مكافأة مدمري الاقتصاد

أجمع النواب - وخيراً فعلوا - عندما استنكروا دعوةً غريبة للعفو عن جرائم الاغتصاب وهتك العرض في رسالة مهمة من المجلس والحكومة لتأييد رفض المجتمع العارم التسامح مع جرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي، وإن رفض المجتمع للعفو عن مرتكبي تلك الجرائم نابع من استنكار المجتمع لها، واحتراماً لكرامة المرأة، وخصوصيتها وسيادتها على جسدها أو أن المجتمع ينتفض إذا اقترب الأمر من الشرف الممثَّـل في جسد المرأة أو عرضها وفي كل الأحوال شكراً لهم. اضافة اعلان
ولكننا بصراحة ومع الاحترام لشخوص النواب، افتقدنا هذا الأمر؛ عندما صوتوا لصالح العفو عمن "هتك" بدم بارد عرض الاقتصاد الوطني بالاعتداء على ثرواته وبنيته التحتية من ماء وكهرباء، فقد شمل قانون العفو كما أقره النواب جرائم الاعتداء على خطوط الماء والكهرباء؛ وللتوضيح إن هذا العفو لا يقتصر على مواطن غلبان سحب خط ماء أو كهرباء على بيته الصغير -مع التأكيد على رفض وعدم قانونية هذا السلوك- ولكنه يشمل أفعالاً جُرمية نصت عليها المواد 455 و456 و457 من قانون العقوبات، والمادة 30 من قانون سلطة المياه، ومن هذه الأفعال: الاعتداء على شبكة المياه الرئيسية، حفر الآباء الارتوازية دون ترخيص، والتنقيب عن المياه دون ترخيص، تخريب المنشآت المشيدة للانتفاع بالمياه العمومية، إلقاء أسمدة حيوانية أو قاذورات في مجاري المياه أو عمل ما من شأنه تلويث النبع أو المياه التي يشرب منها الغير.
إن سرقة المياه هي إعتداء مباشر على الاقتصاد الوطني، وعلى واحدة من أهم ثروات البلاد، على ثروة تعتبر سلعة استراتيجية، بل هي من ضمن أهم عناصر الأمن الوطني، فهل يعلم النواب الأفاضل أن الأردن هو من أفقر ثلاث دول في العالم مائياً، وهل يعلم السادة النواب أن حصة الفرد من المياه تناقصت من العام 1946 حيث كانت 3600 متر مكعب سنوياً لتصبح 100 متر مكعب سنوياً حالياً، إن التسلسل الى استقرار الأردن وأمنه – لا سمح الله –مرشح أن يكون من "عنصر الماء" أكثر منه عن طريق المديونية، خاصة وأن موضوع المياه محل منازعة دائمة مع دولة الإحتلال.
أما الكهرباء فقد نشرت محطة تلفزيونية محلية أن العام 2018 شهد عشرين ألف حالة اعتداء على الكهرباء؛ بمعدل 55 حالة اعتداء يومياً، وقد صرح وزير مياه سابق مؤخراً ان ثلاثة متنفذين سرقوا خمسة ملايين متر مكعب مياه، وبحسب مصدر اقتصادي فإن حجم سرقة الكهرباء تقدر بحوالي 200 مليون دينار سنوياً، أليس هذا فسادا؟! وكيف سنقبل من نائب وافق على هذا العفو أن يطالب بمكافحة الفساد وجلب الفاسدين، وكيف للحكومة التي تتوسل بفرض الضرائب لسد العجز المادي في الموازنة وسداد الديون، وأكثر من ذلك، كيف يقرر مجلس النواب الموقر أن يعفو عن تجار المخدرات ولو كانت تجارتهم للمرة الأولى، ما هي الرسالة التي نرسلها لهم: من اتجر بِطُن من الحشيش وجلب طناً من حبوب الكبتاجون للمرة الأولى "مش قصده".
هل يجب علينا لكي ينتفض النواب ويرفضوا العفو في الجرائم المتعلقة بالاعتداء على ثروات الوطن أن نعدل نصاً في قانون العقوبات ليصبح مثلاً "يُعاقب بالسجن أو الغرامة كل من يهتك عرض الاقتصاد الوطني بالاستطالة الى ثرواته الوطنية أو اغتصابها…"، أم أن قبول السادة النواب لهذا العفو له مآرب أخرى. إن مجلس النواب مطالب بالرد، وتقديم توضيح حول قبوله بمثل هذا القانون للعفو.
أيها السادة المحترمون، إن العفو العام يصدر بموجب قانون خاص سنداً لنص المادة 38 من الدستور، والتي جاء فيها: للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة، وأما العفو العام فيقرر بقانون خاص، ويكون العفو العام بهذا المعنى فرصة للمجرم غير المكرِّرْ ولا المعتاد ليبدأ حياة جديدة ولكن لا يجوز دستورياً وسياسياً أن يشمل العفو العام جرائم تمس حق الدولة الأمني ولا جرائم الإعتداء على ثروات الوطن ولا الجرائم التي تطيح بحقوق المواطنين المالية والاقتصادية واستقرار معاملاتهم التجارية، وبغير ذلك يكون العفو هتكاً لعرض الأمن الاقتصادي الوطني واعتداء سافرا على حقوق المواطنين واستقرار معاملاتهم التجارية، فاهم علي جنابك؟!!