لست مع جورج قرداحي ولكن...

لست بداية مع رأي جورج قرداحي وطرحه فيما يخص رغبة النظام السوري في إحداث تغييرات إصلاحية في بلاده، ولست مع أي زعيم عربي يقود حملة همجية ووحشية ضد مواطنيه، حتى وإن كان يقدم طرحاً إصلاحياً لأنه بالضرورة يكون قد فقد أهم أمرين في منظومة حكمه، وهما الرحمة والتسامح، وبالتالي لا يؤتمن وحش على بشر ضعاف، لا بأوطانهم ولا بأرواحهم.اضافة اعلان
لكن الأمر الذي يثير الانتباه إلى قضية تصريحات جورج قرداحي حول تأييده لإصلاح قد يقوم به النظام السوري، ومعاقبته الفورية على هذه التصريحات بإيقافه عن العمل في مجموعة "أم بي سي"، ومنع عرض برنامجه الجديد "أنت تستاهل" على شاشة "أم بي سي1"، هو أن قرداحي عبر عن رأيه بمعزل عن موقعه الإعلامي كمقدم لبرامج ترفيهية جاذبة للمشاهدين.
قرداحي قال في تصريحاته إنه حريص على دماء السوريين، لكنه يشعر بوجود مؤامرة خارجية على سورية، واعتبر أن الرئيس بشار الأسد ليس هو النظام السوري، وبالتالي تصطدم رغبته في الإصلاح بعراقيل عديدة من منظومة الحكم في سورية، وهي منظومة معقدة، ومعطلة للإصلاح.
هذه التصريحات قد لا يجدها العاقل مقنعة كطرح سياسي، وهي لا تحمل فكراً عميقاً لما يجري على الساحة السورية، لكن كإعلامي خرج منه هذا الطرح أجد الحكم باغتيال شخصيته المهنية أمراً غير منصف البتة، وكان بالإمكان إصدار بيان من مجموعة "أم بي سي" يعبر عن عدم تبنيها لمثل هذه التصريحات، وليس بياناً يتضمن اغتيالاً لشخصية جورج قرداحي، وكأنه أصبح بفكره، وسلوكه، وحياته العامة مجتمعة ملكاً لجهة العمل.
الإعلامي لا يعبر بالضرورة عن رأي جهة عمله، ونحن حين نكتب في صحيفة ما، لا نعبر عن رأي مجلس التحرير، وقد نعكس وجهة نظر المؤسسة على حساب أفكارنا، وإن فعلنا فلن نكون غير أبواق تعبر عن وجهة نظر واحدة ليس فيها رأي آخر، وهنا تنتهي صلة الإعلامي بفكره وعقله ويصبح أداة للتعبير الأيديولوجي ليس إلا، وهو ما يرفضه الجمهور الفاهم لكل سكنات وحركات ما يقدم له عبر إعلامنا.
أستطيع أن أفهم موقف قناة فضائية تجاه حدثٍ ما، ويمكن استيعاب استراتيجية عمل غرف الأخبار في القنوات الإعلامية المختلفة، لكن ليس بالإمكان تفهم التسلط على فكر إعلامي في التعبير عن رأيه، وإن كان هذا الأمر جائزاً لدى مؤسسة إعلامية ما، فلماذا لا يكون مكتوباً في عقد العمل عند التوقيع عليه من جانبي المؤسسة والإعلامي؟
اغتيال شخصية إعلامية ببيان صحفي ليس هو الحل المثالي والمهني الذي يمكن أن تلجأ إليه مؤسسة إعلامية يتفانى الشخص في خدمتها لسنوات طويلة من عمره، والسبب أنه عبّر عن رأيه الخاص بعد أن أصبحت له سمعة اعتبارية لا ترتبط بالمؤسسة فحسب، وبالتالي ارتبط رأيه بذاته، وهو يحاسب من قبل جمهوره ومحبيه على آرائه كشخص، وليس كنظام.
جورج قرداحي أدرج اسمه على "لوائح العار" التي يتم تناقلها عبر الإنترنت، والتي تتضمن أسماء ممثلين وشخصيات إعلامية تدعم الأنظمة المناهضة لربيع العرب، لكن اسمه الذي أدرج وليس اسم المحطة الإعلامية التي يعمل فيها، وهو مطالب بإيضاح صريح ومقنع بشأن تصريحاته وإلا سيفقد الكثير من شعبيته العربية الواسعة، لكن هذا الأمر لن يضر بشعبية القناة التي يعمل فيها، ولن يكون له مردود تجاري سلبي على برامجه، فهو محاسب كشخص، وبالتالي هو مسؤول عن تصريحاته وليس المؤسسة التي يعمل فيها، وهذا الأمر مفهوم لدى الجميع، فلماذا تفرض مؤسسة إعلامية الوصاية على فكر العاملين فيها؟