الفجوة بين التعليم واحتياجات السوق

تؤكد نسب البطالة المرتفعة والتي وصلت مؤخرا إلى حدود غير مسبوقة على وجود قصور كبير في تطبيق الاستراتيجيتين الوطنيتين؛ للتشغيل، ولتنمية الموارد البشرية، واللتين تركزان على أهمية تضييق الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي وحاجة سوق العمل. من بين أسباب الفجوة التي أشارت إليها استراتيجية تنمية الموارد البشرية؛ أسس القبول التي تعيق ضمان مدخلات ملائمة للتعليم الجامعي، والفجوة الواسعة بين التعليم الجامعي وسوق العمل، إضافة إلى تدني الدعم المادي للجامعات، ومحدودية البحث العلمي والابتكار. محور تنظيم أسس القبول تضمن ربط عملية التعليم بقدرة الطالب ورغبته، وذلك من خلال عدة مقترحات منها قيام الجامعات بوضع معايير لقبول الطلبة في التخصصات التي تتواءم مع قدراتهم ورغباتهم بحيث لا يقتصر القبول على معدلاتهم في الثانوية العامة، وهذا ما لم يتم تطبيقه فعليا، أو من خلال السنة التحضيرية. تطبيقا لذلك، تم بداية العام 2018 البدء بتطبيق السنة التحضيرية لتخصصي الطب وطب الأسنان في جامعتي الأردنية والعلوم والتكنولوجيا، ونتج عن ذلك قبول جميع الطلبة المتقدمين بزيادة نسبتها 20 % عن الطاقة الاستيعابية للتخصصين، ثم ما لبث مجلس التعليم العالي أن تراجع عن قراره بخصوص "التحضيرية" بداية العام 2019. وكمساهمة في التحول نحو التعليم التقني تضمنت الاستراتيجيات فيما يتعلق بأسس منح المكرمات؛ زيادة المنح لأبناء القوات المسلحة والأمن العام والمخابرات والدفاع المدني بنسبة 10 %، ولأبناء العاملين في وزارة التربية والتعليم بنسبة 5 %، على أن توجه الزيادة في النسب إلى الالتحاق بالتعليم التقني. وبالفعل أصدر مجلس التعليم العالي قرارا ً بذلك إلا أن القرار لم يدخل بعد حيز التنفيذ لأسباب عدة، من أهمها عدم توفير وتطوير التخصصات والمساقات التقنية في الجامعات بحيث يتم توجيه الطلبة المقبولين إليها. إلى جانب ذلك فقد شملت التوصيات أهمية إرشاد الطلبة لاختيار التخصصات المناسبة والأكثر طلباً، وتعريفهم بالتخصصات المشبعة والراكدة وتوجيههم نحو الابتعاد عنها، وفي هذا الصدد فقد تم إطلاق ما لا يقل عن ثلاث بوابات الكترونية على موقع وزارة التعليم العالي، لكن الواضح من طلبات القبول الموحد وتوجهات الطلبة فيها أن وجود هذه البوابات لم يحقق النتائج المطلوبة. في الواقع، فإن نثر البوابات الالكترونية على موقع وزارة التعليم العالي لن يجدي نفعاً إذا لم يكن هناك عملية توجيه استباقية للطلبة تبدأ من المرحلة الثانوية من خلال تزويدهم بالمعرفة الكافية لمفهوم حاجات سوق العمل، ومفهوم التخصص الراكد والمشبع، والأهم من ذلك هو التوفر الفعلي للتخصص البديل الذي يمكن للطالب التوجه إليه. المشكلة إذن هي ليست في فهم الأسباب، وإنما في الآليات المتخذة بنية الحل، فإصدار القوانين أو التعليمات غير القابلة للتطبيق، سيبقينا في حيز الإنجازات الوهمية وسيأخذنا إلى مزيد من التخبط المتمثل في إصدار قرارات والتراجع عنها لفشل تطبيقها، ونشر فيديوهات توعوية لا تمت للواقع بصلة. البداية يجب أن تكون من فرض استحداث التخصصات اللازمة والمناسبة لحاجات السوق في الجامعات، وتحديث الخطط الدراسية وأوصاف المساقات والمراجع المعتمدة لديها، وتجميد التخصصات الراكدة فيها، وربط ذلك باعتماد هذه الجامعات لضمان الالتزام. بدون تطوير التعليم العالي المرتكز على دراسات للسوق واحتياجاته، والاستفادة أيضا من خبرات الدول الأخرى في هذا المجال، ستظل خطواتنا البطيئة المكتفية بإطلاق الاستراتيجيات وإصدار القرارات غير المدروسة مجرد اجراءات شكلية لا تسهم في إصلاح حقيقي.اضافة اعلان