بعد التنصيب مباشرة.. فرصة نادرة

عادل عبدالرحمن عمر*

شهد يوم أمس بداية الولاية الجديدة للرئيس عمر البشير، وهو يمضي نحوها أكثر رسوخاً واطمئناناً. فالجماهير السودانية في الحضر والبوادي، اختارت الرئيس الذي حمل معه حزبه كله بثقل وزنه عند المواطنين. ذلك أن السنين المتطاولة لم تزد الناس إلا تعلقاً بشخصه، وهو ما ينبع في ظني من شخصية البشير التي تتماهى في أحيان كثيرة مع المواطن السوداني في صدقه وعفويته وشفافيته. وهذه المميزات أهلت الرئيس في وقت من الأوقات أن يكون رئيساً مقترحاً للفترة الانتقالية من الموالاة وغلاة المعارضين. اضافة اعلان
لكن البشير، برغم الانتصار في الانتخابات الأخيرة، يواجه جملة صعوبات داخلية معقدة، تحتاج أفكارا جديدة، وجرأة مثابرة في الطرح، خاصة في مسألة الحوار الوطني، وصولاً إلى الوفاق الذي تتحقق به التنمية ومضاعفة الإنتاج. وثمة تراث عظيم في أضابير المؤسسات التعليمية العليا لبحوث ودراسات تفتش في الأزمة السياسية، وتجد حلولاً علمية ومنطقية مناسبة لتراثنا وعاداتنا السياسية والاجتماعية، بحيث يمكن أن تجتمع القوى الحزبية والمجتمعية لتختار أنسبها وأكثرها ملاءمة للتربة السودانية.
يبتدى للناظر أن للحكومة المقبلة القدح المُعلى للقيادة، وتقديم التنازلات المناسبة للحوار ليؤتي أكله. ومن الواضح بعد النتائج المتحققة للحزب الحاكم، وعدد كبير من الأحزاب السودانية -أكبرها الاتحادي الديمقراطي بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني- أن التفويض الممنوح من الجماهير للحكومة المقبلة، يمنحها جرأة لإدارة الحوار من غير مخاوف، وتقديم التنازلات الممكنة، وتقديم الضمانات الكافية لقادة التمرد. ولو لم يحقق الحوار أغراضه المرجوة، زائداً إلى قدرة الحكومة على إدارة الحوار بأفق واسع وعقل مفتوح ومرونة عالية، فإنه يسد الذرائع للقادة السودانيين الذين لهم رأي مخالف للحكومة.
نعتقد أن الفرصة التاريخية متوفرة للرئيس البشير، الذي حظي بنسبة عالية من أصوات الناخبين تزيد على 94 % بقليل. والمعارضة تعلم قبل غيرها مدى شعبية الرئيس من غير لف أو دوران.
هذه الشعبية الكاسحة، تهيئ للبشير أن يكون بطلاً تاريخياً للسودان، لا ينسى عبر العصور والتاريخ؛ بأن يحقق وئاما اجتماعيا، في ظل تصريحات واسعة أصابت النسيج المجتمعي، خاصة في دارفور ومناطق أخرى في النيل الأزرق وجنوب كردفان. ولتتجلى ضرورة إشاعة العدل والمساواة، وإحقاق هيبة الدولة وسلطانها، إضافة إلى تصميم مشاريع ثقافية واجتماعية مبتكرة، لنبذ الطائفية والجهوية، والعمل على اقتراح موضوعات تعزز الحس الوطني، وإشاعة روح القانون.
الآن، يتمتع السودان بعلاقات جيدة للغاية من جيرانه من جهة الشمال والشرق والغرب، وحتى الجنوب. والحضور المهيب في حفل التنصيب، يدل على حسن سياسة الجوار الطيب، وعدم التدخل في شؤون الغير، وتغليب لغة المصالح المشتركة. هذه العلامة إضافة كبرى للحوار الوطني الذي أسهمت فيه من قبل عدد من دول الحوار. فهذا التجمع الإقليمي يشهد على نوايا الحكومة في دورتها المقبلة، للوصول إلى تفاهمات تقنع الطيف السياسي السوداني. وهذه الأجواء الطيبة تساعد الحكومة والمعارضة على تجاوز حالة الانسداد السياسي لتقدما على الحوار بشهية مرتفعة، لا تتيح فرصة للتردد والرجوع للوراء. وإذا كان التاريخ يحفظ لثورة الانقاذ أن انفصال الجنوب قد تم في عهدها، رغم ما بذل من مجهود وتقديم تنازلات مؤلمة لتكون الوحدة جاذبة، إلا أن ما حدث كان مخططا من خمسين عاماً خلت.
الفرصة مواتية الآن للحكومة لمناهضة اشتعال بؤر التوتر التي يراد لها أن تصبح مشكلات عصيّة، تفضي إلى انقسامات مدمرة تشقق كل حوائط البلد. وإذا نجحت الحكومة في إنجاز الحوار الوطني ولملمة حالات التوتر والانفلات والتمرد، فإنها تكون قد حققت قدراً من النجاح يحسب تاريخياً لها في ظل استهداف منظم، إضافة لمشكلات متداخلة لكل من الحكومة من جهة والمعارضة من جهات عديدة.
الولاية الجديدة للبشير مشكلاتها وصعوباتها داخلية بامتياز. والفرصة مُتاحة للبشير أن يحقق اختراقات مدوية، مسنوداً بدفع من جماهير غزيرة. فهل يفعلها الرئيس؟
*كاتب وصحفي سوداني