"مصطلحات" أفرزتها كورونا.. فهل تصبح جزءا من الموروث اللغوي؟

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- "كورونا، الحجر، ايجابي، سلبي، حظر، عزل، عن بعد، جائحة، تباعد اجتماعي، كِمامات، الحجر، صفارات الإنذار، مناعة القطيع، زووم، الفردي والزوجي، مسافة الأمان، سلالة، تسطيح المنحنى الوبائي، الحجر المؤسسي، وغيرها العديد من الكلمات والمصطلحات غير المألوفة، منها ما هو جديد، ومنها ما أصبح أكثر تداولا واستخداما؛ كل ذلك أفرزته جائحة كورونا التي انتشرت في بدايتها بمدينة واهان الصينية نهاية العام 2019.اضافة اعلان
تلك الكلمات التي رافقت المجتمع عبر ما يقارب العام، كانت بمجملها جديدة عليه، وأصبحت ضمن تفاصيل الحياة اليومية يرددها الصغار والكبار طوال الوقت، إذ أضافتها جائحة كورونا للمعجم اللغوي، وكان السبق في المصطلحات لمدينة واهان الصينية التي ذاع صيتها عندما زاد انتشار هذا الفيروس فيها، فكان فأصبح اسم تلك المدينة يتداول وبشكل كبير بين الناس حتى انها دخلت في تركيب الصور الفكاهية والتندر.
تمكنت جائحة كورونا من إدخال العديد من المصطلحات غير المألوفة أو غير المتداولة لتصبح جزءا من الحديث اليومي للصغار والكبار، وارتبطت حتى بالمزاح وأصبحت تستخدم في التعبير عن الموقف أو حتى وصف الحال.
"التعلم عن بعد"، لعلها من أكثر العبارات التي لصقت في أذهان الصغار قبل الكبار، فقد أصبحت المنصة ومجموعات الواتس أب وبرامج التيمز والزووم هي أدواتهم الجديدة في الدراسة.
في حين باتت كلمة "الحظر الشامل" الذي فرض مع بداية شهر آذار(مارس) و"صفارات الإنذار"، كلمات مازالت حاضرة في حياة الناس بتفاصيلها وكانت بالنسبة للكثير من الأجيال كلمات جديدة ارتبطت بقدوم فيروس كورونا.
الإجراءات التي رافقت فترات الحظر الشامل التي اتخذتها الحكومة، أدخلت إلى البيوت والأذهان، كلمات جديدة كالخروج بنظام الفردي والزوجي وأوامر الدفاع التي أصبحت جزءا من الحديث اليومي وتفاصيل الحياة.
رافق الانتشار المتسارع لفيروس كورونا عبر العالم وإعلان منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا المستجد، العديد من المصطلحات والكلمات التي أضيفت إلى المخزون اللغوي والعلاقات الاجتماعية والأسرية بحسب المتخصص بعلم الاجتماع الأسري مفيد سرحان.
هذا الإعلان رافقته مجموعة من الإجراءات الوقائية منها ما سمي "بالتباعد الاجتماعي" الذي يوحي بإضعاف العلاقات بين الناس، لتعود بعد فترة قصيرة لتغير هذا المصطلح إلى "التباعد الجسدي" موضحة أن المطلوب هو عدم التقارب الجسدي كوسيلة للوقاية من انتقال الفيروس أي الالتزام بمسافة أمان مع الآخرين.
في حين ألقى مصطلح "الوباء" بحسب سرحان، بظلاله السلبية لما تحمله هذه الكلمة من إيحاءات تنشر الخوف والرعب في النفوس، بعد أن قررت منظمة الصحة العالمية ومع صعوبة السيطرة على هذا الفيروس إطلاق اسم "جائحة" وهو ما ضاعف من القلق لارتباط هذا المصطلح بارتفاع عدد الوفيات مقارنة بالوباء، عدا عن التزايد الكبير في أعداد المصابين.
وكانت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" أصدرت أول معجم علمي ثلاثي اللغة (العربية، الانكليزية والفرنسية) حول وباء كوفيد 19 وعنوانه "معجم مصطلحات كوفيد 19" وهذا المعجم تفتقد اليه المكتبة العربية والقراء العرب، على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم،علماء وأطباء وطلابا جامعيين ومواطنين عاديين يودون التعرف الى حقائق هذا الوباء الرهيب الذي ينتشر في كل انحاء العالم.
