مدارس في السياسة

في الدول تصنيفات مختلفة لمدارس السياسة والحكم والحكومات، فهناك تصنيف تتحدث به دول مختلفة يتوزع فيه اهل السياسة بين محافظين او حرس قديم وليبراليين، والمؤمنين بمدرسة الانفتاح الاقتصادي والخصخصة والبيع، طبعا الليبرالية في عالمنا العربي تختلف عن العالم لأن لليبرالية اخذت شكل البزنس وتبنّي المشاريع الاميركية بل حتى التقدم على الاميركان احيانا. ومن مدارس السياسة ايضا وصف طريف يتحدث به بعض السياسيين الاردنيين من ان هناك مجموعتين، الاولى نشيطة وتريد ان تعمل عمل المستقبل امس، وهذا يدفعها احيانا لتثبت ذاتها الى الفهلوة وافتعال الانجاز والاستغراق في الشكليات والقفز من فكرة لأخرى من دون نضج كامل لهذه الافكار او ثمارها، اما المجموعة الثانية فتريد ان تعمل ما عليها اليوم بعد عام او تفتقد الى الديناميكية، وهذه مجموعة تفتقد الى المبادرة والتفكير بما يجب، وكلا المجموعتين لا تصلحان والحاجة الى الطريق الثالث الذي لا يؤمن بالمظاهر وافتعال الحركة والاكسسوارات وفي نفس الوقت ينفذ الواجبات في وقتها وبدقة وايجابية.

اضافة اعلان

ومن مدارس السياسة في عالمنا العربي ذلك التقسيم الذي يتحدث عن ادارة اقتصادية للسياسة والحكم، اي يدير الحكومات رجال اقتصاد، وحكومات يديرها رجال سياسة، والحديث هنا ليس عن اولويات الحكومات للدول بل عن تركيبة اهل الحكومات، والنماذج في عالمنا عديدة لرجال اقتصاد قادوا السياسة والحكومات في بلادهم فكانت لهم لمسات اقتصادية سواء اعجبت البعض او اغضبت اخرين الا انها كانت امورا متوقعة بحكم تركيبتهم، وبعض اهل الاقتصاد من السياسيين استعملوا ثرواتهم لخدمة بلادهم او على الاقل مشاريعهم السياسية.

وهناك صنف لا يمكن اعتباره من نموذج اهل الاقتصاد بل هو نموذج التجار الذين تولوا مواقع السياسة في بلادهم، والتاجر مختلف عن اهل الاقتصاد، فالتاجر يسخر السياسة والموقع والنفوذ لمصالحه، وهذا الاستغلال له دائرة واسعة ابتداء من تسخير الموقع او التشريع او جعل بوصلة السياسة لخدمة مصالحه او مصالح مجموعته من التجار سواء كانوا داخل السلطة او خارجها، لكن محصلة مراحل هيمنة التاجر على السياسة انها تجيير المصالح العامة لمصلحة فئة واحيانا تصل بهم الامور الى اعطاء غطاء المصالح الوطنية على المصالح الخاصة، والتاجر قد يقدم بعض الثمن من مال او شراكة في النسب والعمولات لغير التجار من طبقة السياسيين حتى يضمن مصالحه.

وداخل اطار التجار من اهل السياسة نماذج، في بعض الدول كان التجار يجيّرون السياسة لمصالحهم عبر قرابة او علاقات مع اهل القرار، فالهدف المصالح ولهذا كانوا يستعملون نفوذ اهل السياسة في تجارتهم، طبعا هذا ليس لوجه الله بل شراكة لكن غير معلنة. لكن ما هو اخطر من التجار وهيمنتهم على السلطة السياسية هو دخول نوع جديد وهو السماسرة، فالتاجر يبحث عن ربح ويحرص بشكل اكبر على المصالح العامة لأن فيها مصالحة، لكن السمسار ليس معنيا بأي مصلحة سوى حصوله على عمولته، والسمسار مصلحته في كثرة العمليات لأن هذا يعني مزيدا من العمولات، وقد تكون مصلحته اليوم مع البائع واخرى مع المشتري لكن ليس له علاقة بما يتم بيعه او شراؤه، ولهذا فالمسافة بين الاقتصادي الذي يقود السياسة الى السمسار مرورا بالتاجر مسافة طويلة وتحمل تفاصيل في نوعية السياسي وبوصلة اعماله لكن النوع الاخطر هو عقلية السمسار.

العديد من الدول في العالم التي دخلت مناهج اقتصادية قائمة على اقتصاد السوق دخلت كل تجاري اصناف ومدارس السياسة، لكن اصعب النتائج الاقتصادية وحتى الحضارية هي مراحل التجار والسماسرة، لأن البضاعة بالنسبة لهؤلاء لا معنى معنويا او رمزيا لها فالحديث عن السعر والربح والعمولة، اما المضامين فلا يتوقف عندها هؤلاء مهما بلغت مكانتها لدى الشعوب.

[email protected]