس على المعرض. المنظمون قالوا إن أعدادا غفيرة زارت المعرض في أيامه الأولى. واللافت أكثر أن معظم الزوار هم عائلات أردنية، حضرت مع صغارها إلى المعرض.
كان الأطفال يقلبون الكتب مثل آبائهم وأمهاتهم؛ وتلك عادة حميدة ستكبر معهم، ولعلها تنافس عادات سيئة وتتغلب عليها.
أكثر ما كان يستوقف الناس الكتب الدينية والروايات. الشابات أقبلن على شراء روايات أحلام مستغانمي، بينما الرجال يتفحصون عناوين الكتب الدينية والتاريخية.
بعض الكتب المعروضة مستعملة، وتباع بأسعار زهيدة؛ وبعض دور النشر لا تتردد في توزيع إصداراتها مجانا.
جل زوار المعرض، وكما بدا من مظهرهم، ينتمون إلى فئات من الطبقة الوسطى. يصعب في مثل هذه الأمكنة أن تصادف فقيرا أو غنيا. عادة القراءة ارتبطت على الدوام بالطبقة الوسطى، والتي لم تعد معظم فئاتها وسطى بالمعنى الحقيقي، بعد أن سحقتها السياسات الاقتصادية.
لكن هناك من ما يزال يقاوم الهبوط، ويكافح للاحتفاظ بمناقبية الطبقة الوسطى وتقاليدها. ولعله أمر مثير حقا أن تجد عائلة أردنية، وفي عز موسم العودة إلى المدارس وما يترتب عليه من نفقات إضافية، هامشا من دخلها لشراء كتب وروايات. إنها تضحية كبيرة ومقدّرة من دون شك.
المعرض بسيط، لكنه منظم ونظيف. وسلوك زواره محترم، يليق بالكتب ومكانتها في حياتنا.
ما الذي يمنع تنظيم عشرة معارض مثله كل صيف، وفي مناطق مختلفة من العاصمة، ومثلها في بلديات المملكة؟
المعرفة هي السبيل الوحيد للتقدم، ودونها الجهل والفقر والتطرف. بقيمة لوح إلكتروني واحد، يمكن لكل عائلة أن تؤسس مكتبة في المنزل. الأردنيون يقرأون، فلنساعدهم على الإدمان على هذه العادة.