منظومة الاكتفاء الذاتي: نراوح مكاننا أو نتراجع إلى الخلف.. لماذا وكيف وإلى أين!؟

مثقال عيسى مقطش

عمان - عنوانان محيّران في يوم الغذاء العالمي الذي يصادف يوم 16 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وهما: محليا؛ الاكتفاء الذاتي للسلع الرئيسية ما زال بعيد المنال والقمح أبرز عنوان لها، وعالميا؛ تطاير أسعار الغذاء.. وحالة انعدام الامن الغذائي في العالم هي في قمة التحديات!اضافة اعلان
ومحليا؛ ماذا يعني الاكتفاء الذاتي؟ وماذا وضعنا من خطط اقتصادية واجتماعية حتى نتحرك الى الامام باتجاه الهدف الاسمى وهو أن نصبح دولة وشعبا يعمل ضمن منهجية "الاعتمادية على الذات"، وهل وكيف يمكننا أن نحقق الهدف؟ وهل نقبل بما يلوح في الأفق أن ما نصبو إليه هو مستحيل؟
والأسئلة التي تطفو على السطح هي باختصار: هل وضعت حكوماتنا المتعاقبة سياسات زراعية وغذائية لمواجهة نقص الغذاء والتوازن في المحتوى الغذائي؟ وهل اتخذت هذه الحكومات منهجية عمل لتطبيق ما تعلنه المؤسسات الحكومية المختصة من تعريفها للأمن الغذائي بأنه "قدرة الدول بمواردها الطبيعية والمالية على تأمين الاحتياجات الغذائية الكمية والنوعية لمواطنيها، وإيصالها لهم في الوقت المناسب وفي أماكن تواجدهم مهما كانت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، أي وصولها حتى للفقراء وتمكينهم من الحصول على احتياجاتهم الغذائية"؟
إن السؤال الذي يطرح ذاته وتردده الغالبية العظمى وهم طبقة الفقراء والكادحين هو: ما هي الخطوة أو الخطوات القادمة في المنظورين القريب والبعيد في سبيل تحسين وضع الناس اقتصاديا وماليا؟، وهل سيكون الحل بإعادة النظر في المسيرة الاقتصادية واللجوء إلى خطة خمسية أو عشرية قابلة للتطبيق من خلال معايير واضحة ومدروسة ومواصفات في مقدمتها الشمولية والمرونة الهادفتان نحو تحقيق الهدف وهو: إسقاط مصطلحات الجوع والفقر والبطالة من قاموس المسيرة الأردنية؟
إن الأجابة لا يمكن تقديمها بسطور معدودة، ومهما تباينت الآراء، فإن الوطن هو واحد والمواطنة هي واحدة والانتمائية هي هدف ووسيلة، ولكن يمكن التفاؤل بالسير قدما نحو ما يتمناه المواطن وهو: استقرار اقتصادي يتمخض بعجالة ثابتة عن استقرار مالي وحياتي، فهل يتحقق؟
ثمة حقائق اقتصادية ومالية مؤلمة وقاسية باتت معروفة للمسؤول والمواطن، وثمة قناعة راسخة ومطالبة ملحّة ببرنامج انقاذ عبر خطة خمسية أو عشرية هادفة نحو الوصول الى شاطئ الأمان!
 إن الاجتهاد صعب حول معطيات مالية وحيثيات اقتصادية جعلت الصورة قاتمة.. وتراكمات أوصلتنا إلى موازنة أكدت معطياتها الرقمية، إن أكثر من 40 % من الناتج المحلي الإجمالي يتآكل أمام حجم الإنفاق العام، وما يغلفه من هدر في مواقع غير مثمرة وربما غير لازمة.  وتؤكد الأرقام أن عجز الحساب الحالي في نهاية حزيران (يونيو) من العام الحالي 2011 ارتفع الى اكثر من 1.1 بليون دينار مقارنة بمستوى 550 مليون دينار في ذات التاريخ من العام الماضي! ويعود السبب الرئيس إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري اي تعاظم المستوردات ومن ضمنها المواد الغذائية امام ارقام الصادرات!
وطبقا للمصادر الحكومية الرسمية فإن الاكتفاء الذاتي للمملكة ما زال بعيد المنال، ولقد أظهرت التقارير الرسمية الأردنية أن كمية الإنتاج من القمح في عام 2010 كانت تكفي حاجة الأردن لمدة 17 يوما فقط، أي أن الإنتاج الوطني من محصول القمح وفر فقط 5 % من الاحتياجات خلال العام، في حين تم استيراد الجزء المتبقي من الخارج!
فيما بينت نتائج دراسة الميزانية الغذائية انخفاض النصيب اليومي للفرد الأردني من السعرات الحرارية من 3,001 سعرا حراريا في عام 2003 إلى 2,873 سعرا حراريا في العام 2010، وبانخفاض نسبته 4.2 %.
وبينت النتائج أيضا انخفاض النصيب اليومي للفرد من السعرات الحرارية في عام 2010 عن عام 2009 بنسبه 1.6 %، في حين تعتبر منظمة الأغذية والزراعة أن الفرد يكون جائعاً إذا انخفض متوسط استهلاكه اليومي عن 1,800 سعر حراري!
إذن، تؤكد المؤشرات الرقمية أن هناك تراجعا الى الخلف عن مستويات هي اصلا متدنية!، فالى اين نتجه؟.. ولماذا وكيف يمكننا تعديل الاعوجاج في المنهجية الاقتصادية وما لها من انعكاسات على الحياة الصحية والاجتماعية والانتاجية؟
وهل نكتفي بالقول إن الوضع عالميا هو السبب الرئيس وراء أزماتنا ومشاكلنا الاقتصادية، وعدم تمكننا من الزحف باتجاه هدف حققته دول مشابهة في المساحة والجغرافيا والسمات الاقتصادية مثل ايرلندا وسنغافورة، وهو الاعتمادية على الذات والمستوى المتقدم في منظومة الاكتفاء الذاتي!
البشرية تعيش حالات مد وجزر، والفقير يزداد فقرا والغني يزداد ثراء، وكلما دقت ساعة الخطر تقوم الدول الصناعية او مؤسسات المنظمة الدولية بالدعوة الى عقد مؤتمر تهدف من خلاله الى النظر بعين العطف الى حال الدول الفقيرة التي تصارع شعوبها المرض والجوع والعطش، ولكن الاساس هو دور حكومات وشعوب هذه الدول في تحقيق الهدف انطلاقا من مقولة "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتستهلك مما لا تنتج". 
وبقي من القول، إن الوصول الى محور متقدم على خريطة الاكتفاء الذاتي لم ولن يتحقق بالتخطيط اللحظي ومعالجة الفجوات المجتمعية والاقتصادية بالقطاعي، وانما من خلال سياسة اقتصادية زراعية وإنتاجية شمولية نحو الاعتمادية على الذات، وعبر أسس اقتصادية قوامها الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة!

[email protected]