البيطار: "سمك فوق سطح البحر" مبني على خلفية تاريخية لمنطقة الأغوار الجنوبية

بوستر "سمك فوق سطح البحر"-(من المصدر)
بوستر "سمك فوق سطح البحر"-(من المصدر)

غيداء حمودة

عمان- أكد الفنان الأردني ومؤسس تعاونية عمان لصناعة الأفلام ومخرج الفيلم الروائي الأردني الطويل "سمك فوق سطح البحر" حازم البيطار، أن الفيلم أنتج بأقل التكاليف كدليل على إمكانية إنتاج المخرجين، لإنتاج أفلام روائية طويلة، إذا ما امتلكوا مهارات عالية.
وأضاف أن الفيلم، الذي يقام أول عرض مفتوح له عند الساعة السابعة من مساء اليوم في سينما الرينبو، جاء على خلفية تاريخية تخص منطقة الأغوار الجنوبية، والتي تعرض أهلها قبل أكثر من نصف قرن "لنوع من ضياع الحقوق وتعرضت ممتلكاتهم وأراضيهم للسطو بطرق مختلفة"، منها ما جاء بشكل قانوني، مشيرا إلى أنه لم يتم تعويض أهالي الغور عن أراضيهم، بل "ما تزال العملية مستمرة بأشكال أخرى"، بحسب البيطار.
وأوضح أنه اكتشف هذه القصة واسنتد إلى وقائع تم ذكرها في كتاب "السياسة والتغيير في الكرك" لكاتبه د. بيتر غوبسر من جامعة اكسفورد والذي ترجمه د. خالد الكركي، مشيرا إلى أن هذا الفيلم "شمعة تضيء الطريق" تتيح للناس معرفة قضاياهم وتاريخهم، متمنيا أن يكون للفيلم أثر في اهتمام الجمهور بقضية الفيلم وليس فقط مشاهدته.
وبين البيطار، في حديثه لـ"الغد"، أن تكلفة إنتاج الفيلم، الذي يمتد نحو ثمانين دقيقة، لم تتجاوز الألف دينار، واعتمد على ثلاث شخصيات؛ شخصيتان أساسيتان في التمثيل قام بدورهما كل من ربيع زريقات وعبدالله دغيمات، إضافة إلى البيطار نفسه، الذي تكفل بمهام المخرج والمسؤول عن السينوغرافيا والتصوير والمونتاج وإدارة الإنتاج والمونتير وغيرها من المهام.
إلا أن محدودية الميزانية تسببت في بعض المشاكل التقنية، التي تمت معالجتها بشكل أو بآخر، وعن طريق الاستعانة بزملاء خبراء في مجال صناعة الأفلام، الذين قدموا خبراتهم بالمجان، وفقا للبيطار.
ويعتبر البيطار أن الفيلم، الذي لاقى إعجاب النقاد أمثال عدنان مدانات الذي وصفه بأنه "أهم فيلم أردني طويل" والزميل ناجح حسن، نموذج "يشجع صناع الأفلام المستقلة للمضي في إنتاج أفلامهم الروائية"، إذا ما امتلكوا مهارات إنتاج الفيلم، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر يكمن وقتها في وجود "فكرة وسيناريو مميزين للفيلم".
أما عن اسم الفيلم، فيوضح البيطار أنه جاء من كون البطل في أحد المشاهد يحمل وعاء فيه سمكة أهداها إياها والده، ويقف أمام البحر الميت، وينظر إلى السمكة ويسألها مجازيا أن تختار بين الذهاب إلى البحر الميت أو البقاء في الوعاء.
والفيلم أنتج بجهود تطوعية سواء من قبل البيطار نفسه، أو الممثلين والمتطوعين في الفيلم، وقد قدمت مبادرة "ذكرى"، التي أسسها ربيع زريقات وتجمع أهل مدينة عمان بأهل غور المزرعة من خلال رحلات السياحة التبادلية، ليعيشوا مع أهل الغور طقوسهم وعاداتهم ويسهموا في تمويل مشاريع صغيرة يستفيد منها أهالي المنطقة تحت شعار "التبادل وليس التبرع"، دعما لوجستيا للفيلم، حيث تم تصوير العديد من المشاهد في غور المزرعة.
