لا لإصلاح التعليم..!

مضللٌ الحديث عن الإصلاح في التعليم، وكأنه مشروع صيانة وترميم، أو تقويم وتحسين. فرغم أن الأردن -ككل العالم- متخم بمبادرات ومؤتمرات "إصلاح التعليم"، إلا أن التعليم العام والخاص، وكلٌّ لأسبابه، "خربان"، لا بل ومستمر خرابه يوماً بعد يوم.اضافة اعلان
ومتفق عليه أن مخرجات التعليم والتعليم العالي الحكومي، في أكثرها، مُحرجة. وهي إساءة مستمرة للوطن والمواطن. أمّا التعليم الخاص، فإنه جُزر معزولة، قد يحقق إنجازات على صعيد الكفايات التعليمية، إلا أنّه أخفق في تحقيق تحولات نوعية في التفكير الإبداعي، وقبول التنوع والآخر المختلف، وتحقيق الاندماج مع المجتمع الأردني.
حسب منظمة "اليونسكو"، فإن رؤية التعليم بعد العام 2015، يجب أن ترتكز على مبدأين أساسيين:
- الأول، أن الحق في التعليم الجيد يمثل حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
- الثاني، أن التعليم يدخل في نطاق المُلك العام. ويجب أن تحمي الدولة الأسس التي يستند إليها التعليم بوصفه مُلكاً عاماً، وأن تركز تركيزاً خاصاً على تعزيز المساواة.
وفي المبدأ الثاني يكمن مَربط الفرس. فمنذ أن سلمها دولته لتيّار سياسي معروف، صارت وزارة التربية والتعليم حبيسة  توجّه ورؤية وسلوك ذلك التيار، حتى تظن أنّها وزارة التربية والدعوة، وليست وزارة التربية والتعليم. ولهذا، فإن التعليم في الأردن حقق رؤية التيّار الذي تسلم الوزارة. وهذا واضح من الأغلبية التي وصلت لنقابة المعلمين. وإن كنتم تعتقدون أن في هذا مبالغة، فاسألوا عن نسبة الطلبة التي تظنّ أنّ الموسيقى حرام في المدارس الحكومية! التوجّه -كما أشرنا- في مجال التعليم أن تحمي الدولة الأسس العلمية الأساسية، حتى لا يُمسي التعليم "مَلْطشة"؛ كلّما تولّى الحكومة توجّهٌ سياسي ما، أخذ التعليم إليه.
وبالحديث عن الرؤية، فإن التعليم في أي بلد يقوم على رؤية يحققها. وبالمعنى المباشر، يقوم على إجابة عن السؤال التالي: "ماذا يريد الوطن من التعليم؟"، أو بمعنى أدق "ما هي الكفاءات التي يحتاجها الوطن؟"؛ فإن كانت مهنية مثلاً، فإنه يتم توجيه الموارد والكفاءات والمدارس لتحقيق هذا الهدف.
رؤية التعليم في الأردن، كما ينص عليها قانون التربية والتعليم لسنة 1994، هي رؤية سياسية بامتياز؛ يحضر المواطن الأردني والأردن وحاجاته فيها عَرَضاً، إذ تصدح المادة الثالثة منه بعبارات عامة رنانة من تعليم الإيمان بالله إلى تحقيق الوحدة العربية. ولكن يحضر فيها العقل والفلسفة وتقبل الآخر لماماً. وأهم من ذلك كله أنّها تقوم على قطبية مسارات التعليم "أكاديمي، مهني"، وليس على تعدد السِّمات الشخصية للطالب، وحرية التفكير؛ وتعمل على توحيد نمط الشخصية المتوخّاة من العملية التعليمية، أكثر من خدمتها لحقيقة الاختلاف والتنوع الإنساني الذي يُثري الوطن والمواطن.
مؤتمر التطوير التربوي للعام 2015، جاء إنجازاً من حيث التوصيات التي توصّل إليها. ولكنّه غفل عن مراجعة فلسفة التعليم ورؤيته، كمتطلب مسبق لصحة أي توصيات إصلاحية. ومن هنا، فإن المؤتمر عُني بتجهيز العربة، وربما أحضر الحصان، ولكنه لا يعرف إلى أين يتجه، وما هو الشخص/ الفرد الذي يتوخاه كمُخرجات للعملية التعليمية.
نعم، التعليم بحاجة إلى ثورة بيضاء وليس إلى إصلاح، على أساس من رؤية تعتمد قيم عمارة الأرض، التي تستوجب تشجيع حرية التفكير الناقد، ومحاربة وإلغاء التلقين، واعتماد البحث والسؤال والتقصّي، حيث المعلم يُيسّر البيئة الآمنة الضامنة للسؤال والتساؤل.
وعليه، لنبدأ بسؤال الفلسفة: "ماذا نريد من التعليم؟". وبعكس ذلك، فإن الحديث عن الإصلاح مضيعةٌ للوقت والمال جنابك!