التوصيات تعيد الاعتبار للمجالس المحلية

فرح عطيات

عمان- شددت توصيات اللجنة الملكية لتحديث منظومة الإدارة المحلية على ضرورة إعادة استحداث المجالس المحلية مجددا، بعد أن تم الغاؤها بموجب قانون الإدارة المحلية الجديد، الذي نشر في الجريدة الرسمية نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.

اضافة اعلان


وجاءت مبررات اللجنة في إعادة الاستحداث بأن "المجلس المحلي يمثل الوحدةَ الأساسية الأولى في هياكل الإدارة المحلية، وهو الأكثر تماسا بالمواطنين، وقربا منهم، ومن حياتهم اليومية، والأكثر معرفةً باحتياجاتهم، وتحديدا في مجالات الخدمات الأساسية".


ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل ومن وجهة نظرها كذلك، فإن "تلك المجالس تجسد اللبنات الأساسية للمشاركة الشعبية، ودورها مكمل لأدوار البلديات، ويجب - دورة بعد دورة- أن تتزايد المهام الملقاة على عاتق هذه المجالس".


ومن الأمور الجديدة، التي دعت اليها اللجنة في توصياتها، التي جاءت ضمن تقرير تسلمه جلالة الملك عبدالله الثاني أمس، اعتماد نموذج الإدارة المحلية الذي يسعى إلى تطوير أقاليم تنموية تكاملية على مستوى المملكة، لكل منها له سماته وميزاته التنافسية.


وهذا الأمر الذي سيمكن من نقل التخطيط والتنفيذ للبرامج التنموية من الإدارة المركزية إلى الأقاليم؛ ولعل أبرز المجالات التي يمكن شمولها بذلك: البنية التحتية، ونظام التعليم، والصحة، والأنشطة الاقتصادية، والضرائب، وغيرها من المجالات التي تتطلب استثمارات ضخمة، وفاعلين متعددين، وبرامج تنفذ على مدى سنوات وربما عقود.


كما سيؤدي الى "الوصول إلى حكم محلي رشيد، قادر على الاضطلاع بمهام التنمية المحلية والخدمات بشكل مستقلّ وفعال، بناء على برامج اختارها المواطنون عبر انتخابات حرة ونزيهة، في تناغمٍ وتكامل للأدوار بين الهياكل المختلفة والأقاليم من جهة، والإدارة المركزية من جهة أخرى". الا أن اللجنة حددت مجموعة من المبادئ التي طور على أساسها النموذج الوطني للإدارة والحكم المحلي عبر اعتماد مبدأ التدرج عبر مراحل انتقالية يتم التوسع بها، ووفقا لاختصاصات هياكل الإدارة المحلية في مجالات الخدمات، والتنمية المحلية، والشؤون الإدارية والمالية.

وسيتم في هذا التدرج، التي يتم تبنيه ولأول مرة "ضمان مشاركة شعبية واسعة في صياغة هذا النموذج، من خلال انتخابات حرة، ونزيهة تشمل الإدارة المحلية بمستوياتها المختلفة، والذي سيشكل في نهاية الأمر البنية التحتية لمنظومة التحديث السياسي، والإداري، والتنموي على المستوى الوطني".


وهذا النموذج سيتيح للمواطنين والمواطنات تحديد خياراتهم التنموية بطرق ديمقراطية، ويمارسون التنافس وتصعيد النخب، وتمكين المرأة، والشباب عبر هياكل واضحة، ومتكاملة، ومحددة الاختصاصات ووفق منظومة حوكمة رشيدة.

كما ركزت التوصيات على أهمية توسيع الصلاحيات الإدارية للمجالس البلدية وباطراد، والذي كانت تدعو اليه البلديات والخبراء في الشأن البلدي ومنذ سنوات عديدة، والذي يترافق مع تزايد خبرة أعضاء هذه المجالس (الهياكل المنتخبة)، واكتسابها ثقة مجالس المحافظات.


وفي رأي اللجنة فإن "التوسّع في المهام الخدمية، والتنموية للمجالس البلدية، يجب أن يقود في النهاية إلى مسؤوليتها شبه الكاملة عن هذه المهام، وضمان استدامة قيامها بهذا الدور، مع ضرورة أن تشمل مساهمتها الفعالة والناجعة طيفًا واسعًا من الخدمات الإدارية، بحكم قربها من المواطنين، ومعرفتها بالأولويات والاحتياجات الفعلية لهم".


وفي شان مجالس المحافظات، جاءت اللجنة بفكرة جديدة تدعو الى استحداث هيكل جامع لعدد من المحافظات على نطاقٍ إقليمي، بما يسهل عملية الإشراف على عملها، ويتيح للسلطة المركزية نقل المزيد من سلطاتها الإدارية، ومهامها الخدمية، والتنموية إلى هذه الهياكل المستحدَثة.

فاللجنة اعتبرت مجالس المحافظات هي الهيئات العليا للإدارة المحلية في الوضع القائم حاليا، ومن الطبيعي أن تتولى مهام عدة تتمثل في البرامج التنموية أساسًا، والخدمية والإدارية بشكل عام.


وتبعًا للفلسفة نفسها، فإن الفكرة الجديدة من المفترض أن تعزز مبدأ التكاملية بين هذه المجالس مع المجالس البلدية، وتُشركها في وضع البرامج الخدمية والتنموية والاستثمارية الخاصة بالمحافظة، وتراقب أداءها لمهامها الخدمية والإدارية المشتركة، وتنسّق إدارةَ المهام اللامركزية مع هياكل الحكم المحلي المستجدّة.


كما وجاءت اللجنة بفكرة إنشاء ما يسمى بمجالس الأقاليم وهي الهيئات العليا المنتخَبة للإدارة المحلية في مراحلها الأخيرة، ويُقصَد بها مرحلة الحكم المحلي على مستوى السلطة التنفيذية (تنمويا وخدميا).


وتتمتع هذه المجالس، كما ورد في التوصيات، بالعديد من صلاحيات السلطة التنفيذية المركزية، بشكل منسّق ومنضبط يعيد توزيع الأدوار بين المركز والأقاليم، وبما يجعل هذه الأقاليم قادرة على إدارة شؤون التنمية المحلية بكفاءة واحتراف، والإشراف على إدارة الموارد المحلية بما فيها الضرائب التي تحصل عليها، الأمر الذي يقود إلى نموذج تنموي تكاملي بين المحافظات القريبة أو المتشابهة ببعض الخصائص الاقتصادية والاجتماعية؛ في حين يتمتع كل إقليم بميزات تنافسية تجاه الأقاليم الأخرى.

وهذا التوجه يتوافق تمامًا مع طرح جلالة الملك عبدالله الثاني في العام 2005 بإنشاء وحدات إدارية تنموية أكبر تسمى "أقاليم"، شرط امتلاكها مقومات أساسية أبرزها وجود مساحات زراعية واسعة تلبّي احتياجاتها الغذائية، ومراكز حضرية تتوفر فيها طاقات بشرية متنوعة، ومراكز صناعية وتجارية نشطة، ومساحات صحراوية أو شبه صحراوية يمكن استغلالها لتوليد الطاقة.