اهتمام البيطار بقصة الفيلم جاء لعدة أسباب، منها مقاربة تجربة أهل الأغوار الجنوبية مع واقع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ومن الأسباب الأخرى التي زادت من اهتمام البيطار بقضية أهالي الأغوار الجنوبية، العلاقة التي جمعته بهم، عندما كان يقدم ورشات عمل في صناعة الأفلام لأهالي الغور، ضمن برامج "ذكرى".
ويشير البيطار إلى أن اختلاطه بأهل غور المزرعة، كشف له أنهم أناس "على مستوى عال من الكرم والطيبة والذكاء"، فضلا عن كونهم "نشيطين بشكل مميز"، مما دفعه لمعرفة تاريخ المنطقة وتبني قضيتهم من خلال فيلم.
وفيلم "سمك فوق سطح البحر" يروي قصة طلال (الذي يقوم بدوره ربيع زريقات)، الذي توفي والده وترك له ديونا وبيتا مرهونا للبنك، وكان أبوه قد أعطى بيتا له في منطقة غور المزرعة للفتى الغوراني داوود (الذي يقوم بدوره عبدالله دغيمات)، وذلك مقابل عمل قام به لصالح والد طلال، ولكن لم يتلق أجره.
والمفارقة في الفيلم، بحسب البيطار، أنه بينما يمتلك داوود البيت من دون أوراق قانونية، ولكن بوجود شهود، ما يزال طلال يملك الأوراق التي تثبت حقه في البيت، ومن هنا يمثل الفيلم صراعا بين الحق القانوني لطلال، والحق الأخلاقي لداوود، الذي حصل على البيت بشهادة شهود من كبار القرية، كتعويض على قيامه بأعمال في حقل والد طلال مدة سنتين.
ومن الأسئلة التي يطرحها الفيلم على الجمهور إن كانت الأجيال المتعاقبة، تتحمل نتائج أفعال وقرارات الأجيال التي قبلها، ويشير البيطار هنا إلى أن ما يحدث غالبا في الواقع هو قيام جيل ما "بترحيل القضايا المختلفة إلى الجيل الثاني"، بدلا من حلها.
ويؤكد البيطار، برأيه الشخصي "أننا جميعا مسؤولون عما يفعله أجدادنا"، وإلا سيكون الإسرائيليون اليوم غير مسؤولين عما ارتكبه أجدادهم من مجازر واحتلال، وسيكون أحفاد من ظلم أهالي الأغوار الجنوبية وسطا على أراضيها غير مسؤول عما فعله من هم من قبله، وتسببوا في كون هذه المنطقة من جيوب الفقر، بدلا من تمتعهم بوضع اقتصادي أفضل بكثير، خصوصا وأن أراضي الغور هي من أكثر الأراضي خصوبة، وتتميز بميزة سياحية لقربها من البحر الميت.
ولم يتم تصوير الفيلم بناء على نص موجود، بل وضع البيطار إطارا عاما للقصة وخطوطا عريضة للحوار ومجالا واسعا لتطوير المشهد، مما أعطى الممثلين الأساسيين، اللذين كانا قد شاركا في ورشات تعاونية عمان لصناعة الأفلام، حرية في الأداء وتغيير المشهد أحيانا، ونتجت عن ذلك عفوية في الأداء.
ويوضح البيطار أن من مشاريعه المستقبلية بعد "سمك فوق سطح البحر"، الذي استطاع من خلاله تطوير نموذج يمكن المخرجين من إنتاج أفلام طويلة بتكاليف قليلة جدا، ستكون من إنتاج أفلام روائية أخرى، مشيرا إلى وجود ثلاثة نصوص لديه لأفلام ومنها نصوص نجحت في مسابقات عالمية للنصوص السينمائية.

اضافة اعلان

[email protected]