ناصر بن ناصر بن جميل يكتب: المعركة القادمة

ناصر بن ناصر بن جميل
ناصر بن ناصر بن جميل

ناصر بن ناصر بن جميل*

شاهدنا في الفترة الماضية أداء يضرب به المثل فيما يخص تعامل الحكومة الأردنية مع وباء الكورونا وخاصة فيما يتعلق بالتنسيق والتواصل والتعاون بين جميع أجهزة الدولة المدنية منها والعسكرية وهو أمر ليس بالسهل في علم إدارة الازمات، ولا بد هنا من الإشارة الى التجربة الناجحة للمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات والتي وفرت المنصة والامكانية لإدارة ناجحة للأزمة. كما وكان التواصل الحكومي مع المواطنين مميزا من حيث وضوح وتناسق الرسائل الحكومية. واستطاعت الحكومة التعلم من أخطاءها والتجاوب بسرعة بتغيير سياساتها بناء على ذلك، تماما مثلما حصل عندما تم الاستغناء عن خيار توزيع الخبز على المواطنين. والأهم من هذا كله استطاعت الحكومة توفير العلاج والرعاية الصحية لتسجل بسرعة ونجاح شفاء ٢٥٠ حالة مصابة، مما يدل على قدرة ومهنية مستشفياتنا وكوادرنا الطبية.

وبالمحصلة، استطاعت الحكومة نتيجة هذا الأداء المميز والخطوات الاحترازية التي اتخذتها، أن تغير مسار الفيروس في المملكة وأن تتجنب حالة تفشي واسعة للوباء، يفوق قدرة المملكة الاستيعابية والذي كان من الممكن أن يؤدي لا سمح الله الى انهيار تام لقطاع الصحة مثلما حصل في دول أخرى.

استقرار معدل الإصابات يستدعي التفاؤل الحذر، لكن علينا الادراك أن الوضع ما زال في غاية الخطورة، وسيبقى كذلك لحين تصنيع لقاح لهذا الوباء. ولذلك فإن الاحتواء الناجح للفيروس هو سلاح ذو حدين نوعا ما، إذ يصبح – ما لم يكن أصبح فعلا – سبب للتهاون والثقة الغير مبررة من قبل المواطنين ولربما بعض المسؤولين ايضا.

تواجه المملكة ضغوطات اقتصادية واجتماعية هائلة خاصة مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، ومن الواضح أن الوضع القائم غير مستدام، ولذلك لا بد من إرخاء وتخفيف تدريجي للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة، ولكن إذا عادت الحياة الاقتصادية والاجتماعية كما كانت اليه سابقا قبل الكورونا، سينعكس ذلك تماما بشكل سلبي على الوضع الوبائي وستهدر جميع الجهود التي بذلت في الفترة السابقة. كما وستكون التداعيات الاقتصادية أكبر بكثير لأن الموارد المالية والامكانيات للتعامل مع الأزمة قد تكون استنفذت مع مرور الوقت.

تواجه المملكة ومعظم دول العالم في الوقت الحالي معادلة صفرية بين الوباء والاقتصاد - واحدة على حساب الأخر. تجاوز هذه المعضلة الصعبة يتطلب تطوير حلول مبتكرة بخصوص آلية وتوقيت استئناف الحركة الاقتصادية، بحيث تغلب فيها المصلحة العامة على المصالح الشخصية. لا بد للوباء ان ينتشر مجددا عند الانفتاح، فالمعركة القادمة ستكون اقناع الجميع بهذه الاحتمالية والاستعداد لأي اضطرابات وإغلاقات لمناطق جغرافية وقطاعات ومنشآت مختلفة إن توسع تفشي الوباء. وعليه، يجب أن تكون المرونة هي عنوان المرحلة المقبلة.

كما ويمكن للقطاع الخاص أن يبادر بطرح حلول وضمانات تزيد الثقة بقدرتهم على تبني وتعميم احتياطات السلامة للحد من انتشار الوباء في قطاعاتهم لدى إعادة تشغيلها، والعمل ضمن نهج جديد أساسه المسؤولية الأخلاقية والرقابة الذاتية في تطبيقها.

* مدير معهد الشرق الأوسط العلمي للأمن

اضافة اعلان