الأصوليون في العالم عقلية أو ملة واحدة

تندهش عندما تسمع أو تشاهد أو تقرأ لإسلاموي يشتم العلمانية (Secularism)، غير مميّز بين العلمانية الإلغائية التي لا تؤمن بحرية العقيدة، وبين العلمانية الديمقراطية التي توفر للعقائد أو الأديان الحرية الكاملة. لو كان الإسلاميون يفكرون ويتأملون، وبموضوعية يحللون، لاكتشفوا في الحال أنه لولا العلمانية الديمقراطية في أوروبا وأميركا، ما هاجر مسلم أو إسلامي إلى هناك ولا أقام؛ وما تمتع بحرية دينية إسلامية لم يتمتع بمثلها أمثاله وأسلافه جميعاً في بلاد المسلمين.اضافة اعلان
لولا العلمانية الديمقراطية هناك، ما أقيمت آلاف المساجد والمراكز الإسلامية في العواصم والمدن الأوروبية والأميركية، بينما يتناقص عدد الكنائس في بلاد المسلمين، أو يمنع إنشاؤها فيها. فلو كان الحكم في أوروبا دينياً مسيحياً كما كان عليه الأمر في العصور الوسطى، لما استطاع مسلم أن يطأ بقدميه أرضاً أوروبية أو أميركية، ولكانت الحروب الدينية مشتعلة إلى اليوم بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي. لكن انظر تجد أن من يُدافع عن حرية المسلمين في بلدانهم هي منظمات غربية مسيحية، مثل منظمة "العفو الدولية" أو "هيومن رايتس ووتش" وغيرهما كثير. وانظر في مآسي المسلمين المضطهدين أو المشردين في بلدانهم وخارجها، تجد أن منظمات وهيئات من الغرب هي التي تعطف عليهم وتقدم لهم مساعدات؛ المأوى والغذاء والماء والدواء.
مع هذا، يستمر الإسلامويون في إدانة الغرب جملةً وتفصيلاً، وفي التحريض للحرب الدينية واجتثاث المواطنين المسيحيين وأمثالهم من أوطانهم من دون أن يردّ عليهم الغرب بالمثل، وإن كان يوجد فيه أمثالهم من الأصوليين المسيحيين الذين يدعون إلى مثل ما يدعو إليه الإسلامويون، لكنهم لا يستخدمون الأسيد أو النار أو السيف للرد على الإسلامويين ولا يقومون بتهجير المسلمين.
يكتب أحدهم محرّضاً ضد العلمانية والديمقراطية وتعلّم الفلسفة، غير مميّز عمداً بين العلمانية الديمقراطية والعلمانية الإلغائية، معبرا عما يدور في الكواليس والدوائر الإسلاموية، وأن معركتهم الأخيرة هي مع العلمانية والتفكير الناقد والفلسفة. إنهم يستفيدون من الديمقراطية العلمانية في الغرب ويحاربونها في بلادهم.
تعمل هذه الاتجاهات الإسلاموية المتطرفة، فكرياً ودينياً وسياسياً، في النهاية ضدهم، إذ إن أشد خطر على أي دين (كما على أي أيديولوجيا) هو من بعض أصحابه. فهل جاء الخطر الداهم على الإسلام والمسلمين من العلمانية، أم من "طالبان" و"داعش" و"بوكو حرام" وأمثالها؟ ولكن الإسلامويين لا يعتبرون في قرارة أنفسهم هذه الجماعات متطرفة، أو خطرا على الإسلام والمسلمين، لأنها تمثل فكرهم الديني المتطرف.
إن كثيرا من الإسلامويين في البلاد الناجية من الدم المراق في بلاد المسلمين كالعراق وسورية ومصر وليبيا واليمن، داعشيون قلباً وقالباً، ولكنهم  يتسلحون بمبدأ التقية، على طريقة من يسمونهم "الروافض" الذين يكفرون.
إنهم يعتبرون تعلم التفكير الناقد والفلسفة كفراً يجب صده وردّه، لأن عقولهم ملغاة أو أشبه بوعاء ممتلئ بالشوائب، يمكن للتفكير الناقد والفلسفة هزه وإسقاطه وربما كسره، وبعثرة ما فيه.
في ولاية تكساس الأميركية، يُعارض الحزب الجمهوري (الأصولي) هناك رسمياً تعليم التفكير الناقد، لأنه لا يريد للأطفال أن يفكروا نقديا، فيغيروا أفكارهم أو معتقداتهم نتيجة لذلك، ويهددوا السلطة الأبوية عليهم. إن شعارات الأصوليين المسيحيين في أميركا: لا تفكر بنفسك. لا تسأل. لا تهز القارب. لأن الكنيسة والحزب الجمهوري وأبويك هم مستودع الحقيقة (Donald R. Prothero: Reality Check : How Science Deniers Threaten our Future, 2013, p. 318). وهو الشيء نفسه الذي يدعو إليه ويطالب به الأصوليون الإسلامويون، وكذلك الأصوليون الهندوس، والأصوليون البوذيون.. والغريب العجيب أن أعضاء هذا الحلف هم الذين يكفرون بعضهم بعضا، ويشنون الحروب على بعضهم بعضا.
عندما تحلل تفكير الأصوليين في مختلف الأديان والأيديولوجيات، تجده في النهاية من نمط واحد، ويصدر عن عقلية واحدة.