الخلافات التجارية الأميركية الصينية: 2 - صفر

بدأت الولايات المتحدة الأميركية، ما يمكن تسميته مواجهة تجارية مع الصين، ولعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سعيد بمسار الأحداث حتى الآن، مع تراجع، وربما هزيمة الصين، في محطات رئيسية، ولكن بكين تدرس كيف الرد، وهذا الرد قد يؤدي لتغيير في شكل النظام السياسي وليس الاقتصادي وحسب.   اضافة اعلان
 سرى الخميس 23 آب (أغسطس) 2018 القرار الأميركي فرض تعرفة جمركية جديدة، بنسبة 25 بالمائة، على بضائع مستوردة من الصين، حجمها نحو 16 مليار دولار، وتغطي 279 سلعة. وردت الصين، بإجراء انتقامي مشابه، بفرض ضرائب على سلع أميركية بذات الحجم.
الضرائب الأميركية الجديدة، هي جولة ثانية، بعد فرض جمارك على بضائع صينية تقدر قيمة الواردات الأميركية منها بـ 34 مليار دولار، في تموز (يوليو) الفائت. وتأتي هذه الجمارك، ردا على رفض الصين طلبا أميركيا لشراء منتجات أميركية بشكل أكبر، خصوصا فول الصويا والغاز الطبيعي المُسال، ورفض الطلبات الأميركية بخصوص حقوق الملكية الفكرية، ووقف دعم الصناعات الصينية (لتكون أكثر منافسة للبضائع الأميركية)، وتغيير هيكل الجمارك. ويهدد ترامب بفرض جمارك على بضائع حجمها 500 مليار دولار، بينما تصر الصين أنها تلتزم بالقوانين الدولية.
ربما تكون حرب الجمارك هذه، جاءت بعد أن نجح ترامب في دفع الصين للتراجع أمام إجراءات اتخذها في نيسان (إبريل)، عندما فرض حظراً على تصدير شركات أميركية مكونات تحتاجها شركة ZTE، الصينية، لصناعة الهواتف ووسائل التواصل الإلكترونية، وهي ثاني أكبر شركة صينية من نوعها، والرابعة عالمياً. وتضررت الشركة كثيرا وتراجعت قيمة أسهمها في البورصة، بقيمة 70 بالمائة (10.1 مليار دولار)، قبل إبرام تسوية تراجعت فيها إدارة ترامب في حزيران (يونيو) وسمحت بتصدير القطع الأميركية للشركة، إثر دفع ZTE مبلغ 1.4 مليار دولار غرامة، والقبول بالخضوع لرقابة أميركية، تبدأ بقضايا حقوق العمال ولا تنتهي بمنعها من بيع أجهزة بقطع أميركية إلى إيران. بدا كأنّ ترامب سجل أول هدف في المرمى الصيني عبر هذه الشركة.
في المقابل تريد الصين وشركة مثل ZTE، تطوير اعتمادها على ذاتها في صناعة أجزاء أجهزتها الالكترونية، لذلك تتبنى الصين برنامجا بقيمة 150 مليار دولار (على مدى عشر سنوات) لتطوير معالجات كومبيوتر (microprocessors)، ولتشجيع شركات أجنبية في مجال الحاسوب والاتصالات لتأتي وتعمل وتنتج من الصين، للتخلص من الاعتماد على البضاعة الأميركية.
دخل هدف آخر في المرمى الصيني مؤخراً، ولكن من قبل أستراليا، التي قررت عدم السماح باستيراد تكنولوجيا هاتف الجيل الخامس من شركات ZTE  وهواوي، الصينيتين، بحجة احتمال خضوعهم لسلطة الحكومة الصينية، وما حدث في استراليا قد يتحول إلى جزء من استقطاب دولي تجاري بين الصين والولايات المتحدة.
يوجد حاليا، احتمالات لسيناريوهات عدة، من ضمنها حروب تجارية، ليس بفرض جمارك متبادلة متزايدة وحسب، بل وأيضا تخفيض قيمة العملة الصينية (اليوان)، لزيادة جاذبية البضاعة الصينية للتصدير، للولايات المتحدة الأميركية وغيرها. في المقابل تدرس واشنطن فرض قيود ورقابة أشد على شركات صينية تعمل في الولايات المتحدة.
اتخذت القرارات الأميركية بشبه إجماع الحزبين، في الكونغرس، ما يعني أنّ هناك رأي عام أميركي ضد رأي عام صيني، ويستخدم السياسيون الأميركيين، ألفاظا مثل "الصينيون يسرقون الاختراعات الأميركية". في المقابل تقود الصين، برنامجا ضخما عنوانه "السيادة   على الانترنت"، أو "Cyber Sovereignty"، ومن أهدافه التخلص من سيطرة الولايات المتحدة على الإنترنت، ويتضمن برامج تمنع الشركات والجهات الأميركية من استخلاص معلومات عن الصينيين، وتفرض رقابة أكبر على الإنترنت، فمثلا اخترع الصينيون برامج تحذف صورا معينة من الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد جربت مثلا بحذف صور معارضين صينيين، ومثل هذه التكنولوجيا مرشحة للتصدير، للتصدي لقواعد الإنترنت الأميركي المفتوح.
هناك سيناريوهات أخرى؛ أن يحدث تراجع أميركي، أو صيني، أو تفاهم بينهما، فالأشهر المقبلة ستوضح من سيتضرر فعلا مما يحصل.
كانت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وما زالت، عاملا يمنع وصول المنافسة بينهما حد الصراع. والآن إذا كانت العلاقات ستنحدر إلى حرب تجارية، ولتقليص العلاقات الاقتصادية بينهما، يصبح توقع حدوث تحولات في النظام السياسي الدولي، لصالح توتر صيني أميركي، أمراً ممكناً.