الأردن والعراق: منفعة متبادلة

ثمة خصوصية في العلاقة الأردنية-العراقية شعبيا ورسميا، يتداخل فيها التاريخ والجغرافيا مع السياسة، فالعراق كان في ذات يوم عصب الاقتصاد الأردني، فيما عمان الرئة التي تتنفس منها بغداد.

اضافة اعلان

ثمة مقولة لطالما رددها الاقتصاديون في الأردن تفيد بأن الحصار الذي فرض على العراق خلال العقد الماضي بانت آثاره في الأردن، في إشارة إلى حجم الارتباط الحساس والمهم في العلاقة بين البلدين.

وتؤكد زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني أمس للعراق على عمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وهي تؤشر، فيما تؤشر إليه، إلى استعادة موقع العراق كأحد أهم شركاء المملكة الاقتصاديين.

زيارة الملك تحمل في طياتها الكثير من المعاني؛ فهي تؤكد أهمية العراق عربيا بشكل عام وللأردن بشكل خاص.

كما أن هذه الزيارة تعني الكثير للعراقيين ثنائيا وعربيا، كما تجلى في كلام رئيس وزراء العراق نوري المالكي.

بين نتائج الزيارة وعد عراقي بتسهيل تدفق إمدادات النفط، طبقا للاتفاقية الموقعة بين البلدين التي جددت قبل شهرين، لتمتد ثلاث سنوات جديدة، بعد أن ظلت مجمدة منذ إبرامها عام 2006.

كما وافق  العراق على زيادة مقدار الخصم الممنوح على نفط خام كركوك الذي سيتم بيعه للأردن ليصبح بمقدار (22) دولارا للبرميل بدلا من (18) دولارا/برميل من سعر نفط خام برنت، وهو ما يبعث الأمل باستيراد النفط العراقي وفق الاتفاقية التي أبرمها الطرفان لتخفيف فاتورة الطاقة التي تقضم ربع الناتج المحلي الإجمالي، ما أنهك الاقتصاد وسط تصاعد زنبركي في سعر الخام عالميا.

وبينما لا يستغني الاقتصاد الأردني عن نفط العراق، تحتاج بغداد عمق الأردن صناعيا وزراعيا وتجاريا. كما يشكل الأردن شريان نقل حيويا للعراق الذي راكم في خزائنه 79 بليون دولار من عائدات النفط، التي ستكون وقود خطط عاجلة للنهوض بهذا البلد الغني الخارج من ثلاث حروب مدمرة وحصار اقتصادي خانق. ويحتاج العراق أيضا خبرات تكنولوجية أردنية ومهارات شركات المقاولات للمساهمة في إعادة الإعمار في بلاد الرافدين. 

يعوّل على الزيارة الملكية أيضا، أن تزحزح ملف الديون الأردنية المستحقة على العراق الذي يراوح مكانه منذ سنوات، ويتضمن مبالغ دفعتها خزينة المملكة لتجار ومصدرين بموجب بروتوكول كان يجدد سنوياً بين عامي 1991 و 2003، إذ تقدر ديون البنك المركزي الأردني على نظيره العراقي بـ1.080 بليون دينار، فضلاً عن 130 مليوناً سددها البنك المركزي عن تجار أردنيين كانوا يتعاملون مع العراق.

 

ولا نشي بسر حين نتوقع أن يكون الشق الاقتصادي-التجاري قد احتل حيزا كبيرا في محادثات الملك في بغداد، إذ ثمّة آمال بإحياء العلاقات الاستراتيجية التي خدمت البلدين منذ ثمانينيات القرن الماضي.

الزيارة تجدد الآمال بعودة العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى المستوى الذي كانت عليه لتحقيق منفعة متبادلة، في ضوء تضرر الجانبين من تراجع الاشتباك الاقتصادي والتجاري.  فكثير من المصانع الأردنية تعطلت بعد أن كانت سوق العراق هدفها الوحيد. كما أن أسطول الشاحنات يعمل بأدنى طاقاته في أعقاب تراجع التبادل التجاري إلى أدنى مستوياته.

مرة أخرى، يبادر الأردن إلى كسر الجليد مع دولة تمتعت دائما بعلاقات وثيقة مع الأردن. وها هو الملك يرسم ملامح علاقة صحية مستقبلية تنعش التطلعات بعودة العصر الذهبي بين عمان وبغداد.

jumana.ghnaimat@ alghad.jo