الجيش يتضامن مع الشعب

لأول مرة، تبادر قيادة الجيش إلى الإعلان عن تخفيض نفقاتها، وخصم ما نسبته 15 % من رواتب كبار قادتها. تقليص موازنة الدفاع في الأردن كان مطلب أوساط نيابية وحزبية في السنوات الثلاث الأخيرة، وسبق للجنة المالية في مجلس الأعيان أن أوصت بذلك قبل سنوات. وعُدَّ هذا الأمر في حينه خطوة جريئة وغير مسبوقة، أدت فيما بعد إلى استبعاد صاحبها من تشكيلة الأعيان.اضافة اعلان
لاعتبارات مفهومة، لم تعلن القيادة العامة في بيانها المقتضب تفاصيل قرار تخفيض النفقات أو قيمة المبالغ التي سيتم توفيرها جراء القرار. لكن في كل الأحوال، فإن الخطوة التي أقدم عليها رئيس هيئة الأركان تحسب في صالحه وصالح الجيش الأردني. لقد واجه الأردن من قبل أزمات اقتصادية خانقة، لكن أحدا من رؤساء هيئة الأركان لم يفكر في اتخاذ أي خطوة تضامنية مع القطاعات الشعبية التي كانت وما تزال تتحمل وحدها كلفة السياسات التقشفية.
وفي كل مناسبة كان يفتح فيها النقاش حول موازنة القوات المسلحة، كانت أصوات أولئك "القادة" ترتفع معترضة على المس بمخصصات الجيش. وفي كل سنة، كانت الميزانية تسجل زيادة عن السنة التي سبقتها.
طبيعي أن تتخذ قيادة الجيش هذا القرار؛ فالمنخرطون في صفوف القوات المسلحة الأردنية هم جزء أصيل من التكوين الاجتماعي الأردني، ويعرف كل واحد منهم ما يكابده الأردنيون من معاناة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وهم مثل غيرهم من أبناء الشعب، يكتوون بنار الأسعار، ويدفعون ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة.
لم يكن لأحد أن يفكر أو يدعم خطة لتقليص نفقات القوات المسلحة تؤثر سلبا على قدرتها في القيام بواجباتها الوطنية، وتضعف جاهزيتها في مواجهة تحديات داخلية وخارجية كبيرة. لكن الإشكالية كانت في محاولة البعض التسلل إلى أرقى مؤسسة أردنية لإضعافها من الداخل، عبر عملية ممنهجة تهدف إلى تغيير أولوياتها وتحويلها إلى مجرد شركة تقوم بأعمال "البزنس".
لقد فشلت الخطة "المؤامرة" كما يبدو، واتخذ قرار استراتيجي يقضي بالنأي بالمؤسسة العسكرية عن كل النشاطات الاستثمارية. وتجري حاليا معالجة جذرية لملفات المرحلة السابقة.
وفي الإطار ذاته، يتعين الحرص على عدم توظيف القوات المسلحة في المعارك السياسية والانتخابية، صونا لسمعتها العطرة ودورها الذي ما يزال محل إجماع الأردنيين كافة.
الجيش الأردني جيش وطني بحكم تكوينه، قدم تضحيات لا تقدر بثمن دفاعا عن تراب الأردن، وحمل على عاتقه مهمات تنموية لا يجرؤ أحد على إنكارها، سواء كان ذلك في المجال الصحي أو التعليمي، وخرّج أفضل القيادات للدولة، بقطاعيها العام والخاص. جيش بهذه المواصفات لا يمكن إلا أن ينحاز لشعبه وقيادته في هذه المرحلة الحرجة. والمأمول أن  تكون خطوة تقليص النفقات بداية لمراجعة أوسع، تحفظ للقوات المسلحة مكانتها وسمعتها، وتضع حدا لسيل من الأسئلة المقلقة في الأوساط الأردنية.
الجيوش التي على شاكلة الجيش الأردني هي من صنع الفرق في حياة الشعوب في المحطات الحرجة.

[email protected]