والمعجم الذي تطلّب جهدا جماعيا، في اختيار المصطلحات والمفردات وتحديدها علميا وتعريبها، يحيط بكل ما يتعلق بالفيروس، علميا وطبيا ونفسيا واجتماعيا، إضافة الى تاريخه وكيفية نشوئه وانتشاره وطريقة مكافحته وكذلك علاقته بالبيئة والانسان جسديا ونفسيا. ويكفي القاء نظرة على سرد المصطلحات ليتم رصد شمولية هذا المعجم الذي سعى لإثارة جميع ما يتعلق بموضوع فيروس كورونا على أساس منهج علمي. معجم هو اشبه بالدليل الذي يحتاجه علماء الفيروسات والاطباء والمراجع الاكاديمية وحتى الصحافة من اجل توحيد مفردات هذا الوباء بالعربية، فتصل سليمة الى الناس أو المتلقين. ووفق سرحان، وجدت المجتمعات نفسها أمام تغيرات عديدة واضطرارية، مثل ارتداء "الكمامات" وسيلة وقاية بعد أن كانت الكمامة تستخدم عند الأطباء في المستشفيات، وأحياناً وبشكل نادر عند بعض من يعانون الحساسية في الجهاز التنفسي في فترات معينة من العام وانتشر ارتداء "الكمامات" على اختلاف أشكالها وألوانها بشكل كبير وأصبح عدم ارتدائها سبب في دفع غرامة مالية في كثير من البلدان والمدن.
وتسابق الجميع على شراء "المعقمات" لتصبح ثلاثية التباعد الجسدي وإرتداء الكمامة واستخدام المعقمات تتصدر الأحاديث ونصائح الخبراء والمختصين باعتبارها أنجع الوسائل للتعامل مع الوباء وفق سرحان.
ويقول سرحان "مع التهافت على متابعة نشرات الأخبار والتقارير كان "تسطيح المنحنى الوبائي" مطلبا للجميع مختصين وغيرهم"، وأضحى هذا المصطلح نوعاً من الطمأنينة والأمل خصوصاً مع "الانتشار المجتمعي للوباء" والذي لمسه الجميع حيث وجود حالات مصابة في معظم الاحياء والمناطق.
ومع عدم وجود علاج فعّال لهذا الوباء جاء الحديث في بعض الدول عن ان مواجهة الوباء الأمثل ستعتمد على ما سمي "بمناعة القطيع"، وهو مصطلح وجده بعضهم أنه غير أخلاقي من حيث الاسم والدلالة وإن اقترح آخرون المناعة "المجتمعية" بديلا عنه إلا أنه بقي مرفوضاً لأنه يعني التهاون في وقاية الناس وإن من ينجو من الوباء ستصبح لديه مناعة على أمل اختفاء المرض وفق سرحان.
مفارقة جديدة رافقت جائحة كورونا، فمن يجري فحص الكشف عن فيروس كورونا يتمنى أن تكون نتيجة الفحص "سلبية" وليست "إيجابية"، على عكس ما هو مألوف، حيث ان الإيجابية صفة محببة والسلبية بالحياة عادة ما تنفر الأشخاص. وتزايد أعداد الكلمات والمصطلحات المستخدمة في الأشهر الماضية، فـ "الحجر" على الشخص المصاب بدأ معتمدا "الحجر المؤسسي" عندما كانت الأعداد محدودة وتحول إلى "حجر منزلي" مع تزايد الأعداد، فالمؤسسي يعني وجود إشراف ومتابعة ومراقبة خارجية أما المنزلي فالاعتماد فيه على الوعي الذاتي.
إلى ذلك تحول العمل في كثير من الحالات بحسب سرحان إلى "عمل عن بعد" واستبدلت الاجتماعات والمؤتمرات الالكترونية وتصدر تطبيق "زووم" باعتباره يجمع مجموعة من الأشخاص بالصوت والصورة في الوقت نفسه.
المسميات الطبية التي يتعامل معها أهل الاختصاص أصبحت متداولة "فأجهزة التنفس الصناعي" وعددها ونسبة المستخدم منها يتم الإعلان عنها للدلالة على ان القطاع الصحي بخير وانه بعيد عن "الانهيار".
"حظر التجول" وإطلاق "صافرات الإنذار" الذي أصبح موضع اهتمام الأطفال أيضاً، وما يزال "حظر الجمعة" موضع حديث الجميع وهم ينتظرون ساعة "رفع الحظر" للصلاة وفق سرحان.
ومع الإعلان عن التوصل إلى "لقاح" لهذا الوباء وبدء استخدامه في عدد من الدول تستمر النقاشات حول "مأمونية" هذا اللقاح وأثره، والتوصل إلى لقاح لا يعني أنها ستكون الكلمة الأخيرة في سلسلة مصطلحات كورونا، خصوصاً مع الحديث عن "سلالات جديدة" من الفيروس.
كورونا لم يفرض نفسه كوباء فقط بل فرض مجموعة من الكلمات التي انتشرت بسرعة في مختلف أنحاء العالم وتداولها الجميع كباراً وصغاراً وفي مختلف اللغات.
ويتساءل سرحان، هل سيستمر انتشار وتداول كلمات ومصطلحات "كورونا العام القادم؟ أم هل سيتراجع تداولها إذا اثبتت اللقاحات فعاليتها وتناقصت أعداد الإصابات والوفيات بشكل كبير؟ وفي كل الأحوال فإن هذه الكلمات ستبقى محفورة في ذاكرة الجميع وسينقلها الصغار في المستقبل لأبنائهم وتصبح جزءا من الموروث اللغوي.