عبد الله الفاخوري: "الوسامة" والأوسمة

يلمعُ هذا الفتى مثل نجمٍ، ويقفز بخفّةٍ مثل نمرٍ جَسور.
كأنَّه يُلاعبُ الهواء أو يصطاده أو يعجنهُ بيديه. ثم لا يتردَّدُ لحظة قبل أن يصعد هذا الهواء درجتين أو ثلاثاً.. فينطحُ برأسه الغيمة القريبة ويعود حاملاً الكرة بكفّيه غانماً.. وسالماً!
ما يزال ابن الألفية الجديدة طريّ العود، ليّن العظم، لكنَّه عميق الانتباه، له عينا نسر، وبديهة طائرٍ حاذق. لا يقف إلّا ليرقب ما تخبئه له الريح القادمة، فيلقفه عارفاً كأنَّما خبَّأه في الريح بيديه!
لا يسمع تصفيق "المُشجّعين" لأنَّه مشغولٌ بهبوب الراكضين حوله، يُنقّي بعينه الهواء العالي، ويرسل يده حيثما تصل عينه. هكذا يقول للناس: شُكراً!


اضافة اعلان

له وجه طفلٍ جاء يلعب.
لا تشغله "الحسابات الكبيرة"، و"مكائد الأندية"، وما يُحاك من قصصٍ على مقاعد المُدرَّجات، لأنه لا يحمل في جيبه غير "هوايته وهويته"، ولا يفكّر بغير حراسة هذه المسافة الخطيرة التي صنعت اسمه، وأعطته قميصه الثمين.
قبل بضع سنوات كان يضع حجرين متباعدين في الحارة الفقيرة ويقف بينهما ليسدّد الأولاد أحلامهم بين يديه، لتحمله الحارة إلى أهمّ ستاد في "آسيا"!
ومثل نمرٍ ينام على الأرض بعينين صاحيتين، لا تَغفلان، وبقلبٍ لا يجزعُ من "القذيفة" القادمة!


يراوغ الريح كأنَّه درَّبها بيديه الصغيرتين، وبرأسه، وبجذعه الطويل، ثم يضعها في جرابه مثل ساحر.
يلاعبُها فتقفُ صاغرةً، وأليفةً، وطائعةً تنام على ذراعه الممدودة.
يصدّها فتتكسَّر مثل شظايا، ويلمُّها بيديه القويَّتين ليرسلها ثانيةً: حُطّي أينما شئتِ أيتها الريح ولكن ليس هنا، ليس على بابي!


له عناد طفلٍ جاء يلعب. وله قبضته الفائزة.
لكنَّه يحمل في وجهه ثقة نجمٍ تدَّرب طويلاً أن يكون نجماً، رغم أن "العشرين عاماً" القليلة تكاد لا تتسع لكل هذه "الوسامة" والأوسمة.
وبأناقة مايسترو مُتمكّنٍ يُحرك يديه ليُحرّر الموسيقى المخبأة مثل كنزٍ، الموسيقا التي يصنعها بقدميه ورأسه وأصابعه.
يلعبُ كأنَّه "يحوم مثل الفراشة" مثلما قال كلاي، يظلُّ واقفاً فارع الطول والانتباه، يقظاً وساهراً كنجم.


كلُّ ما يفعله الفتى الشابّ أنه يلعب.
واللعب مهارةٌ لا يتقنها سوى صاحب قلبٍ شجاع.
يصعدُ شارع "المصدار" ركضاً وينزلهُ بساقين قويَّتين مثل حصان: أنا طفل هذه البيوت التي تهتز قلوبها خوفاً عَلَيّْ.